كلام آخر عن البيضة والدجاجة
حسام عيتاني
لم تقدم صحف بيروت امس تفسيرات لمضمون الاسئلة العشرة التي قيل ان رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري طرحها على من تشاور معهم من رؤساء الكتل النيابية. ولم توفر الصحف كذلك شرحاً للكيفية التي سيتصرف الحريري بها حيال الردود المختلفة.
المثير للاهتمام هو ذاك السؤال الذي طرحه الحريري ويتعلق بكيفية تعريف الازمة السياسية الحالية في لبنان: أهي ازمة تأليف حكومة ام ازمة حكم؟ وليس واضحاً ما اذا كان القائلون بوجود ازمة حكم سيُحرمون من المشاركة في الحكومة ام سيُطلب منهم وضع تصورات للخروج من الحالة المستعصية.
جدة السؤال عن ازمة الحكومة او الحكم في لبنان لا تضاهيها سوى جدة السؤال عن البيضة والدجاجة وأيهما سبق الآخر الى الوجود. بيد انه يتعين الانتباه الى ان التفكير في البيضة والدجاجة، على ظاهره الهزلي او غير الجدي، مسألة فلسفية عويصة. يكفي القول ان فلاسفة من وزن افلاطون وارسطو قد ناقشوها، حتى يظهر ان المسألة لا يمكن تجاهلها وإشاحة الأنظار عنها بصفتها لزوم ما لا يلزم او اضاعة عقيمة للوقت.
ومن دون الخوض في تفاصيل النقاشات التي امتدت الى مجالات الميتافيزياء والعلم الطبيعي وعلم الظواهر (فينومينولوجيا)، يمكن القول ان المسألة انطوت على سؤال عميق يتناول الحدود الفاصلة بين كائنين او ظاهرتين وإمكان تجاوزهما الحدود والانتقال من «بنية» الى أخرى او تجاور البنيتين في الزمن. يضاف الى ذلك ان معضلة البيضة والدجاجة تستثير اسئلة دقيقة ما زالت ماثلة في عالم اليوم عن معنى تقسيم الموجودات الى فئات وأقانيم وأصناف اذا كان كل شيء قادراً على التحول وعلى الانتقال من صيغة وجود الى صيغة ثانية شديدة الاختلاف … الخ
ربما تنفع في توسيع هوامش التفكير، مقاربة سؤال ازمة الحكم والحكومة من الزاوية هذه، أي من فكرة الارتباط العضوي بين المشكلات التي تواجه الحكومات في لبنان وعمليات تأليفها المتفاقمة الصعوبة وبين شكل الحكم او النظام السياسي الذي يبدو، بدوره، غير قابل للاصلاح عاماً بعد عام.
مفهوم تماماً ان محاولات سابقة للتخلص من مثالب صيغة الحكم في لبنان او حتى كل ما ظهر كمسعى الى تغيير الطبيعة الطائفية للنظام، سواء بالعنف المسلح او بالاحتجاج السلمي او التظاهر الكثيف، انتهت اما الى استبدال هيمنة طائفة بهيمنة مشابهة والى المزيد من توثيق ارتباط الشأن السياسي اللبناني بالتوازنات الاقليمية والدولية، أو الى التردي في حروب لا آخر لها. كل هذا انعكس كوارث على مكانة الدولة في المجتمع اللبناني المنقسم والمشرذم.
لكن ذلك لا ينبغي ان ينفي شرعية العمل الدائم للحفاظ على لبنان ككيان سياسي مستقل. عليه، فالازمة السياسية لا يمكن ان تحمل وجهاً واحداً يتعلق بالحكومة او بالحكم. بل هي ازمة وجود في عالم يضج من كثرة الموجودين والمؤثرين والمطالبين بحقوق في اراضي الآخرين وحيواتهم. بكلمات أخرى، لا معنى لسؤال عن الحكم والحكومة ما لم يرتبط الاثنان في ذهن السائل بنسبية القدرة على العمل في اطارهما من دون البحث عن افق واسع لتجديد علاقات اللبنانيين ببعضهم.
من وجهة النظر هذه، تبدو الحكومة المتعثرة ولادتها وانفعالات السياسيين ولامبالاة الكثير من اللبنانيين، واقعة كلها في اطار من اللعب في الوقت الفاصل بين طرح السؤال عن مستقبل ومصير كيان وشعب خرجا الى الوجود في لحظة انعطاف تاريخية وبين الإجابة عليه.
الحياة