السيد أوباما، حان الوقت لتتصرف كرئيس لا كمرشح
ريتشارد كوهين
عاجلاً أم آجلاً سوف يتنبّه أوباما إلى أنه رئيس الولايات المتحدة. لكن حتى الآن، لا يتصرّف وكأنه الرئيس، فيظهر بطريقة عشوائية على شاشات التلفزة ويمنح مقابلات وكأنه لا يزال مرشحاً للرئاسة. لقد أجريت الانتخابات، لكن الحملة مستمرة. ما زال على المرشّح أن يصبح القائد الأعلى.
لنتوقّف عند اجتماع مجموعة العشرين في بيتسبرغ الأسبوع الماضي. هناك، جنّد المرشّح شبكات التلفزة ورئيس الحكومة البريطاني ورئيس الجمهورية الفرنسي لتوجيه تحذير دراماتيكي إلى الإيرانيين. غير أن النقاب كُشِف عن واحدة أخرى من منشآتهم النووية السرية، وكان أوباما، كما رأى الجميع، مصمماً على فعل شيء حيال الأمر – لكن لا تسألوا ماذا.
لهذه التطورات بكاملها طابع يجعلها أشبه بأزمة صواريخ كوبية زائفة. لقد تم اكتشاف شيء خطر – ليست صواريخ سوفياتية على بعد نحو مئة ميل من فلوريدا بل منشأة نووية إيرانية على بعد نحو مئة ميل من طهران. وتماشياً مع المناسبة، زوّدتنا منشورات عدة بوصف لأجواء الأزمة دقيقة بدقيقة تقريباً في مطلع الأسبوع في جلسة الأمم المتحدة – الركض من قاعة إلى أخرى، ومعاونون رئاسيون يتباحثون وهم يدركون بلا شك أنهم في منتصف كتاب ما زال عليهم أن ينهوا كتابته. تصفّحت الروايات بحثاً عن أسماء مألوفة. أين [وزير الدفاع] مكنمارا؟ أين [مستشار الأمن القومي] بوندي؟ في الواقع، أين الأزمة؟
في الواقع، لم تكن هناك أزمة. فوجود المنشأة التي يُفترَض بأنها سرية معلوم من وكالات الاستخبارات الغربية – بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ولا شك إسرائيل – منذ سنوات عدة. استنتج المحلّلون الاستخباريون وجودها من المشتريات الإيرانية في الخارج، وجرى تحديد موقعها في وقت لاحق. ما تغير هو كشف النقاب عنها على الملأ. لم يحصل ذلك لأن أوباما أعلن الخبر بل لأن الإيرانيين سبقوه إلى إعلانه بعدما اكتشفوا أن أمر المنشأة قد فُضِح. ثم تحوّلوا نحو وكالة الطاقة الذرية في فيينا، وقالوا كالعادة إن الهدف من الموقع هو الاستخدام السلمي للطاقة النووية. هؤلاء الفرس يكذبون، وكذبتهم واضحة مثل عين الشمس.
يجب ألا يصدّق أحد أحمدي نجاد. تبدو إيران مصمّمة على تطوير برنامج أسلحة نووية والصواريخ القادرة على إطلاقها. هذه هي الأزمة الحقيقية – لا كشف النقاب على الملأ عن منشأة معلوم وجودها – وربما كانت أزمة تقود حكماً إلى الحرب. من الممكن جداً أن تعمد إسرائيل في مواجهة ذلك الكليشيه المخيف – تهديد وجودي – إلى قصف المنشآت النووية الإيرانية. والله أعلم ما قد يترتّب عن ذلك – انتقام من جانب “حماس” و”حزب الله”، ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط، ثم بعد سنوات قليلة، استئناف إيران برنامجها النووي. وحدها الولايات المتحدة تملك القدرة على القضاء على المنشآت الموجودة تحت الأرض في طهران. قد تُضطرّ واشنطن إلى التحرك.
في أزمة من هذا النوع، يجب الحفاظ على الهيبة الكبيرة للرئاسة الأميركية. فلتُصدِر وزيرة الخارجية تحذيرات حادة النبرة. عندما قال أوباما في بيتسبرغ إنه على إيران أن “تعترف بكل شيء وإن عليها اتخاذ خيار”، بدا وكأنه إنذار. لكن ماذا لو لم يفعل الإيرانيون؟ ماذا سيحصل عندئذٍ؟ يجب أن يحاذر الرئيس عند استعماله لغة من هذا القبيل. من الأفضل له أن يعني ما يقول.
المشكلة مع أوباما هي أنه ينسجم في اللحظة ويعني ما يقوله في تلك اللحظة فقط. عنى ما قاله عندما وصف أفغانستان بـ”حرب الضرورة” – والآن ليس بالضرورة واثقاً جداً من ذلك. وعنى ما قاله بشأن الخيار العام في خطته للرعاية الصحية – ومجدداً ربما لم يعنِه. قال إنه لن يقاضي عملاء وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه) لأنهم أساؤوا معاملة المعتقلين – لكن مجدداً قد يقاضيهم.
ولعل المثل الأكثر تعبيراً هو أنه حدّد للكونغرس مهلة تنتهي في شهر آب لإقرار قانون الرعاية الصحية – “إذا لم تكن هناك مهل، لا يُنجَز شيء في هذه البلاد…” – ثم ترك المهلة تمرّ. يبدو أن أوباما لم ينتبه إلى أن المهلة تترتّب عنها نتيجة – فإما يتقيّد بها المعنيون وإلا يتحمّلون العواقب.
خسر أوباما من صدقيته بسبب المهلة التي لم تكن قط مهلة فعلية، وثمة خطر الآن بأن يخسر مزيداً من هذه الصدقية بسبب موقفه حيال إيران. دخل في حوار يحط من قدره مع أحمدي نجاد، الكذّاب البارع (في اليوم التالي، استخدم الرئيس الإيراني مؤتمراً صحافياً للرد على أوباما، وبعد أيام اختبرت إيران بعض الصواريخ المتوسطة المدى). أوباما هو نسختنا عن مرشد أعلى غير معتاد على إطلاق تهديدات فارغة وتحديد مهل لا قيمة لها والتراجع في مسائل مهمة وخلق أزمة تلفزيونية في حين أنه لا وجود لمثل هذه الأزمة، ودعم شيكاغو، وهذا لا يصدّق، لاستضافة الألعاب الأولمبية سنة 2016. أوباما هو الرئيس. حان الوقت ليفهم ذلك.
(“الواشنطن بوست” ترجمة نسرين ناضر)
النهار