سياسة خريف أم خريف سياسة؟
فلورنس غزلان
تبقى منطقة الشرق الأوسط على الدوام بؤرة الصراع العربي الإسرائيلي والعالمي، ومن خلال تطور أوضاعها يمكننا قراءة مستقبل المنطقة وعلاقات الدول ، وباعتقادي أن هذا الخريف يحمل من التعقيدات ومن تشابك المصالح وتضارب المساومات ماينبيء بالمزيد من تعليق القضايا الشائكة وزيادة تعقيدها بدلا من حلحلتها أو سيرها في طريق الحل، خاصة بعد أن علَّقنا بعض الآمال على نتائج الانتخابات الأمريكية ومنطق السلام المطروح وتصميم سيد البيت الأ بيض الجديد على استخدام لغة الحوار بدل العنف، ولغة التسامح والانفتاح حتى على من وضع تحت اسمه خطاً أحمراً في قاموس العهد البوشي السابق، لكن ما تبع الحماس وتعليق الآمال لم يطل أمده حتى لحقت به ممارسات ومداولات وتحركات خرجت من عباءة الخطب والوعود، لكنها لم تأت متناسبة طردا مع الحزم اللغوي ،فبعد أشهر قليلة ابتدأ العد التراجعي يبلبل المنطقة ويجعل بعض اللاعبين يستمرون في المقامرة، سواء من خلال أوراق يمسكونها أو يتمسكون فيها للحصول على مايريدون، أو على الأقل كي لاتكون خسارتهم أكثر فداحة فيحتفظون بمراكزهم ، لأن ماء الوجه جف منذ سنين ولم يعد الخجل الوطني والحياء من شعوبهم ومن التاريخ مهماً أو يثير في ضمائرهم بعض الخشية فيتورعون ، لأن رهائنهم في المساومة هي شعوبهم وحياة مواطنيهم، وكذلك حياة مواطني أشقاءهم.ولتوضيح الصورة الخريفية للسياسة الحالية وإلى أين سيأخذنا خريفها لابد من قراءتها بعيون مفتوحة :ـــ
ــ ازداد عدد الوفود التي فتحت دفاتر حوارها مع نظام دمشق بعد أن أُغلقت كل منافذ العلاقات مع بلدان العالم الغربي ، وكانت باريس الساركوزية البادئة وكرت بعدها سبحة الوفود الأمريكية وغيرها حتى وصلت لمستوى وزراء الخارجيات ” فرنسا، أمريكا، ألمانيا، اسبانيا.. حتى خافيرسولانا”، دغدغ الفرح أقطاب النظام وهللت مصادر قراره على اعتبار أن سياستها القمعية داخلياً وخنقها لحرية مواطنيها وجعلها من سورية سجناً كبيراً، بالاضافة لتدخلاتها السافرة في شؤون جيرانها وأخوتها من لبنان إلى العراق ففلسطين هي المقبولة والتي فتحت أمامها أبواب السياسة العالمية المغلقة! ، لكنها اليوم تسير نحو الاكتئاب وتشوبها الخشية من القادم فبدأت تلعب لعبة خلط الأوراق وشد الحبل هنا وإرخائه هناك ، تدفع عجلة علاقة سابقة للأمام ثم تدير لها الظهر…وعليكم أن تفهموا اللعبة لأننا بيادقها الخاسرة عموماً.
ــ السفير الأمريكي العائد لسفارته في دمشق ، أُعلن عن عودته لكن أقدامه لم تطأ الأرض السورية وأُجل الحديث عن سيولة العلاقات الأميركو سورية ، وخرجت تصريحات أوبامية تطالب سورية بتقديم مايعتبر خطوات ملموسة وتغيير واضح ينم عن حسن نية وتغير في المواقف يثبت التفاعل والتفهم لخطوات الانفتاح وأن تعطي مقابلها …لكن المقابل المُنتَظر من سورية لم يأتِ!
ــ توقيع الشراكة السورية الأوربية المزمع عقده في بداية الشهر الجاري على أبعد احتمال، لم يتم وخاصة حين تصدر أصوات نواب أوربيين مناهضة لهذه الاتفاقية تدعو البرلمان الأوربي لعدم توقيع الشراكة ، إن لم تعدل سوريا من مواقفها بشأن حقوق الإنسان وتطلق سراح معتقلي الرأي وتبدي حسن نيتها بتحسين أوضاع حقوق الإنسان وأحوال القوانين الجائرة وإلغائها كقانون الطواريء.
ــ اقتراب موعد المحكمة الدولية بخصوص لبنان وما سينتج عنه ، خاصة بعد صدور مرسوم دولي يسمح بملاحقة المطلوبين بجرائم ضد الانسانية من خلال الأنتربول الدولي، وبهذا بدأت سورية تفقد بعض أعصابها حيث اعتقدت أنها ستتمكن من حماية العناصر المتورطة من مخابراتها، فماذا ستفعل حين يتدخل الأنتربول ويطالبها بهم؟.
ــ بدلاً من إبداء حسن النية والانفتاح على الشعب وتغيير بالمواقف المجحفة والقامعة للمواطن السوري، استمر النظام بعمليات قمعه مستخدماً أسلوبه القديم الجديد ، فلم يعد يكتفي بالاعتقال والحرمان من الحرية، بل وصل به الحد لدرجة منع أي تنفس أو حراك، فقد غدا المنع من المغادرة أسلوب النظام الشهير وعقوبته لكل مواطن يحاول أن يعبر عن رأيه بأبسط الوسائل ولو كانت في مضافة شعبية بإحدى القرى النائية.
ــ وبدلا من بناء علاقات حسن جواروعلاقات طبيعية مع أشقائه استخدمها في البداية كورقة لعب رابحة على طاولة السياسة الخضراء في كازينوهات ألعاب مقامرته المصيرية، وبعد أن أعطى الضوء الأخضر في اتفاقية الدوحة، واستمر في إبداء الرغبة بترك لبنان يقرر مصيره بيد أهله، ونفذ ماطلبته منه فرنسا وغيرها بإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع بيروت، وترك معركة الانتخابات تمر رغم محاولاته المستميتة من خلال أعوانه لعرقلتها، لكن ما تلاها حتى اليوم يدل على انقلاب على مرحلة الهدوء وعدم التدخل الواضح من خلال المعوقات ، التي تعترض حكومة الحريري ، كما بدا واضحاً تغير اللهجة الإسرائيلية بعد نجاح اليمين المتطرف في إسرائيل والذي أتى بنيتانياهو وليبرمان، وهذا يعني تراجعا بل عودة لخندق الخوف واحتمال الحرب وغياب منطق ولغة السلام، والأدل على ذلك عدم زيارة ميتشيل لدمشق في جولته الأخيرة، اضطرت هذه التعقيدات النظام السوري اللجوء لأوراق أخرى ، أهمها تعطيل قيام حكومة في لبنان يحاور بها إيران من جهة ويساوم الغرب من جهة أخرى والبركة بالجنرال والسيد ، الذي صعد من لهجة التهديد والوعيد وأنه سيدمر إسرائيل على رأس ساكنيها، ناسيا أنه لو حصل فعلا هذا فمعناه ألا يبقي حجراً فوق حجر في لبنان، ومن طهران يرد عليه سيد إيران أحمدي نجاد بأن لا يمكن لأحد أن يجرؤ على مهاجمة إيران!
ــ تفتقت عبقرية رجال الأمن السوري اللعب بالورقة العراقية وفتح جبهة محكمة جديدة،طالب بها بعض رجالات الحكومة العراقية بعد التفجيرات الأخيرة الدامية في بغداد واتهام حكومة المالكي لعناصر في الأجهزة الأمنية السورية وتورطها مع أعضاء سابقين في حكومة صدام حسين اللاجئين والمحميين في دمشق، ولهذا يسعى الرئيس السوري جاهدا للملمة الوضع قبل استفحاله ويقدم التنازل تلو الآخر لعثمانية العصر التركي الجديد فيفتح حدوده مع( الشقيقة) تركيا، أكثر مما هي مفتوحة مع الأردن ولبنان!..وهل هذا دون مقابل؟..أم أنه يريد إبعاد النار عن قرصه مكتفيا بمحكمة دولية واحدة؟…وكأن تركيا اليوم لاتنتهك أرضا سورية ولا تستفيد من خيراتها ولم تنتهك أرض العراق كلما يحلو لها !.
صراع النفوذ الإيراني التركي في المنطقة لم يعد خافياً، ولو أن تركيا أكثر استقرارا وتحمل من أوراق اللعب والحماية مالا تتمتع به إيران وربما تُدفع أو تُدعم أكثر لتوطيد مواقعها خاصة وأنها تملك صداقة وعلاقة قوية مع إسرائيل وأمريكا من جهة ومع مايسمى بدول الاعتدال العربي من جهة ثانية، فهل يعني التوجه السوري الجديد نوع من أنواع التغيير في دفة العلاقات والتحالفات، وعلى حساب علاقات سابقة لم ينالها منها سوى العداء العربي والغربي؟…وهل يعني هذا محاولة منها لعودة التفاهم على سلام قادم مع إسرائيل وهي ترى المناورات العسكرية الإسرائيلية تزداد على حدودها من جهة ومع قوات أمريكية كحرب محتملة أو وهمية تكتيكية لخطة قادمة ربما يُلجأ إليها ضد إيران؟
ننتظر عواصفاً خريفية قادمة أو خططَ طرقٍ جديدة غير متوقعة …لكن من سيكون وقودها لتستقر الأنظمة ؟ أليس نحن شعوب المنطقة ، التي لاتملك سوى المراقبة والتحليل كما أفعل الآن؟.
باريس في 22/ سبتمبر / 2009
خاص – صفحات سورية –