الفشل الأمريكي في ادارة الأزمات سينعكس سلباً على السلام في الشرق الأوسط
مركز الدراسات العربي الاوروبي
بعد ثماني سنوات من الحرب التي شنتها على افغانستان اعترفت واشنطن بأنها لم تحقق أي فوز وأنها تدرس امكانية الإنسحاب العسكري وإعطاء دور سياسي لطالبان.. وبعد احتلال العراق لنحو خمس سنوات اعترفت ايضاً بأنها لم تتمكن من فرض الأمن وأنها مضطرة للإنسحاب نهائياً عام 2012 تاركة هذا البلد لأهله ليقرروا مصيره..
وبعد ان انشغلت بالملف اللبناني منذ العام 2005 متابعة كل تفاصيل ازمته تبدو اليوم انها قد وضعت هذا البلد في أخر اهتماماتها.. وبعد ان صعّدت من مواقفها وتهديداتها تجاه ايران عادت لتقبل بالجلوس مع المسؤولين الإيرانيين لمناقشتهم ليس فقط بالملف النووي بل ايضاً بملفات ذات ابعاد اقليمية ودولية.. وبعد إن هددت وتوعدت بعظائم الأمور في حال منعها من نصب درع صاروخية وشبكة رادارات متطورة في بولندا وتشيكيا عادت وتراجعت نتيجة الضغوطات التي مورست عليها من روسيا.. وبعد ان تزعمت تحركات المجتمع الدولي لعزل سورية وتهذيب نظامها عادت وفتحت ابواب الحوار مع دمشق معترفة بعدم امكانية اهمال موقعها ودورها في المنطقة.. بعد كل ما اسلفنا ذكره هل يمكن المراهنة على واشنطن من اجل اقامة دولة فلسطينية وإقناع اسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ العام 1967 بما فيها القدس الشريف?واقع الحال يفيد ان الادارة الامريكية ظهرت حتى الآن انها عاجزة عن الإيفاء بالوعد الذي قطعه على نفسه الرئيس باراك اوباما وخير دليل على ذلك ما اسفر عنه اللقاء الثلاثي الذي جمع يوم الثلاثاء في 22/9/2009 كلا من اوباما ورئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس حيث رفض الجانب الإسرائيلي الانصياع للضغوطات الأمريكية الرامية الى تجميد الإستيطان. وجل ما تم التوصل اليه هو استعادة المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين من دون شروط مسبقة مما يعني العودة الى نقطة الصفر من دون أي اعتبار لكل الإتفاقيات التي تم التوصل اليها سابقاً منذ اوسلو حتى اليوم, ومما يعني ان تل ابيب ستراهن على الوقت لتهويد كل الأراضي العربية المحتلة. ولقد اعترف المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جورج ميتشل بفشل مساعيه لتجميد الإستيطان محملاً بطريقة غير مباشرة المسؤولية للعرب لأنهم لم يقدموا تنازلات الى تل ابيب كانت تقضي حسب خارطة الطريق الأمريكية بفتح المجال الجوي العربي امام الطائرات المدنية الإسرائيلية وبتطبيع العلاقات الدبلوماسية والإقتصادية.. وكأن المطلوب من العرب كان اقامة افضل العلاقات مع اسرائيل لمجرد قيامها بتجميد الإستيطان لفترة زمنية قد لا تتجاوز الستة اشهر. وحسناً فعل العرب عندما رفضوا أي تطبيع ما لم تلتزم اسرائيل بمشروع كامل وعادل للسلام لأن المسألة ليست مجرد تطبيع بل هي في حقيقتها تقديم المزيد من التنازلات من دون مقابل, على ان تلي ذلك تنازلات اخرى الى حد تصبح الدولة الفلسطينية مجرد وهم او سراب. ويدرك العرب تماماً ان امريكا لم تكن يوماً الى جانبهم, ولكن كانوا يراهنون على المتغيرات الدولية وعلى وصول رئيس جديد الى البيت الأبيض عسى ان تشكل هذه المتغيرات سلاح ضغط ضد اسرائيل لإجبارها على القبول بحل دائم وعادل في الشرق الأوسط, ولكن تبين ان هذه المراهنات لم تكن محلها لأن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض اعجز من ان تفرض مشيئتها على اسرائيل, ولأن اللوبي الصهيوني في امريكا لا زال قوياُ وفاعلاً الى حد انه قادر على تمييع أي مسعى جدي للسلام. يضاف الى ذلك ان الدول الغربية الأساسية وعلى رأسها المانيا وفرنسا وأيطاليا وبريطانيا لا زالت متحيزة الى جانب تل ابيب وترفض أي حل لا تقبل به اسرائيل.
هذا الواقع لا يمكن ان يخلق جواً من الإستقرار الدولي لا بل سيزيد من تعقيد الأمور الى حد ان هناك احتمالات بنشوب حروب جديدة اقلها على الساحة اللبنانية وعلى الساحة الفلسطينية وعند ذلك سيعاد خلط الأوراق من دون بروز وضوح ما ستؤول اليه الأوضاع في المنطقة.
مركز الدراسات العربي الاوروبي