الإصرار على الخطأ بين التخبط والتناقض
هيثم المالح
منذ فترة غير بعيدة تناقلت الشبكة العنكبوتية (أنترنت) أخباراً وتصريحات حول القانون 49 لعام 1980 الذي كان عاملاً أساسياً في تصفيات جماعية لم تشهد سورية لها مثيلاً من قبل.
ففي لقاء أحد صحافيي ‘الجزيرة’ مع وزير الخارجية السيد وليد المعلم، حول الاتجاه لإلغاء القانون 49 أجاب الوزير: (حين يتوقف الاخوان عن التآمر سوف ينظر في الأمر…) ثم حين سئل مؤخراً عبر وسائل الإعلام أجاب السيد المعلم أن مشروعاً يدرس لتجميد القانون 49 المشار إليه أنفاً.
ومنذ فترة ليست وجيزة طلع علينا وزير الأوقاف بمقابلة صحافية، رفع فيها سقف الهجوم على الاخوان المسلمين واصفاً إياهم بأبشع النعوت، وهو أمر ملفت للنظر في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن إلغاء القانون 49، والذي قال فيه الوزير نفسه ان هذا القانون وجد لحالات اخرى، أي حالات اقتضتها ظروف معينة!.
الأمر الملفت للنظر هنا بغض النظر عن مسألة التجميد التي وردت في خطاب السيد وزير الخارجية والتي ليس لها أي معنى قانونياً، هو هذه السوية من التفاوت بين الرؤى حول الأخوان المسلمين، بين وزير أوقاف إسلامي، ووزير خارجية لدولة علمانية حسب تعبيره، وأظن أن السيد وزير الأوقاف لم يكن مولوداً حين كان للأخوان المسلمين عدد من النواب في مجلس يمثل الأمة، وكان السجال يتم بالحوار لا بالسيف، إلا أن الملفت أيضاً تمسك النظام باستمرار العمل بالقانون 49 موضوع المناقشة دون الالتفات إلى عدم مشروعية هذا القانون فهو:
1- يعارض دستور البلاد.
2- يعارض قانون العقوبات السوري.
3- يعارض المعاهدات والمواثيق الدولية المعروفة والتي لا حاجة لتكرارها.
سبق أن بينت المثالب التي تنال من مشروعية القانون 49 لعام 1980 والتي لا يجوز لدولة يسود فيها دستور وقانون أن تستمر في التمترس خلف هذا القانون الذي يشكل سيفاً مسلطاً على رقاب الناس.
بغض النظر عما وصف به السيد وزير الخارجية الأخوان أو ما وصفهم به وزير الأوقاف، فنحن رجال قانون ولدينا من النصوص الكثيرة في قانون العقوبات السوري حول المؤامرة والإرهاب وغير ذلك ما يكفي لسوق المتآمرين إلى العدالة، ومن لا يعرف ذلك عليه أن يعلم، ولا يجوز لنا أن نقبل بقانون خاص خارج عن الدستور وعن مفهوم كل قانون وليستعمل في مواجهة العدالة والشرعية وحقوق الإنسان.
إن القانون 49 لعام 1980 يشكل وصمة عار في جبين العدالة ولا بد من أن يتصدى له رجال القانون من المحامين والقضاة لإهمال العمل به حتى يتم إلغاؤه، وذلك باستعمال طريق الدفع من المحامين أمام القضاء، هذه الطريق كما هو معلوم في الفقه القانوني لا تعني البحث في دستورية القانون وإنما إهمال تطبيقه.
أنني أهيب برجال القانون والمنظمات الحقوقية المحلية والعالمية ممارسة الضغط للتخلص من هذا القانون وإلغاؤه مع ما ترتب عليه من آثار، وفي ذلك فقط تتحقق العدالة التي ننشدها جميعاً.
إن الأولى بمن يتصدى للحديث عن القانون ـ أي قانون- أن يكون له دراية به وعلم، وأما إلقاء الكلام جزافاً ودون تمحيص فهو لعمري يشكل إيغالاً في انتهاك القانون وتبريراً لتعسف السلطة التنفيذية في اللجوء إلى كل السبل للنيل من الخصوم السياسيين، وقهر المجتمع وتكميم الأفواه تحت شعارات ومسميات مختلفة.
لقد كفل الدستور السوري حق المواطنين في ممارسة العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وحق التجمعات وإنشاء الجمعيات والاحزاب، ثم جاء القانون 50 لعام 2006 الذي صدر عن مجلس الشعب بالمصادقة على الميثاق العربي لحقوق الإنسان، فحدد حقوق المواطنين في المادة 24 وما بعدها، وبالتالي فعلى كل مسؤول حين ينتقل إلى الإعلام أن يتحسس موضع قدمه ويتحقق من متانة الكلام الذي سوف ينقل إلى الناس عبره، لأنه مسؤول والمسؤولية أمانة ليس فقط في الدنيا وإنما في الآخرة أيضاً.
إن لدينا الكثير مما ينبغي العمل به على الصعيد الداخلي فالفساد الذي ينخر المجتمع وتهيمن الدولة على تداوله، وكذلك الدعارة التي تنتشر في كل ربوعنا تحت مسميات النوادي الليلية للسياحة، ودعارة الاطفال المتفرعة منها خليق بالسيد وزير الأوقاف الذي يرأس المؤسسة الدينية بحكم الواقع أن يوليها العناية اللازمة حتى يعود مجتمعنا معافى كما كان قبل ذلك.
إن التهويش والتصعيد لا ينبئ بخير، ورحم الله والدي الذي كان حريصاً على أن يردد على مسامعي دوماً عبارته المشهورة (يا بني الشدة لا تأتي بخير) وصلى الله على معلم الخير محمد بن عبد الله حين فتح مكة وخاطب خصــومه بقوله (أذهبوا فأنتم الطلقاء).
محام وناشط سوري
القدس العربي