صفحات العالمما يحدث في لبنان

لا شيء سريعاً وجدياً في أفق تأليف الحكومة بعد جدة

روزانا بومنصف
مشاركة الأسد سلَّطت الأضواء على غياب سليمان
طغت على رد الفعل السياسي الاولي والفوري على اللقاء السعودي – السوري الذي عقد بين الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس بشار الاسد على هامش افتتاح جامعة العلوم والتقنية في جدة، ايجابية تردد صداها في الاوساط السياسية اللبنانية، ويتوقع كثيرون ان تسفر عن اكثر من ذلك في ضوء توقع الملك السعودي ان تؤلف حكومة لبنان قبل الزيارة المرتقبة في الاسبوعين المقبلين كما تردد. ومعلوم انه لم يكن واضحا كليا على أكثر من مستوى، تفاصيل ما جرى في اللقاء الثنائي ومدى سرعة تاثيره على الوضع السياسي اللبناني وما اذا كان هذا اللقاء يكفي وحده ليعوّض تاثيرات اخرى مفترضة خارجية وداخلية على حد سواء. كما لم يكن واضحا ايضا ما اذا كان التقارب الذي حصل مجددا يبقى في اطار التقارب كما حصل في تموز الماضي، فلم ينتج الكثير في لبنان، أو يتعداه الى مستوى الزواج فتكون نتائجه مختلفة في المرحلة الراهنة، وذلك في استعارة سياسية لما يستخدمه الرئيس نبيه بري من مقاربات للازمة التي واجهت تأليف الحكومة.
وعدم الوضوح سببه ان استيضاحات المسؤولين السعوديين حول اللقاء ركزت على كلام عام ومبدئي يتعلق باهمية اللقاء في اطار المصالحات العربية وضرورة تعميمها واستفادة لبنان منها ايا تكن طبيعتها، على ألا تكون على حسابه بأي طريقة من الطرق. لكن لم يؤخذ انطباع ان هناك شيئا سريعا وجديا يمكن ان يتبلور على صعيد الوضع السياسي في لبنان وتأليف الحكومة. وقد انحسرت الرهانات على حلول سريعة خصوصا مع تنامي المواقف عن اصرار المعارضة على الصيغة الحكومية التي تم عرضها سابقا، وتسويق حلول تستند الى الصيغة الاخيرة التي طرحت، اي اما الاتصالات واما جبران باسيل للتيار العوني، مع بعض “الرتوش” غير المهمة على التشكيلة الحكومية، ولا يعتقد ان الامر سيعود الى الموقع نفسه بالنسبة الى الرئيس المكلف سعد الحريري.
لكن في انتظار اتضاح الصورة في الايام المقبلة وترجمة الانعكاسات الايجابية الفورية في الاستشارات القائمة حول تأليف الحكومة، برزت تساؤلات تتصل ببعد آخر لهذا اللقاء وهي عدم توضيح السوريين موقفهم خلال المشاورات والاتصالات التي يجرونها مع اللبنانيين، خصوصا على مستوى رئيسي البلدين من مسائل متعددة او احداث في المنطقة. ويذكر ان اتصالات عدة حصلت في الاونة الاخيرة على خط بعبدا – دمشق، اذ ان غياب الرئيس ميشال سليمان عن القمة في جدة هو مثار تساؤل بعدما شارك الرئيس السوري فيها الى حد أثار تكهنات عن مدى تطابق هذا الموقف السوري مع مواقف سابقة بدا فيها لبنان او رئيسه تحديدا خارج السياق الاساسي الذي تدور فيه الامور على الصعيد العربي، مع تكرار السوريين الموقف نفسه حين توجه الرئيس الراحل حافظ الاسد الى الاردن للتعزية بالملك حسين بن طلال، علما انه سبقت توجهه الى الاردن مشاورات مع الرئيس اللبناني آنذاك اميل لحود خلصت الى عدم توجّه الاخير الى عمان.
والواقع ان مراعاة الرؤساء اللبنانيين المواقف العربية والصراعات بين الدول في ما بينها، بحيث يكون حرص شديد من جانبهم على عدم اثارة حساسيات في غير محلها، في أي اتجاه كان، لا تقابل في غالب الاحيان من السوريين بمعاملة بالمثل او بمعاملة ندية. وفي الايام السابقة لسفر الرئيس سليمان الى نيويورك كان ثمة اتصالات وبحث عن قمة ثلاثية يمكن أن تعقد في المملكة بين الملك السعودي والرئيسين اللبناني والسوري، الى أن تبيّن نتيجة هذه الاتصالات ان الاسد لا ينوي المشاركة في الحدث السعودي. بل ان الاتصالات التي استبقت موعد الافتتاح كانت تصب في خانة محاولة تأمين عقد قمة عربية مصغرة تحضرها مصر ايضا وبعض الدول الاخرى. لكن قرار المشاركة عاد فاتخذ من الرئيس السوري وقبل توجه الرئيس سليمان الى نيويورك على ما افادت معلومات سياسية متقاطعة، بحيث كان لا يزال ممكنا تنظيم الرئيس سليمان اموره على قاعدة المشاركة في افتتاح الجامعة قبل توجهه للمشاركة في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة.
هذا جانب مما تركه اللقاء السعودي – السوري من انطباعات، خصوصا من حيث طغيان هذا اللقاء وانعكاساته على لبنان وعلى المستوى العربي وخطفه الاضواء والاهتمام اعلاميا وسياسيا من اللقاءات التي عقدها الرئيس سليمان في نيويورك بالتزامن مع اللقاء في جدة، اقله بالنسبة الى لبنان، فضلا عن احتمال تأثير ذلك على رئيس الجمهورية من حيث الايحاء انه توجه الى الامم المتحدة، في حين أنه أهمل المشاركة في حدث عربي كان يفترض ان يشارك فيه لاعتبارات متعددة على طريقة المثل اللبناني الشائع “ان الكنيسة القريبة لا تشفي”. ولا يخفى ان مشاركة رئيس الجمهورية في الحدثين تكتسب اهمية كبرى للبنان وله على المستوى الشخصي على حد سواء، ولا يجوز إهمال أي منهما خصوصا في ضوء ما يتاح لرئيس الجمهورية من لقاءات رئاسية مهمة وغير رئاسية في نيويورك واظهار الحضور اللبناني الرسمي والمؤسساتي عشية انتخاب لبنان عضوا غير دائم في مجلس الامن، تماما مثلما كانت ستكون الحال في لقاءات عربية كان يمكن أن يعقدها في جدة.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى