اللقاء السعودي – السوري
محمد السعيد ادريس
سواء تم اللقاء السعودي السوري الذي جرى بين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس بشار الأسد على هامش احتفالات المملكة بافتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بمبادرات مباشرة بين البلدين أو بوساطات تركية وأردنية، وسواء لقي هذا اللقاء استحسان أم امتعاض واشنطن وباريس فإنه (اللقاء)، وهذا هو الأهم، جاء بدوافع إقليمية قوية على وجه الخصوص، فرضته كضرورة يصعب الفكاك منها بالنسبة للرياض ودمشق.
قراءة المشهد العربي الإقليمي وخاصة تعقد وتشابك الكثير من الملفات تقول إن استمرار التباعد بين السعودية وسوريا من شأنه إحداث الكثير من الخسائر المباشرة للبلدين على عكس ما يمكن أن يحدث إذا أمكن تجاوز هذا التباعد وتحقق التقارب بينهما. يأتي في مقدمة هذه الملفات: ملف الأزمة العراقية السورية، وملف عملية التسوية بعد اللقاء الثلاثي الفاشل في واشنطن بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو، وملف الأزمة اليمنية، وملف الحكومة اللبنانية المتعثرة، ثم التصعيد الدولي الجديد ضد إيران وعودة شبح الحل العسكري مرة أخرى كأحد خيارات حل أزمة البرنامج النووي الإيراني.
هذه الملفات الخمسة الساخنة هي التي دفعت البلدين إلى العودة لسياسة التقارب السعودي السوري أكثر من غيرها من الدوافع أو حتى الحوافز، سواء كانت على صعيد العلاقات الثنائية أو الاستحسان الدولي وخاصة بعد عودة الدفء للعلاقات الفرنسية السورية، واتجاه واشنطن إلى بدء مرحلة جديدة من العلاقات مع سوريا لدوافع أمريكية بحتة، بعضها يخص العراق في مرحلة ما بعد الانسحاب العسكري الأمريكي وبعضها الآخر يخص ملفات أخرى معظمها هي نفسها الملفات التي فرضت التقارب بين الرياض ودمشق.
فالأزمة العراقية السورية، وتعمد رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي تدويلها والنأي بها عن الإطار العربي وقوله إنه “لا يثق بالحل العربي للأزمة، لأنها إذا دخلت في إطار الحل والوساطة العربية ستدخل في متاهات لا يرغب بها العراق” حفزت سوريا على التقارب مع السعودية، لإدراكها بعمق الخلافات بين الرياض ونوري المالكي وحكومته بعد اتهاماته للمملكة بالتدخل في الشؤون الداخلية العراقية والانحياز لأطراف بعينها ودعم ما سماه “الإرهاب”. من مصلحة سوريا الآن خلق جبهة عربية ضد المالكي وحكومته خصوصاً في ظل الانقسامات الداخلية في العراق سواء في إطار التحالف الشيعي أو بين المجلس الرئاسي والحكومة، وفي ظل رفض مجلس الأمن للمطلب العراقي بتشكيل لجنة تحقيق دولية، على غرار اللجنة الخاصة بلبنان للتحقيق في الاتهامات العراقية لسوريا.
هذه الجبهة العربية باتت ضرورية لتأسيس دور عربي قوي في العراق في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي منه قادر على موازنة أدوار القوى الإقليمية الأخرى وخاصة إيران وتركيا.
ومن شأن التقارب السعودي السوري أن ييسر أمر تأسيس مثل هذه الجبهة وبلورة هذا الدور العربي الخاص بالعراق.
يأتي بدء الحوار الإيراني الغربي مع “مجموعة دول 5+1” (دول مجلس الأمن دائمة العضوية وألمانيا) واحتمالات نجاحه عبر عقد صفقة حوافز مهمة مع إيران تعطي لطهران أدواراً إقليمية تراها الرياض ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ضارة وسلبية بالنسبة للمصالح العربية سواء على صعيد الوضع في العراق أو الأمن في الخليج ليزيد من أهمية الدور السوري في هذه المرحلة نظراً للعلاقات الخاصة بين دمشق وطهران.
وإذا كان الدور السوري أصبح شديد الأهمية سواء في حالة الحرب على إيران أو التوافق معها فإنه شديد الأهمية بالنسبة لتسيير أمر تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وهو ضروري أيضاً لخلق موقف عربي جماعي ابتداء من التنسيق مع الرياض لوقف تداعيات فشل اللقاء الثلاثي الذي تم في واشنطن بين أوباما وعباس ونتنياهو.
هذا الفشل له تداعياته الخطيرة وبالذات ما يتعلق بالموقف الأمريكي الذي بات أكثر استعداداً لتفهم دواعي التشدد “الإسرائيلي” الرافض لوقف سياسة التوسع الاستيطاني، وربط القبول بإقامة الدولة الفلسطينية باعتراف فلسطين بيهودية الكيان وما يعنيه ذلك من تفريط فلسطيني في حق العودة وحقوق ملايين اللاجئين، والذي أضحى مستعداً للضغط على الأطراف العربية للقبول بتطبيع العلاقات مع “إسرائيل” من دون ربط هذا التطبيع بما يحدث من تطورات على صعيد عملية التسوية.
هذه التداعيات تعتبر اختباراً صعباً لمبادرة السلام العربية التي تتحمس لها المملكة وتدافع عنها، ما يفرض إعادة لملمة الموقف العربي وتجاوز الخلافات الثنائية لمواجهة أخطار لا يمكن لدولة عربية واحدة أن تتصدى لها منفردة.
وهكذا جاء اللقاء بين القيادتين السعودية والسورية ضرورياً للطرفين، وربما تكون الساحة اللبنانية هي نقطة البدء الحقيقية لاختبار مدى الجدية في تحويل اللقاء إلى توافق ثنائي يمكن البدء منه لإعادة تأسيس موقف عربي جماعي قادر على مواجهة التحديات.
الخليج