ساركوزي وقصة الحب “الفرانكو سورية”
باتريك سيل
من خلال سلسلة من التحركات، تمكنت فرنسا من تعزيز وضعها كأقوى الدول الأجنبية نفوذاً في لبنان وسوريا، متفوقة في ذلك على غيرها من البلدان الأوروبية، بل وعلى الولايات المتحدة ذاتها.
وقد بدأ الغزل الفرنسي لسوريا عام 2008، عندما دعا نيكولا ساركوزي بشار الأسد لحفل تدشين “الاتحاد من أجل المتوسط” يوم 13 يوليو من نفس العام، ولحضور العرض العسكري الكبير احتفالا بالعيد الوطني الفرنسي في اليوم التالي (14يوليو).
كان ذلك حدثاً لافتاً، يؤشر على إعادة تأهيل سوريا كقوة شرق أوسطية لا يمكن تجاهلها أو عزلها، على عكس ما كان يعتقد الرئيس الأميركي بوش. وخلال العام الماضي زار سوريا عدد كبير من الوزراء سواء من أوروبا أو غيرها في مؤشر واضح على انتهاء عزلتها الدولية.
ومن المعروف أن “الاتحاد من أجل المتوسط”، هو أحد المشروعات الأثيرة لدى فرنسا “ساركوزي”، التي تسعى من خلال تدشين العديد من المشاريع البنيوية الرئيسية إلى بناء الجسور بين دول الاتحاد الأوروبي المتشاطئة على البحر الأبيض. والهدف الأساسي لفرنسا من وراء ذلك هو أن تساعد تلك المشروعات المشتركة في نهاية المطاف على تعزيز جهود السلام العربي- الإسرائيلي.
وقد مضت قصة الحب الفرانكو – سورية خطوة كبيرة للأمام الأسبوع الماضي بعد الزيارة الناجحة التي قام بها وزير الخارجية السوري “وليد المعلم” للعاصمة الفرنسية، والتي انتهت بما وصفه الوزير بـ “اجتماع بناء للغاية” مع الرئيس ساركوزي نفسه. وتتحدث المصادر الفرنسية ليس فقط عن ثقة كاملة بين الدولتين، وإنما عن نوع من “التوافق التام” بشأن عدد كبير من القضايا.
ففرنسا تصف سوريا بـ “الشريك الأساسي”، الذي تتمتع معه بـ “علاقات ثنائية وثيقة في كافة الميادين” وتعِد بأنها سوف تحث شركاءها في الاتحاد الأوروبي على التوقيع على اتفاقية الشراكة السورية مع الاتحاد الأوروبي في أسرع وقت ممكن.
وفي باريس، تحدث”المعلم” بدوره عن الدور الفرنسي المهم في الدعوة للسلام العربي – الإسرائيلي، والمشاركة في جهود إرساء السلام والاستقرار في كل من العراق ولبنان. وقال المعلم إن فرنسا وسوريا قد اتفقتا على أن لبنان يجب أن يكون لديه حكومة وطنية في أسرع وقت ممكن على أن يضطلع اللبنانيون بمهمة تشكيلها، وقال مؤكداً على هذه النقطة إن سوريا وفرنسا تريدان حكومة” مصنوعة في لبنان”.
على الجبهة الثقافية من المقرر افتتاح ثاني مدرسة فرنسية في دمشق، كما قررت الحكومة السورية جعل اللغة الفرنسية مادة إجبارية في مدارسها ابتداء من الصف الثالث، وحتى دخول الجامعة. ولم يكد المعلم يغادر العاصمة الفرنسية، حتى قام ساركوزي نهاية الأسبوع الماضي بإرسال “كلود جيان” الأمين العام القوي لقصر الأليزيه إلى دمشق، وإرسال كبير مستشاريه الدبلوماسيين :أونريه جينو” إلى بيروت. ولكن في الوقت الذي يقوم فيه ساركوزي بالتقرب من سوريا، فإنه يُعدّ في ذات الوقت واحداً من أشد المنتقدين لحليفها الوثيق إيران، وبرنامجها النووي، وهو موقف من الواضح أن فرنسا تهدف من ورائه إلى طمأنة الإسرائيليين.
بعد هذا العرض هناك سؤال يفرض نفسه وهو: أين هي خطة اللعب الفرنسية؟من الواضح أن فرنسا عاقدة العزم على أن تصبح القوة الأجنبية المهيمنة في سوريا ولبنان تجارياً وسياسياً وثقافياً، وهو وضع تمتعت به قبل ذلك وتحديداً خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين بعد أن منحتها عصبة الأمم حق الانتداب على الدولتين.
في نفس الوقت يبدي ساركوزي اهتماماً كبيراً بالمحافظة على أمن إسرائيل، على الرغم من حقيقة أنه لا يميل كثيراً لأعضاء الحكومة الإسرائيلية المتطرفة القائمة في إسرائيل في الوقت الراهن وعلى وجه الخصوص وزير خارجيتها العنصري والمتطرف “إفيجدور ليبرمان”.
ويؤمن ساركوزي أن الوضع الحالي لقضية الصراع العربي- الإسرائيلي لا يمكن أن يستمر للأبد، وأن الانخراط القوي من جانب القوى الدولية الرئيسية، وتقديم ضمانات قوية للجانبين سيكون أمراً ضرورياً إذا ما أُريد أن يكون لعملية السلام بين الطرفين نصيب من النجاح. وساركوزي مصمم على لعب دور بارز في صياغة تسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية تعتبر في رأيه هي الضمانة الوحيدة لبقاء إسرائيل في المدى الطويل.
ونتيجة لقلقه من احتمال تعثر الرئيس الأميركي في مساعيه لصنع السلام ، فإن ساركوزي يؤمن أن عقد اجتماع قمة آخر لـ “الاتحاد من أجل المتوسط” يمكن أن يكون طريقة مثمرة لجمع القادة العرب والإسرائيليين معاً.
يشار في هذا السياق أن فرنسا قد قدمت دعمها لجهود الوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل التي تعطلت بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في ديسمبر/ يناير الماضيين. وأثناء تواجده في باريس أعلن” المعلم” أن سوريا على استعداد لاستئناف محادثاتها المباشرة مع إسرائيل من خلال المساعي التركية الحميدة. والتحسن الكبير في علاقات سوريا مع فرنسا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي كان مصحوبا بتسوية عريضة مع العالم العربي، كان أبرز إشاراتها الزيارة التي قام بها الرئيس الأسد للعاصمة السعودية الرياض مؤخراً، وهي الزيارة التي يتوقع أن يردها العاهل السعودي خلال فترة قصيرة لن تتجاوز الأسبوع القادم.
وخلال زيارته لباريس أعلن وزير الخارجية السوري بشكل واضح أن “سوريا دولة عربية تفتخر بكونها كذلك، فهذه حقيقة واقعية نعيشها كل يوم حيث نقيم علاقة وثيقة مع كافة الدول العربية بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي”. ولكن”المعلم” استدرك قائلا:
“ولكن سوريا لديها أيضاً علاقة طيبة مع إيران، وهي دولة تقدم دعماً قويا للقضية الفلسطينية منذ العام 1979… وعندما قاطع العالم سوريا وعمل على عزلها حذت بعض الدول العربية حذوه، ولكن إيران اختارت تعزيز علاقاتها معنا”. وأضاف “المعلم”: مع ذلك فإن أمن الخليج يعتبر خطاً أحمر بالنسبة لسوريا، وإيران بحاجة إلى إعادة طمأنة دول الخليج بأن برنامجها النووي سلمي”.
وبخصوص النزاع بين الغرب وإيران حول البرنامج النووي للأخيرة قال المعلم:” نحن نريد التوصل إلى حل لذلك النزاع من خلال المفاوضات وليس من خلال فرض العقوبات أو المواجهات… وفي هذا الموضوع على وجه التحديد تختلف وجهتا نظر فرنسا وسوريا”.
الاتحاد