عقبات الحوار مع إيران
باتريك سيل
اعتباراً من الأول من أكتوبر المقبل، سوف تشرع إيران في محادثات واسعة النطاق مع المجتمع الدولي. وهذا الأمر يمثل في حد ذاته اختراقاً باعتباره أول تطور من نوعه يحدث منذ قيام الثورة الإيرانية في العام 1979.
لم يتحدد بعد مكان عقد تلك المباحثات، ولكن يتوقع أن يكون إما في مدينة جنيف السويسرية أوفيينا النمساوية. ومن المقرر في هذا السياق أن يلتقي المفاوض “سعيد جليلي” مسؤول الملف النووي الإيراني بخافير سولانا منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، وبممثلين رفيعي المستوى للولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، أو ما يطلق عليهم مجموعة(5 +1).
ومن المقرر أن يمثل “ويليام جي.بيرنز” المدير السياسي بوزارة الخارجية الأميركية بلاده في تلك المفاوضات، التي تعتبر أول لقاء عالي المستوى بينها وبين إيران، منذ أن تولى باراك أوباما الحكم.
وترى الدوائر السياسية أن احتمالات تحقيق تقدم في تلك المفاوضات ليست كبيرة لعدة أسباب منها على سبيل المثال لا الحصر ميراث الشك المتبادل بين جميع الأطراف المشاركة في تلك المفاوضات، وتفاقم التوترات والصراعات بين الأجنحة المختلفة داخل إيران بما يجعل من الصعب على أي مسؤول إيراني أن يفكر مجرد تفكير في الدخول في عملية تطبيع علاقات مع الولايات المتحدة التي طالما نُعتت في إيران بـ” الشيطان الأكبر”، ولأن المتشددين الإيرانيين يرون أن مقاربة أوباما لإيران ليست في جوهرها سوى حيلة لإضعاف النظام الإيراني وإسقاطه في نهاية المطاف.
مع ذلك، لا يزال أوباما مصمما على الدخول في حوار مع طهران على الرغم من الأحداث العنيفة التي تلت انتخابات الثاني عشر من يونيو الرئاسية في ذلك البلد وما شابها من اتهامات متبادلة بين إيران والدول الغربية. وهو ما يتبين من دعوته إلى الدخول في مفاوضات مباشرة معها دون شروط مسبقة، لأنه يؤمن أن التوصل إلى صفقة مع طهران، سوف يمهد الطريق لتسوية طائفة من المشكلات بدءاً من الصراع العربي- الإسرائيلي، إلى الحرب في أفغانستان، إلى الانسحاب الأميركي المبكر من العراق.
بيد أنه ليس بمقدور أوباما أن يبدو ضعيفاً مع ذلك على الرغم من القيود العديدة المفروضة على مدى التنازلات التي يمكن أن يقدمها لإيران، والضغوط التي يتعرض لها في هذا الشأن سواء من الرأي العام الأميركي، أو من قبل خصومه “الجمهوريين” الذين وجهوا له نقداً عنيفاً لمجرد تفكيره في التفاوض مع إيران منذ البداية. ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل أن سفيراً إسرائيلياً سابقاً لدى الولايات المتحدة وصف أوباما بأنه”ساذج”، وهو وصف يبرز بجلاء التوتر المتزايد في العلاقة بين الرئيس الأميركي وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني “بنيامين نتانياهو”.
والإسرائيليون وأصدقاؤهم من “المحافظين الجدد” الأميركيين يعارضون المفاوضات مع إيران بشكل تام، ويريدون بدلاً منها فرض عقوبات أقسى على تلك الدولة، بل والمضي إلى اتخاذ إجراء عسكري لتدمير برنامج إيران النووي، إذا ما ثبت عدم جدوى تلك العقوبات.
من ضمن المصاعب التي تواجه المحادثات مع إيران أن الولايات المتحدة، والأوروبيين يودون التباحث بشأن البرنامج النووي لطهران، في حين أن الأخيرة تريد التباحث في أشياء أخرى، وهو ما يمكن تبينه من عنوان الورقة المكونة من خمس صفحات، التي قدمها وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي مؤخراً لمجموعة 1+5 في التاسع من سبتمبر، وهو”التعاون والسلام والأمن”، والذي يعطي مؤشراً على النطاق الواسع المدى للمحادثات التي تريدها إيران.
تقول تلك الورقة إن الجمهورية الإسلامية مستعدة للدخول في مفاوضات شاملة وبناءة حول طائفة كاملة من الموضوعات، بما في ذلك التغلب على الأزمة المالية الحالية، والتوصل إلى تسوية للصراع المزمن في الشرق الأوسط، وإصلاح منظومة الأمم المتحدة، ومنع انتشار الأسلحة النووية، والحد من تهريب المخدرات والهجرة غير القانونية، والتعاون في أفغانستان، والتصدي للإرهاب.
الشيء الواضح أن إيران بتقديمها لعرض إجراء محادثات، وهو العرض الذي سارعت الولايات المتحدة لتلقفه خلال فترة لم تزد عن 48 ساعة، تمكنت من تجنب التهديد المباشر الذي كانت معرضة له والذي كان يتمثل في فرض عقوبات أكثر قسوة عليها، أو احتمال تعرضها لضربة جوية إسرائيلية.
ويشار في هذا السياق أن الولايات المتحدة كانت قد أبلغت إسرائيل بأنها تعارض تماماً توجيه أي ضربة عسكرية لإيران، وأن روسيا والصين قد أعربتا بدورهما عن معارضتهما الكاملة لفرض عقوبات أكثر قسوة أو القيام بأي عمل عسكري ضد طهران، مستبعدين في نفس الوقت احتمال القيام بأي عمل مشترك ضد مجلس الأمن.
فمن المعروف أن روسيا تنظر إلى إيران على أنها دولة جارة صديقة ذات أهمية استراتيجية قصوى بالنسبة لها في تنافسها الجيوبوليتيكي مع الولايات المتحدة. ففي الشهر الماضي على سبيل المثال، أجرت كل من روسيا وإيران مناورت بحرية مشتركة في بحر قزوين كما أن إيران تحظى بصفة المراقب الرسمي في منظمة شانغهاي للتعاون، وهي منظومة أمنية إقليمية تضم روسيا، والصين، وكازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان.
من المؤكد أن روسيا ليست سعيدة بحصول إيران على السلاح النووي، ولكنها مهتمة أكثر بالآلاف من الأسلحة النووية الأميركية الموجهة ضد أراضيها. أيا ما كان الحال، وعلى حد وصف رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق من هذا الشهر، فإنه لا يوجد لدى موسكو دليل على أن طهران تحاول إنتاج أسلحة نووية. ولا يقتصر ذلك على روسيا بل أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية نفسها تقول إنها لا تمتلك دليلا أكيدا على أن إيران لديها، أو كان لديها، برنامج لإنتاج الأسلحة النووية.
الاتحاد