صفحات مختارة

إلغاء الدولة المدنية بالفتاوى والمجموعات

فالح ماجد المطيري
رغم مرور أكثر من أربعين عاماً على اتباع دولتنا النظام الديمقراطي الدستوري كأسلوب حكم بما يمثله بسلطاته الثلاث ’التشريعية، والتنفيذية، والقضائية’، مدعومة بصحافة حرة ’أو يفترض أن تكون حرة’، كسلطة معنوية رابعة، فإنه من الواضح أننا إلى الآن لم نهتدِ إلى ’نظام ديمقراطي’ محدد الملامح والخصائص والاستحقاقات، يكون قادراً بطبيعته على إفراز ثقافة مجتمعية مؤمنة بالدولة المدنية المحكومة بالدستور الذي يرسخ مفهوم الدولة بمعناه الشامل ولا يناقش أحوال الحكم فقط، ومازالت تحكمنا إلى الآن ’روح البداوة وعقل القرية’.
إن مشروع الدولة المدنية الذي نحلم أن يترسخ بفعل التراكم الزمني للتجربة الديمقراطية هناك محاولات ’لنحره’ وتقديمه قرباناً على مذبح المعتقدات الفكرية والأهواء الشخصية التي تعتقد أنها تملك الحقيقة المطلقة لوحدها.
ومن الطبيعي في أي مجتمع ديمقراطي تعددي أن تختلف المصالح، وتتعدد الاهتمامات، وتختلف التوجهات والمشارب الفكرية، ولكن من غير الطبيعي أن يتم هدم أسس ومقومات وبناء هذا المجتمع، فمن غير الطبيعي أن يقوم ’نائب’ وصل إلى البرلمان تحت ظل ’دستور’ يشرع لدولة مدنية بمحاولة تفريغه من محتواه والالتفاف عليه، باستفتاء جهة غير مختصة بتفسير الدستور ومواده.
من الطبيعي أنه من حق أي مواطن أن يستفتي وزارة الأوقاف فيما استشكل عليه فهمه من أمور دينه، ولكن من غير الطبيعي أن يسعى لفرض هذه الفتوى على غيره، والنائب العزيز محمد هايف لم يُعِد اكتشاف العجلة باستصداره فتوى الحجاب، فكلنا يعلم أن الحجاب مطلب شرعي للمرأة، ولكن القضية محل الخلاف هنا دستورية وليست شرعية، والغريب أنه لم يسأل عن ضرورة التزام المرأة بالحجاب كلباس ملزم لها في عموم حياتها، بل حدد سؤاله ’أثناء ممارستها لحقوقها السياسية’! فهل يرضيه أن تتحجب النائبة والوزيرة في ’قاعة عبدالله السالم’ وتنزع حجابها في الاستراحه؟ هل يرضيه أن تتحجب الناخبة حين تصويتها فقط؟ وبعد ذلك تضع حجابها في شنطتها وعباءتها تحت إبطها!
إن الجهة المخول لها تفسير المواد والنصوص الدستورية هي المحكمة الدستورية وليست أي جهات أخرى، ومن الخطورة بمكان أن يفتح باب الاستفتاء الديني حول الإشكاليات الدستورية، فإذا فتح هذا الباب فلا نستبعد أن يستفتي أحد المغالين بالتشدد الديني وزارة الأوقاف عما إذا كانت الديمقراطية بمجملها حلالا أم حراما؟!
ولا يختلف مسعى من أسموا أنفسهم مجموعة الـ’26’ عن سلوك الفاضل محمد هايف كثيرا، فمن الطبيعي أن يسعى أي مواطن أو مجموعة مواطنين للقاء صاحب السمو أمير البلاد، لعرض مشكلة شخصية أو طلب الإنصاف في مظلمة تعرض لها على ما تعودناه من مقامه السامي من العدل والإنصاف للجميع، ولكن من غير الطبيعي في مجتمع يفترض أن تحكمه أسس دستورية، أن تتم محاولة الالتفاف على هذه الأسس، ومحاولة الاستفراد بتقديم حلول لقضايا مطروحة للنقاش بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في دور الانعقاد القادم.

إن محاولة التبرير بأن ما قامت به المجموعة هو حقها في النقاش في قضايا الشأن العام أمر مردود عليه، ففي أي مجتمع ديمقراطي يعتبر الشأن العام متاحا لشرائح المجتمع المختلفة من طالب الجامعة إلى سائق سيارة الأجرة، فهل من المنطق أن تشكل كل مجموعة وفداً للقاء ولي الأمر وعرض وجهة نظرهم عليه؟ الغريب أن العديد من أعضاء المجموعة من الزملاء الكُتّاب في الصحافة، ولم يتركوا أي قضية من قضايا الشأن العام إلا أشبعوها عرضاً وتحليلاً، فهل ضاق بهم فضاء ’السلطة الرابعة’ عن عرض وجهات نظرهم؟
مع احترامي لجميع أعضاء المجموعة وشخوصهم الكريمة، إلا أنني أعتب على الأساتذة الأفاضل مشاري العنجري وصالح الفضالة وخالد الهلال وسامي النصف- وهم ممَن اعتدنا أن يكونوا من المدافعين عن الدستور ومؤسسات المجتمع المدني- أن ترد أسماؤهم ضمن مجموعة هلامية التشكيل، لا تملك من مقومات وأسس الوحدة الفكرية والتوجه السياسي ما يذكر.

الجريدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى