حرب الرموز
عباس بيضون
لن ندخل في الملابسات الإدارية والمالية لحادثة صرف الـ50 في جريدة النهار، من الواضح أن الصحافة ليست بألف خير، ومن الصعب الفهم بأن تجديد شبابها يحتاج الى غارة كهذه، كان يمكن لذلك ان يتم، لو ان هذه هي الغاية بقدر اكبر من الآلية الداخلية. ليست الصحافة بألف خير، يعلم ذلك الجميع، لقد كانت جزءاً من نظام سياسي اجتماعي بل كانت ركنا فيه. الآن يتقوض هذا النظام وتتشرشح أسسه في كل مكان وسيكون للصحافة نصيبها بالطبع، ليست للصحافة سوى قوة رمزية تعمل بقدر ما يعمل النظام السياسي وبقدر ما تكون السياسة عملية أخذ ورد وتبادل ومداورة وضغط وتأثير، اما والبلد منقسم كما هو الآن، والجماعات متحاجزة متصادّة، والحرب بالألفاظ مع اختراقات بالسلاح، اما والبلد كذلك فإن للكلام خطر، لكنه ليس كلام الصحف ففي حال كهذه لا مقام حقيقيًا لاية وساطة، سواء أقامت بها الدولة أم الصحافة، المجتمع يتخطى الاثنتين وكلتاهما في تأخر مقيم عنه. الكلام ذو الخطر هو الذي يدرّع الجماعات والأطراف. هو الذي يلابسها ملابسة الدرع ويساعد في تكلسها وتحصينها، انه الكلام الذي يخرج من جسدها وعصبها ويتماهى معاً، تجد الصحافة والحكومة وكل المؤسسات الوسيطة نفسها بلا قوة، لقد سقط الرمز والجماعات هي الآن تتكئ الى رموزها الخاصة وكلامها، ليست عملية تجديد شباب اذ ليس للصحافة وسواها ما تجدده، انه فقط ضعف يجعلها تسخر من نفسها او تحيا بها، لقد فقدت قوتها وربما رمزيتها وقبل سواها تعي ما فقدته، اذا كانت باتت محاصرة بالمجتمع والجماعات فإن هذا يعني المجتمع الموازي الذي كان بجملته رأسمالاً رمزياً لم يعد شيئاً مذكوراً. على الدولة والنقابات والمثقفين والصحافة ان تجتر عجزها وان تشهد، قبل غيرها على ذلك. إذا كانت بلغت هذا الحد فإن مصادر القوة فيها صارت أيضاً بلا وزن. صار ممكناً في هذا السياق ان لا يقام اعتبار لروائي ذي اسم عالمي او لمؤسسين ذوي تجربة تاريخية، صار ممكنا ان تسقط ايضا القيمة الرمزية للاشخاص ما دام الرصيد الرمزي سقط بأكمله، ينعكس شعور الصحافة بالضعف في علاقتها بنفسها وبعملها وبأشخاصها، إذا كان الصرف عملاً نافراً فإن شيئاً كالصرف يحدث في كل المستويات، بالطبع يدفع المثقفون الحصة الأكبر، إن اصرارهم على الاستقلال او إصرار بعضهم يعدو عملاً دونيكشوتياً لن يرى فيه الآخرون سوى استفزاز او تعدٍّ على الواقع، عندئذ قد يفكر كثيرون بأن يجعلوهم يرون قيمتهم.
السفير