حوار إيران والغرب والعرب
سليمان تقي الدين
سخر البعض من المقترحات الإيرانية للحوار مع الغرب معتبراً أنها تحتاج إلى أكثر من مئة سنة من التفاوض. نسي هؤلاء أن إيران احتفلت بالعام الثلاثين للثورة الإسلامية وللمواجهة مع الغرب.
أياً كان رأينا في النظام فهو قوة إقليمية يحسب لها الحساب بينما يفشل أربعمئة مليون عربي ولو ببعض دولهم الكبرى في الدفاع عن أمنهم واستقلالهم والقيام بنهضة صناعية أو تكنولوجية.
تناولت المقترحات الإيرانية شؤون العالم كلها بما في ذلك الفضاء. دعت إلى نظام عالمي جديد تحكمه الروحانية الإنسانية والإلهية. عدا هذه العبارة من المقدمة تعاملت مع العناوين التي تشغل الإنسان المعاصر، الأمل والسلم، العدالة والتنمية، الديموقراطية وحق تقرير المصير، التعاون الاقتصادي ومكافحة الإرهاب والجريمة، الحق في اكتساب التكنولوجيا ونزع سلاح الدمار الشامل، وتنظيم المجتمع الدولي وتطوير قانونه ومؤسسته الأمم المتحدة. لم تقترح نظاماً بديلاً للعلاقات الاجتماعية كالذي كانت تطرحه الحركة الاشتراكية. ركّزت على الخصوصية القومية والثقافية والحوار.
المجتمع الدولي، والغرب تحديداً، التقط المصالح الإيرانية المباشرة. بادرت الدول الست الكبرى إلى تحديد موعد للتفاوض. البعض في الغرب أعاد التلويح بالعقوبات رغم التحفظ الروسي والصيني. الإدارة الأميركية في ارتباك بين ضغوط وتوجهات وخيارات عدة. منذ سنوات تتفاوض مع إيران في الملف النووي وكذلك في القضايا الأمنية والسياسية لوسط آسيا. بعض أركان الإدارة الأميركية من ورثة المحافظين الجدد والمتعاونين بقوة مع إسرائيل يدفعون باتجاه خيارات القوة إن لم يكن ضد إيران فضد حلفائها.
لكن نظرية الحروب البديلة أو «الفوضى الخلاّقة» ما زالت قيد التطبيق. على الأقل هناك الاستخدام المتمادي للنزاعات العربية ولتغيير وجهة الصراع من إسرائيل إلى إيران تحت عناوين قومية أو مذهبية. أمين عام جامعة الدول العربية دعا إلى حوار عربي إيراني وضمناً إلى حوار عربي. إيران جزء من التفاعلات الإقليمية بين الدول وداخل المجتمعات العربية. يستنتج أمين عام الجامعة أن المواجهة الأميركية مع إيران هي على أرض العرب ويدفع ثمنها العرب، وكذلك التفاهمات الأميركية الإيرانية. هناك خيار عربي آخر يتمثل في التعاون الإقليمي الذي انضمت إليه تركيا. أول ما يعنيه نزع الصفة القومية والمذهبية عن النزاعات. هذا التعاون الذي تسرّع سوريا الخطوات فيه يبلور نواة لنظام إقليمي يرفع الهيمنة الأميركية والإسرائيلية ويستدرك مشاريع تفكيك المنطقة وبعث الفوضى فيها.
يفترض هذا المشروع أن يخفف من غلواء الهواجس والمخاوف أو التهويل بالخطر «الإيراني والشيعي». لكن بعض النظام الرسمي العربي وامتداداته في فلسطين ولبنان والعراق لا يريد الاستقلال عن المشروع الأميركي ويفضّل «الشرق الأوسط» وفي قلبه إسرائيل بذريعة أنه أقرب إلى الاستقرار لأنظمة وحكومات رهنت مصيرها لأميركا. مشروع التعاون الإقليمي لم يغلق الباب في وجه دول أساسية كالمملكة السعودية ومصر. بل هو يحتاجها فعلاً في معالجة الوضع العراقي والفلسطيني وكذلك لبنان. بل إن تيارات العنف السياسي التي تضرب المنطقة تستدعي هذا التعاون بين أنظمة سياسية مستقرة ومتماسكة، بينما توسيع المواجهة من أميركا وإسرائيل يفجّر تناقضاتها. ليس مطلوباً الآن من هذه الدول أن تعلن الحرب على إسرائيل، لكن من الغريب أن تتحفز للمشاركة في المواجهة السياسية مع إيران، أو عدم المشاركة في سد الثغرات التي تشجّع إسرائيل على المبادرة إلى حرب على الفلسطينيين ولبنان من أجل تغيير بعض الوقائع والمعادلات.
أظهرت تجربة الحوار السوري السعودي إمكانات جدية لمعالجة الأزمة اللبنانية وهذا يزيد منسوب الدور العربي قبل أن تعطل أميركا المبادرة. كما من الممكن إذا انضمت المملكة السعودية إلى معالجة أزمة العراق وتركيا وسوريا أن يزيد أيضاً من منسوب تعريب الحل في العراق. قد نبالغ إذا قلنا إنه يمكن عزل التأثيرات الإيرانية لكن بالتأكيد يمكن الحد منها. أما الموضوع الفلسطيني فيمكن لهذه الدول أن تتولى معالجته إذا تعاونت مصر في إطار عربي صرف. المسألة كلها متوقفة على الحوار العربي العربي لإعادة تحديد مسائل الأمن المشترك الخارجي والداخلي.
هذا ليس وهماً وفوق طاقة الدول إذا ما عالجت المشكلات بنظرة واقعية وعقلانية. ليست المملكة السعودية وجميع دول الخليج بمنأى عن العواصف في محيطها بل في بعض مجتمعاتها. ولسنا ندعوها لأكثر من استنفار عصبيتها الوطنية لدرء المخاطر. في النموذج اليمني الذي انفجر بتفاعل أزمات داخلية من قوى مهمّشة مع مناخ إقليمي سياسي يعزز الهويات المذهبية والجهوية أو التطرف الديني، هناك خطر يلفح دول الخليج كلها، فكيف إذا توسعت الفوضى في وسط آسيا. مَن يسخر من المقترحات الإيرانية في التفاوض مع الغرب، ومَن يقلق لأن إيران أدرجت في المقترحات فلسطين ولبنان ومشكلات الشرق الأوسط والأمن الإقليمي، عليه أن يدرك أن الفراغ السياسي العربي يُملأ بغير الدول العربية، وأن التسويات تتم بين مَن هم في الميدان.
إن الجريمة التي يرتكبها العرب بحق فلسطين اليوم، وهم يديرون ظهورهم لعملية القضم للجغرافيا والإنهاك والتشريد للبشر، سترتد عليهم كما ارتدت عام 1948. لن تتحوّل قضية فلسطين إلى مجرد قضية إنسانية ولاجئين يبحثون عن مساعدات اجتماعية ويمكن دمجهم في المجتمعات العربية أو نشرهم في العالم. في مناخ النزاعات الإقليمية والدولية ستجد فلسطين مرة أخرى مَن يحمل قضيتها أو «يستخدم هذه القضية» ويعطل الاستقرار إذا كان قادة العرب يحلمون به.
أميركا تتراجع أمام القوى المستعدة لمقاومة ضغوطها، كما أعلن أوباما عن إلغاء فكرة الدرع الصاروخية على حدود روسيا. الدول الست جاءت للتفاوض مع إيران حتى على مفهوم «العدالة الإلهية». إيهود باراك تواضع وهو يتحدث عن التحدي الإيراني، أما العرب فلا يرفعون الصوت على ما يجري من تهويد في القدس، وربما يمارسون رجولتهم ويفرغون أحقادهم وكبتهم الوطني في لبنان.
السفير