كم الأفواه.. تراجيديا يومية في سورية
مسعود عكو
العنوان بسيط لأنه ببساطة واقع معاش يومياً في سورية، خنق الأنفس وكم الأفواه باتت شهرة سورية في المحافل الدولية، والعناوين الرئيسة على الشبكة العنكبوتية، فمن قمع أي نشاط سياسي أو حقوقي من شأنه تحريك المجتمع، إلى منع توزيع صحف وجرائد محلية وعربية مرخصة، إلى اعتقال أي ناشط في شان المجتمع المدني، وإنزال أشد العقوبات بحقه، ولن تنتهي بإغلاق مكاتب صحفية.
المحامي والناشط الحقوقي مهند الحسني رئيس مجلس إدارة المنظمة السورية لحقوق الإنسان “سواسية” اعتقل بتاريخ 28/7/2009 وتمت إحالته إلى النيابة العامة بدمشق بتاريخ 29/7/2009 واحتجزته في سجن دمشق المركزي منذ 30/7/2009. ليصار إلى محاكمته بتهمة “النيل من هيبة الدولة وإضعاف الشعور القومي، ونشر أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة” هذه التهمة التي أصبحت المانشيت اليومي في الصحافة، حين تقدم السلطات السورية على اعتقال ناشط وتحويله إلى المحاكمة.
الحسني الذي اعتقل بعد استدعائه المتكرر للتحقيق معه، وهو من مواليد دمشق عام /1966/ وعضو مسجل لدى فرع نقابة المحامين في العاصمة السورية منذ خمسة عشر عاماً. يواجه بالتزامن مع محاكمته قضائياً يواجه أيضاً محاكمة مسلكية حركتها نقابة المحامين بدمشق بحقه للأسباب التالية ” ترأسه منظمة حقوقية غير مرخصة دون موافقة النقابة، وإن هذه المنظمة تمارس نشاطها بشكل مسيء لسورية، وتنشر أخبار كاذبة أو مبالغ فيها، تنال من هيبة الدولة وسمعتها بالإضافة إلى حضوره جلسات محكمة أمن الدولة العليا بدمشق وتسجيل ما يتم في الجلسات دون أن يكون محامي مسخر أو وكيل في أي من الدعاوى”.
وبدلاً من الدفاع عنه، اعتبرت نقابة المحامين أن أفعال المحامي مهند الحسني تشكل مخالفة لقانون مهنة المحاماة ونظامها الداخلي وتمس كرامة المهنة وشرفها وتقاليدها وقدرها وأنها تشكل في حال ثبوتها زلة مسلكية، ولهذه الأسباب قررت النقابة وحسب رأيها تحريك الدعوى بحق المحامي مهند الحسني عملاً بأحكام قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم /39/ لعام 1981 وخاصة أحكام المادتين / 85 و87/.
بالرغم من كل الانتهاكات التي طالت الحسني إلا أن ذلك لم يرح قلوب المنتهكين لهذه الحقوق، فقد نشرت مواقع إلكترونية أن الحسني المعتقل في سجن دمشق المركزي “عدرا” يتعرض للضغوط والمضايقات من قبل إدارة السجن. فقد منع من ممارسة الرياضة أثناء فترة التنفس أسوة ببقية السجناء، كما منع من استخدام الهاتف المخصص للسجناء، بدون أية مبررات أو تفسير، فضلاً عن أنه لا يزال ينام على الأرض حتى تاريخه.
كريم عربجي الذي بات أشهر مدون سوري، حكمت عليه محكمة أمن الدولة العليا بدمشق بتاريخ الأحد 13/9/2009 حكماً بالسجن ثلاث سنوات بتهمة نشر أنباء كذابة من شأنها أن توهن نفسية الأمة وذلك وفقاً للمادة /286/ من قانون العقوبات السورية العام.
كريم أنطوان عربجي شاب سوري في الثلاثينيات من عمره، من مواليد دمشق وخريج كلية الاقتصاد، اعتقل من قبل فرع فلسطين للمخابرات العسكرية كريم بتاريخ 7/6/2007 ونقل بتاريخ 18/9/2007 إلى سجن صيدنايا، حيث مثل للمرة الأولى أمام محكمة أمن الدولة العليا بدمشق بتاريخ 20 /4/ 2008، وتأجلت الجلسة إلى تاريخ 8/7/ 2008. وبعد قرابة عام أنهت المحكمة أحد فصول كم الأفواه بالحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.
عربجي انضم إلى قافلة الحراك الشباب السوري، عمر العبد الله وعلام فاخور طارق الغوراني ورفاقهم، الذين يقضون محكوميتهم في سجن صيدنايا بعدما اتهموا بالنيل من هيبة الدولة وتعريض البلاد لإعمال عدائية.
بذات التاريخ الذي حكمت المحكمة على عربجي بالسجن، قامت مجموعة مشتركة من إدارة المخابرات العامة وشرطة محافظة دمشق بحضور رئيس بلدية منطقة المزة، بإغلاق مكتب الصحفي مازن درويش، وعمدت إلى ختمه بالشمع الأحمر مع التحفظ على كامل موجوداته داخل المكتب، بالرغم من أن درويش لم يتسلم أي إنذار أو إشعار أو إخطار قانوني بهذا التدبير.
مازن درويش صحفي وأحد أبرز ناشطي حقوق الإنسان في سورية، ويرأس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، المركز السوري المتخصص في قضايا الإعلام وحرية التعبير، قام بنشر تقارير عدة عن حالة الإعلام وحرية التعبير وتقارير أخرى خاصة بإشكالية منع السفر وعن خدمة الإنترنيت، ورصد الانتهاكات التي تطال الصحفيين والإعلاميين. وكان له الدور البارز في فضح القرارات الشفهية بمنع توزيع أعداد كبيرة من الصحف والمجلات الخاصة في سورية.
كم الأفواه.. تراجيديا سورية بامتياز، تحصد يومياً دون مبالغة أقلام جريئة وحرة، تطالب بالمزيد من الحريات ونشر الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان في المجتمع السوري، هذه الأقلام لم ولن تسيء إلى الوطن، أو تحاول النيل من هيبته. إنهم يقومون بإعلاء شأنه، محاولين رفع راية الحرية وقول الحقيقة مهما كان الثمن.