زيارة الأسد لجدة استهدفت أكثر من عصفور بحجر واحد !
روزانا بومنصف
بين تهدئة الخواطر وتليين المواقف على الخطين اللبناني والفلسطيني
بدت سوريا من خلال تحركها نحو المملكة العربية السعودية يوم الاربعاء الماضي في 23 من الشهر الجاري، كأنها ضربت اكثر من عصفور بحجر واحد بالنسبة الى بعض المراقبين، أقله بالنسبة الى لبنان وموقعه على جدول عدد من الدول العربية والغربية على حد سواء، علما ان سوريا تملك اوراقا تتعداه الى اكثر من دولة عربية او تنظيم عربي. وقد اظهرت التطورات التي تعاقبت في الايام القليلة التي تلت الزيارة السورية لجدة ان هذه الزيارة تطول ما هو ابعد من ترطيب العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ولو ان هذا الامر مهم بالنسبة الى سوريا، وسيكون مجزيا لها في الزيارة المرتقبة التي يعتزم القيام بها الملك السعودي لدمشق في المدى القريب على ما هو متوقع، كما سيكون مجزيا لها في مجالات اخرى تتصل بلبنان والحكومة المقبلة ورئاستها تحديدا. وتبين ان مشاركة الرئيس بشار الاسد في افتتاح جامعة العلوم والتقنية برعاية الملك عبدالله بن عبد العزيز تم الترحيب بها من زاويتين على الاقل، احداهما تخفيف التوتر بين الدول العربية واعادة وصل ما انقطع بين المملكة وسوريا من جهة، والاخرى من وجهة نظر تداعياتها المحتملة على لبنان والتي يفترض ان تكون ايجابية تسهل في ازالة العرقلة امام تأليف الحكومة العتيدة. ومعلوم ان التداعيات اقتصرت حتى الآن على المناخ السياسي المرافق لتأليف الحكومة في انتظار نضج بعض الخطوات التحضيرية للمرحلة التالية كما يتردد في بعض الاوساط، بحيث لن تتأخر ولادة الحكومة العتيدة عن موعد زيارة الملك السعودي للعاصمة السورية او تتزامن معها على ابعد تقدير وفق ما يروج البعض.
لكن هذه الزيارة استبقت على نحو لافت بالنسبة الى المراقبين المتابعين امرين على الاقل لم يتأخرا في الظهور بعد ايام معدودة على الزيارة لجدة، بحيث بدت هذه الاخيرة في اطار ترتيب سوريا اوراقها وتحسين موقعها قبل حصولهما. الامر الاول هو توجه نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الى واشنطن للقاء مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط جيفري فيلتمان، فيما كانت الديبلوماسية الاميركية حملت دمشق مسؤولية التأخير في تأليف الحكومة في لبنان. والآخر هو زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم للقاء المسؤولين الفرنسيين وهو في طريق عودته من نيويورك على اثر مشاركته في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة. وليس متوقعا بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميركية او فرنسا ان يغيب موضوع التأخير في تأليف الحكومة عن جدول اعمال ما سيبحثه المسؤولون السوريون في العاصمتين. وهاتان الزيارتان تقرر موعدهما قبل بعض الوقت ولا مصادفة فيهما. وان زيارة الاسد للمملكة السعودية، ولو تزامنت مع المشاركة في حدث سعودي، من شأنها ان تنزع فتيل توتر من حيث المبدأ، او فتيل مطالبة غربية من سوريا في الموضوع اللبناني في الاساس وفي مسائل اخرى كالموضوع الفلسطيني مثلا.
ويلاحظ في السياق نفسه ان وفدا من حركة “حماس” برئاسة رئيس المكتب السياسي وصل الى القاهرة أول من أمس الاحد من اجل ان يسلم رد التنظيم على الورقة المصرية للمصالحة مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس. وهذا لا يعني بالنسبة الى المراقبين المعنيين ان الموضوع اللبناني ربما يغيب عن المحادثات في واشنطن او في باريس، كما انه لم يكن غائبا في جدة، ولكن يسهل على المسؤولين السوريين في ضوء الخطوة الاخيرة للرئيس السوري تخفيف وطأة اي ضغط او مطالبات اميركية تحديداً، على قاعدة ان سوريا تقوم بدور بناء في الموضوعين اللبناني والفلسطيني في مبادرة لم يمر عليها سوى ايام قليلة ولا تزال في الاذهان، بل لا تزال تلقى ترحيبا واشادة في لبنان على الاقل، علما أن الانفتاح السوري على الخط السعودي والارتياح السعودي لذلك يمكن ان يتركا انطباعات لا يمكن القفز فوقها بسهولة بالنسبة الى واشنطن، باعتبار ان هذا الامر يمكن ان يفقد العاصمة الاميركية عامل ضغط يمكن ان تقوم به ايضا دولة عربية مؤثرة كالمملكة العربية السعودية. وهذا الامر ينسحب ايضا على الشكوى المصرية من عدم تعاون دمشق في الضغط على حركة “حماس” للتجاوب مع المقترحات المصرية للمصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، ما دام مشعل يزور القاهرة تزامنا مع الزيارتين الديبلوماسيتين السوريتين لواشنطن وباريس.
ويلحظ المراقبون على الخط العراقي تعاونا سوريا من اجل حل الاشكالات بين سوريا والعراق، على خلفية الاتهامات العراقية لسوريا بالسماح بعبور المفجرين عبر حدودها. وقد رعت تركيا جزءا من محاولات حل الاشكالات بين سوريا والعراق، فيما عقدت محادثات بين وزير الخارجية السوري ونظيره العراقي هوشيار زيباري في نيويورك على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة، ولو لم تؤد الى اي اختراق او تقدم للحل بين الجانبين.
هذه المعطيات رجحت بالنسبة الى هؤلاء المراقبين حلحلة على خط طريق تأليف الحكومة، لا بد ان تظهر مؤشراتها في رأيهم في الايام القليلة المقبلة.
النهار