قمم لتحديات لا شؤون صغيرة
سليمان تقي الدين
كأن اللقاء بين زعيمين عربيين صار حدثاً تاريخياً. تتحرك دول كبرى لتعطيله أو لتطويق مفاعيله ونتائجه. تطوير العلاقات السعودية السورية دخلت في محظور الرغبات الأميركية. لن يعلن الزعيمان وحدة أو حرباً. لن يوقعا اتفاقات استراتيجية ولن يدخلا في حلف أو يخرجا من آخر. ربما يساعد تفاهمها على إخراج لبنان من أزمته السياسية ويعزز الموقف العربي تجاه فلسطين. ربما يؤدي الحوار إلى تقريب المسافات في نظرة الدول العربية للمشكلات الاقليمية. لكن الدول الكبرى تملي إرادتها في ما يفعل زعماء عرب وما لا يفعلون. صرنا ننتظر بفارغ الصبر مبعوث أوباما وساركوزي. نترقّب الحوار الأميركي الإيراني. نرصد رضى الامبراطورية العظمى على هذا وذاك من القادة العرب. أراد العالم لنا هذا الهبوط في احترام سيادتنا في لبنان ودنيا العرب ورحنا ندير علاقات عامة دولية كأننا لم نعد أصحاب قضية. صرنا عبّاد القوة امتثاليين، لأن وعينا يتشكل في بيئة الغلبة وثقافة الخضوع في الخارج والداخل. تأخر القادة العرب عن التواصل والزمن يفلت من أيديهم بينما العالم يفعل فعله. سوريا والسعودية دولتان قويتان لا تشحذان مساعدات دولية ولديهما ما يحتاج إليه الغير، ولهما النفوذ الممتد في غير بقعة عربية. لم يعد الغول الإسرائيلي يستطيع أن يبتلع «غزة» أو يهدّد جنوب لبنان بالاحتلال. لا نطلب جهاداً بالحرب بل بالموقف. مهين للعقل البشري والرأي العام وللعرب خصوصاً أن تُسقط الأمم المتحدة تقرير القاضي ريتشارد غولدستون بصدد جرائم إسرائيل في «غزة» من دون أن ينتفض مسؤول عربي كما فعل رئيس وزراء تركيا في وجه رئيس الدولة العبرية في دافوس. نعرف ان الإدانة الأخلاقية لا تُصرَف ضد إسرائيل في المحفل الامبريالي العالمي. لكن العالم تغير في الماضي ويتغيّر اليوم. الرئيس الإيراني «المشيطن والمكروه» في الغرب يشكك في المحرقة وفي شرعية يهودية الدولة ويتقدم بالانجاز النووي متحدياً الغرب الذي يأتي لمحاورته. هوغو شافيز يحفر كالخلد تحت ركائز الامبراطورية في أميركا الجنوبية.
سبق لكاسترو وعبد الناصر وهوشي منه وغيرهم أن تحدوا أميركا. الأفغان يسحقون جيش أميركا وبوش خرج من التاريخ. لم ينحسر الإسلام بل يتوسّع، لم ينقرض العرب بل يتكاثرون. لماذا لا يخرج زعيم ليرفع شروط العرب السياسية، ويعلن مجدداً فلسطين عربية ولشعبها أسطورته ولأهلها قضيتهم طالما هناك نساء تلدن في السجون وليتدبّر العالم أمره. لماذا صرنا معنيين بترويض المقاومة بدلاً من الاحتلال. يعتذر أوباما لمواطن أهانه شرطي ويستقبله في البيت الأبيض. كم إهانة تلقى العرب ومجزرة وكم احتلالاً. لم يعتذر منهم أحد. من يُسكت نتنياهو وباراك وليبرمان حين يهددون بالاستيطان وبتدمير لبنان والسد العالي. أمام كل زعيم عربي أو لقاء عربي أو دولي يجب أن تحضر مضبطة اتهام كاملة لجرائم إسرائيل. غزة وقانا وحولا ودير ياسين وبحر البقر وقتل الجنود الأسرى المصريين وألف صورة مثل محمد الدرّة.
كثير أن نهلل لأي قمة عربية لمجرد أنها تفك الحجر عن تأليف حكومة لبنان إذا سمح الأميركيون بذلك. نريد دعم وفاق لبنان ومقاومته ومساعدته على حل مشكلاته الاقتصادية وتعويضه عن تضحياته في سبيل قضايا العرب، منذ ألقى عليه العرب أثقالهم وعبء قضية فلسطين. نريدهم أن يرفعوا شعار تعريب القضايا العربية وتعريب حلولها لا مشكلاتها في لبنان وفلسطين والعراق واليمن والسودان. وأن يستعيدوا ما قاله عبد الناصر: «نعادي من يعادينا ونصادق من يصادقنا». العرب أمة لم يأكلها السوفيات ولن يأكلها الإيرانيون، إذا وثقت بنفسها وآمنت بكرامة شعوبها وحريتهم. أعيدوا للانسان العربي معنى وجوده الحر ليفكر ويعقل وينتج ويبدع ويتشبث بأرضه وبدولته. وسِّعوا آفاق العلم لا المباني فقط. أعيدوا علماءكم من الغرب وأوقفوا نزيف شبابكم إلى الشمال الصناعي. ارفعوا الحجاب عن العقل والوجه واليد واللسان والقلب. أعيدوا تجديد العقد الوطني بين فئات الناس جميعاً وبين الحاكم والمحكوم. كل بلد عربي لجميع أهله وناسه. لا تتركوا خلفكم لوحات تذكارية وأنصاباً وتماثيل سواء جاء من يزيلها بعدكم أم بقيت رخاماً بارداً. حاولوا أن تكونوا في الذاكرة والوجدان والتاريخ، لا استخفافاً بإنجازاتكم بل طلباً للمزيد. نريد أن نسمع مرة واحدة من قمة عربية جملة معترضة: نرفض الاستكبار الأميركي الإسرائيلي والتدخل في شؤوننا والتعدّي على حقوقنا. جملة كهذه وحدها الجلالة والفخامة والسيادة وما سوى ذلك من الشؤون الصغيرة.
السفير