تفاهم دمشق اللبناني
ساطع نور الدين
لأن لبنان كان البند الخلافي الوحيد على جدول اعمال قمة دمشق السورية السعودية، فإنه سيكون العنوان الرئيسي للاتفاق بين البلدين، وسينعم اللبنانيون باستقرار وازدهار يمكن أن يصمد لسنوات، نتيجة ذلك الاعتراف المتبادل بين دمشق والرياض بمصالحهما الحيوية في لبنان، والذي يمثل الخلاصة الجوهرية لزيارة الملك السعودي عبد الله الى سوريا، بعد سنوات خمس من النزاع حول ترسيم هذه المصالح.
التدقيق في ذلك الاعتراف يوحي بأن البلدين توصلا الى ما يشبه التعادل في معركتهما اللبنانية الضارية التي امتدت منذ خريف عام 2004 وحتى الانتخابات النيابية الأخيرة، بعدما اكتشفا أن احدهما لا يمكن ان يلغي الآخر ولا يمكن ان يصفيه، لا بالقوة ولا بصناديق الاقتراع. وهما مضطران الى صياغة تفاهمات واضحة، تضمن صمود اتفاق الطائف الذي كاد حلفاء سوريا يطيحونه في الفترة الماضية، وتكفل على الأقل ان التوازن الراهن بين الغالبيتين الإسلاميتين السنية والشيعية على مستوى السلطة السياسية لن يشهد اي خلل او تعديل..حتى ولو اقتضى الامر، التضحية بالشركاء المسيحيين لكلتا الغالبيتين، وهو ما سيحصل بالفعل.
الفتنة المذهبية التي كانت خطراً يلوح في الأفق اللبناني صارت مستبعدة بعد قمة دمشق، كما ان الدور المسيحي الذي كان يؤمل ان يشكل مخرجاً، لا سيما من خلال رئاسة الجمهورية انتهى. وبات السنة والشيعة مسؤولين وحدهم عن ادارة شؤون البلد من دون الاعتماد على المسيحيين الذين كان انقسامهم السياسي الأخير بين جناحي المسلمين واحداً من افدح أخطائهم الاستراتيجية، بل لعله كان الخطيئة النهائية الكبرى.
قد لا تصل نتائج قمة دمشق الى بيروت اليوم او غداً، لكنها لن تتأخر كثيراً، وهي ستصيب في المقام الاول اولئك الذين اخذتهم الخرافة الى حد الزعم ان حكومات لبنان تشكل في لبنان،على ما يقول فريق الأغلبية، او ان سوريا والسعودية ليستا معنيتين او حتى مهتمتين بتشكيل الحكومة الأولى للرئيس سعد الحريري، بل هما مشغولتان بأمور اكبر وأهم مثل فلسطين والأقصى والعراق وإيران وحتى اليمن والسودان، على ما يقول فريق الأقلية… وسرعان ما سيكتشف هؤلاء ان مدينة طرابلس التي شهدت في العامين الماضيين واحدأ من اسوأ اختبارات القوة السورية السعودية وأخطرها هي قضية كبرى للبلدين، مثلها مثل العاصمة وصيدا وإقليم الخروب، وكل نقطة تماس لبنانية بين السنة والشيعة.
لن تطول عملية تأليف الحكومة التي ظلت طوال الأشهر الثلاثة الماضية معلقة على فكرة وحيدة هي أن احداً في لبنان لن يتنازل إلا لقمة دمشق السورية السعودية، ولن يأخذ الا من تلك القمة بالتحديد. وهو ادّعاء يتركز اساساً على عقدة الجنرال ميشال عون ومطالبه الوزارية التي كانت تعجيزية لكنها قد تصبح خلال الساعات المقبلة منطقية. ولن يبقى من النقاش الداخلي اللبناني سوى الادّعاء بأن التفاهم السوري السعودي سيواجه تحدياً إيرانياً أو مصرياً أو إسرائيلياً أو أميركياً طبعاً، مع ان ما جرى في دمشق، يسد كل هذه الأبواب، لفترة زمنية معقولة.