سوريا بين -الهلال الشيعي- -والمعتدلين العرب-
محيي المسعودي
عانت سوريا خلال السنوات الماضية عزلة عربية ودولية قاسية, وواجهت تهديدات وضغوط كبيرة كادت ان تطيح بهذا البلد بسبب علاقته الوطيدة وموقفه من حزب الله في لبنان وعلاقته الستراتيجية مع ايران . وكانت سنوات حكم بوش الابن من اقسى تلك السنوات على سوريا , اذ استطاع بوش ان يعزلها عن اقليمها العربي وان يشكل محورا عربيا ضدها, سُمي بمحور الاعتدال تقوده السعودية ومصر ودول عربية اخرى . بينما اطلق بوش “محور الشر” على سوريا وايران واُشيع حينها الخوف والتخويف من ولادة الهلال الشيعي الذي يمتد من ايران حتى لبنان وفلسطين مرورا بسوريا والعراق . ولكن السوريين وبما عُرف عنهم من حنكة سياسية وحسن ادارة الازمات استطاعوا الصمود حينها , مرة بالتقية السياسية ومرة باستخدام قوتهم ونفوذهم في الاماكن الرخوة التي تهم خصومهم كلبنان والعراق وفلسطين . ويبدوا ان الاقدار والتغييرات السياسية جاءت اخيرا لصالح السوريين وخاصة في امريكا , بعد حصول الحزب الديمقراطي على الاغلبية وزيارة زعيمة الاغلبية نانسي بيلوسي الى سوريا رغم معارضة بوش الشديدة آنذاك لتلك الزيارة . وتوجت التغييرات السياسية الامريكية بانتخاب الديمقراطي باراك اوباما رئيسا للولايات المتحدة . ومعروف لدى الجميع موقف اوباما من المنطقة العربية وايران , والمتمثل باقامة علاقات جيدة مع العرب والمسلمين والدعوة لقيام دولة فلسطنية واعتماد الحوار مع ايران والانسحاب من العراق . هذه السياسة اعطت المزيد من الاوكسجين للسياسة السورية التي خنقها بوش . والسؤال الذي نبحث له عن اجابة هنا هو, هل كانت سوريا على صواب في سياستها ام ان معايير المصالح بينها وبين خصومها اختلفت واصبح من مصلحة اعداء سوريا بالامس اقامة علاقات وطيدة معها اليوم ؟ السوريون لم يتنازلوا عن مواقفهم وسياساتهم رغم الظروف القاسية التي مرّوا بها , فهم لازالوا مع حزب الله ومع ايران ومع الفلسطنيين”على الاقل في الظاهر” بينما خصومهم ومن خلال التصريحات والافعال يبدوا انهم تخلو ولو عن جزء مما كانوا يريدونه من سوريا . وتاتي زيارة الملك السعودي الى سوريا بهذا السياق وبمثابة تكفير عما فعلته السعودية اتجاه سوريا خلال السنوات الماضية من خلال محور المعتدلين العرب الذي اقامه بوش , والسعودية التي رفضت حضور مؤتمر القمة في سوريا تاتي اليوم الى سوريا وهي تحمل الكثير من الهدايا السياسية والاقتصادية كتعويض عما تسببت به من اذى لسوريا وهو موقف محمود عربيا في ظاهره ولكنه لا يبعث على الاطمئنان في العلاقات العربية العربية بسبب تبعية السياسة العربية ” المعتدلة ” لامريكا . وتغييرها بتغيير سياسة امريكا . والسؤال هنا “مرة اخرى” , لو ان بوش او احد الجمهورين الذين ينتهجون نهجه هو الان الرئيس الامريكي . هل كان الملك السعودي سيزور سوريا هذه الزيارة وبكل ما حملته من هدايا ومضامين . ثم , هل تخلت السعودية ومن معها في المحورالمعتدل عن دعم الحريري في لبنان ضد حزب الله ؟ وهل ترضى هذه الدول علاقة سوريا بحزب الله وبايران والفلسطنيين …؟ من يعرف واقع الحكومة السعودية ودول الاعتدال العربي جيدا سوف يجزم بان هذه الزيارة لم ولن تحدث ابدا لو ان الرئيس الامركي الحالي جمهوريا .
السياسة السورية تشهد نجاحات كبيرة هذه الايام ولا يعكرها الاّ علاقة الحكومة العراقية معها وتحديدا رئاسة الوزراء العراقية, والسوريون في هذا المناخ السياسي العالمي قادرون على تجاوز الازمة بسهولة. ولكن ازمة العلاقة بين سوريا والعراق مرتبطة بأسباب خفية اكثر منها علنية, تتعلق بجميع الاطراف وتلتقي في مفصل واحد , ربما غابت الاسباب عن الحكومة العراقية بسبب حداثة تجربتها وقلة خبرتها ولكنها لم تغب عن بقية الاطراف وخاصة سوريا . والمفصل الذي اتحدث عنه هنا هو فكرة او مشروع الهلال الشيعي الذي اقلق محور المعتدلين العرب وامريكا واسرائيل طويلا والذي شرع بالاستطالة هذه الايام نحو الجنوب الغربي “أي في اليمن” وصار يهدد الجزيرة العربية بطوق قابل للاستدارة وربما للاكتمال كقمر يغطي شبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب وقد يذهب ابعد من ذلك ليشجع القذافي في دعوته الى اقامة دولة فاطمية شيعية في المغرب العربي ومصر . ان وضع اسفين بين سوريا والعراق وعزلهما عن بعضهما البعض انما يعني تقطيع ما يسمى الهلال الشيعي او تعطيل كينونته الى اجل غير مسمى . اذن هل جاء الخلاف السوري العراقي بمثابة هدية الاقدار الى محور المعتدلين العرب فسارعوا الى سوريا لاستلام هذه الهدية ام ان التكتيك السياسي السوري استفاد من هذا الخلاف الاني بين العراق وسوريا للحصول على المزيد من من المكاسب والنجاحات السياسية من خلال الايحاء بقطيعة طويلة مع العراق . وهل كانت الحكومة العراقية واعية للمتربصين بعلاقاتها مع سوريا والعرب ودول الجوار ؟ لا اعتقد ان المالكي قد ادرك هذه اللعبة التي , ارى ان خيوطها حِيكت بايدي قوى داخل العراق واخرى خارجه . وارى ان السوريون يعرفونها جيدا ولكنهم حسبوها جيدا ايضا فوجدوا ان خسارتهم في ازمة علاقة مع حكومة عراقية ضعيفة ” بسبب الديمقراطية ” التي لا تسمح لهذه الحكومة بان تكون مركزية دكتاتورية قوية القبضة على البلد , هي اقل بكثير من مكاسبهم العربية والاقليمية التي يحصلون عليها بسبب هذه الازمة .
العرب جميعا لا يطيقون حكومة عراقية يقودها الشيعة في العراق وهم مع من يعاديها بما يملكون والحكومات العربية هي ايضا مع من يعادي الديمقراطية ويعمل على اسقاطها في البلاد العربية , لان الديمقراطية هي المبيد الوحيد للقضاء على اوكار الدكتاتوريات العربية . من هنا ادرك السوريون اللعبة ولعبوها “صح” كما يقول المثل الشامي .
الحوار المتمدن