هذا ما اتفق عليه الملك والرئيس في جدّة وثبّتاه في دمشق
نقولا ناصيف
على ندرة المعلومات التي بلغت بيروت عن نتائج قمّة الملك عبد الله والرئيس بشّار الأسد، انتهت خلاصة محادثاتهما بتثبيت اتفاق البلدين على مقاربة مشتركة للملفات الإقليمية الشائكة، ولم يبدُ لبنان أحدها، وفصل كل هذه الملفات عن العلاقات الثنائية التي تشقّ طريقاً مستقلاً بينها.
لكن المعلومات القليلة أبرزت ما يأتي:
1 ـ لم يكن في وارد قمّة دمشق مناقشة موضوع لبنان، ولم يتناوله الملك والرئيس في اليوم الأول (7 تشرين الأول)، فصدر إعلان لم يُشر إلى لبنان أسوة بالبنود الأخرى من المحادثات. إلّا أنهما، تحت وطأة ردود فعل وصلت إلى الزعيمين، وتعويل اللبنانيين على موقف يدعم تأليف الحكومة الجديدة، وخشية إحباط داخلي يترتّب على عدم اتخاذ موقف كهذا يعبّر عن تأييد دمشق والرياض جهود الحوار اللبناني – اللبناني، لامس عبد الله الأسد الموضوع، واكتفيا في البيان الختامي – لطمأنة اللبنانيين – بسطرين يحضّانهم على التوافق وتأليف حكومة وحدة وطنية كحجر أساس لاستقرار لبنان.
2 ـ كان الملك والرئيس قد حسما موقفيهما من لبنان في قمّة جدّة 23 أيلول، واعتبرا أنّ الصفحة اللبنانية باتت مذ ذاك مطويّة إذ قرّرا عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للبنان، وترك اللبنانيين يؤلفون حكومتهم الوطنية بأنفسهم.
في قمّة جدّة، وقد أتت قمّة دمشق تثبيتاً لما عُدّ تفاهماً سعودياً – سورياً على توفير مظلة الدولتين للاستقرار اللبناني، تقرّر الآتي:
ـ تنظر الرياض ودمشق باهتمام إلى استقرار لبنان على أساس أنه مصلحة مشتركة لهما، إلّا أنهما تلتقيان أيضاً على معادلة ملازمة لهذا الاستقرار، وهي أن لا يكون هذا البلد معادياً لسوريا ونظامها، ولا موطئ قدم للإضرار بها. وهي في المقابل تحرص على استقلاله وسيادته وسلامه. وكان الأسد قد أبلغ عبد الله أن بلاده تريد علاقة صداقة بلبنان.
اعتبر البلدان التوافق الداخلي مصدر قوة لبنان. تالياً ينبغي للبنانيين أن يحلّوا بأنفسهم مشكلاتهم ويتوصّلوا إلى أوسع مساحة من التفاهم، بما في ذلك تأليف حكومة وحدة وطنية. ولاحظا أن حكومة يؤلفها اللبنانيون بتوافقهم الداخلي ستكون أقدر على مواجهة الأزمات والتحدّيات من أخرى يفرضها الخارج عليهم. بل تكون أقوى على الاستمرار والحكم.
ـ اتفاق الرياض ودمشق على عدم التدخّل في الشؤون اللبنانية، يؤدي إلى تشجيع أطراف خارجيين آخرين على عدم التدخّل فيها أيضاً، بعدما تيقن الجميع من أن التدخّل الخارجي لا يقتصر على نفوذ السعودية وسوريا وأن ثمّة دولاً أخرى تحاول النفاذ إليه للتأثير على استقراره واستخدامه ساحة نزاعات إقليمية.
ـ سمعت سوريا من السعودية كلاماً ذا دلالة، وهو أن انسحاب جيشها من لبنان واستعادة الأخير سيادته ينبغي أن لا يحجبا واقع أن لسوريا، أكثر من أي دولة عربية أخرى، مصالح وتأثيراً فاعلاً في لبنان يقتضي أخذه في الحسبان. قالت الرياض أيضاً إن نفوذها في لبنان توسّع في السنوات الأخيرة أكثر من قبل، وصارت أكبر قدرة على التحرّك بين الأفرقاء، إلا أن هذا الدور لا يضاهي دور دمشق أو يتقدّم عليه، لأسباب عدّتها سياسية واقتصادية وأمنية وجغرافية وتاريخية واجتماعية.
3 ـ عندما قرّر الأسد الذهاب إلى جدّة، كان قد وضع مقدّمات ما اعتقد أنه سيمهّد لقمّة سعودية – سورية في دمشق في أول زيارة للملك لها، وأن هذه القمّة يقتضي أن تكرّس ما ينبغي الاتفاق عليه في جدّة للملفات العالقة بين البلدين. وهكذا، بُنيت مشاركة الأسد في احتفال تدشين جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية على الاعتبارات الآتية:
ـ رغم آراء متعارضة من معاوني الرئيس، بعضها أيّد زيارة جدّة والبعض الآخر لم يتحمّس لها، قرّر الأسد الذهاب، وقد نظر إلى جامعة الملك عبد الله كمشروع عمر العاهل السعودي الذي يسعى من خلالها إلى الانتقال بالمجتمع السعودي من الانغلاق إلى الانفتاح، وتجاوز بعض ما كان محرّماً فيه.
لذا عنت الجامعة الكثير للملك، والتقط الأسد مغازيها وفق معلومات بلغته في هذا الشأن، وتوقّع أن يكون لمشاركته في افتتاح الجامعة تلك، وقع كبير في نفس الملك الذي غالباً ما يتأثر بالعامل الشخصي لدى اتخاذه الموقف السياسي. وهو، في أحسن الأحوال، تبعاً لطباعه، يدمج بينهما.
لم يرَ الأسد في الزيارة تنازلاً سياسياً في غير أوانه يقدّمه إلى عبد الله.
ـ تفهّم الرئيس السوري هواجس السعودية حيال علاقات خاصة تجمعه بإيران، وأخرى جديدة متطورة بتركيا، على نحو يعزّز نفوذ هاتين الدولتين في العالم العربي.
وخصوصاً أن الرياض تعتقد أن دمشق تذهب في علاقتها بطهران أبعد من التأثر بها، وأن أنقرة السنّية بات لها من خلال سوريا موطئ قدم هو مصدر قلق للعرب. بذلك توخّى الأسد من زيارة جدّة تأكيده للملك أن علاقته بإيران وتركيا ليست على حساب موقع سوريا في العالم العربي وتضامنها وإياه، وتعاونها معه في سبيل مصلحته واستقراره رغم التناقضات السياسية التي تعصف بعلاقات العرب بعضهم مع بعض، وتناحرهم على مواقع النفوذ في المنطقة. وأكد الأسد للملك في جدّة أن خلافات بلديهما في الأعوام الماضية لم تقد سوريا إلى التخلّي عن خياراتها العربية والقومية، ولا إلى أي موقف على حساب علاقاتها بالسعودية وسواها من الدول العربية. وعندما عانت العزلة العربية والدولية التي فُرضت عليها، عمدت إلى الدفاع عن نفسها وحماية مصالحها.
الاخبار