لأن المطلوب أن يكون لبنان بلداً لا يُحكم
تشكيل حكومة “وحدة” تعطيل وعدم تشكيلها فراغ
السؤال الذي يثير الحيرة والاستغراب هو: لماذا تصر سوريا على تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان وكأنه بات شرطاً لتشكيل أي حكومة خلافاً للدستور والنظام؟ فعند وضع اتفاق الطائف، أصرت سوريا على ان يرد في باب “بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها” العبارة الآتية: “تقوم حكومة الوفاق الوطني بوضع خطة أمنية مفصلة مدتها سنة، هدفها بسط سلطة الدولة اللبنانية تدريجاً على كامل الاراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية”. وتم ربط “اعلان حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها الى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني” بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني واقرار الاصلاحات السياسية بصورة دستورية. ووردت في الباب نفسه عبارة “تقرر الحكومتان، الحكومة السورية وحكومة الوفاق الوطني اللبنانية اعادة تمركز القوات السورية في منطقة البقاع ومدخل البقاع الغربي في ضهر البيدر حتى خط حمانا المديرج عين دارة. كما يتم الاتفاق بين الحكومتين “على تحديد حجم وجود القوات السورية ومدته في المناطق المذكورة اعلاه”.
العميد ريمون إده، رحمه الله، توقف عند نقطة تشكيل “حكومة وفاق وطني” وعند غيرها من النقاط متسائلاً لماذا اشتراط تشكيل حكومة وفاق وطني لتنفيذ كل ذلك وفي لبنان فقط في حين أن أي حكومة تنال ثقة المجلس هي حكومة شرعية هل بهدف تعطيل ما تريد سوريا تعطيله وعدم تنفيذ ما لا تريد تنفيذه من خلال حكومة تسمى حكومة “وفاق وطني” لأنه يكون لها فيها عدد من الوزراء الذين يتولون ذلك؟ واقترح يومئذ ان يقال “الحكومة اللبنانية” بدون اخضاع تشكيلها لشروط وأوصاف قد تكون تعجيزية فتحول دون تشكيلها، حتى اذا لم تتمثل في هذه الحكومة الاحزاب الحليفة لسوريا في لبنان فإنها تعتبر غير وفاقية، وهكذا تبدأ المشكلة عند مباشرة تنفيذ اتفاق الطائف مع تشكيل حكومة الوفاق الوطني ومن ينبغي أن يتمثل فيها كي تكون وفاقية. والواقع انه بذلت جهود قوية لتشكيل مثل هذه الحكومة برئاسة عمر كرامي لأن الدكتور سمير جعجع أراد أن يكون له حصة فيها لم تعط له فتمثل بوكلاء عنه من “القوات اللبنانية” ودفع ثمن هذا الموقف السجن.
ولم يكن هم سوريا أن تبسط الدولة اللبنانية سيادتها على أراضيها وذلك بوضع خطة أمنية لهذه الغاية، ولا ان يتم حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها الى الدولة اللبنانية، وهي تعلم ان دون ذلك عقبات كثيرة وخلافات قد تقع داخل الحكومة وخارجها، انما يهمها الا يتفق أعضاء هذه الحكومة في ما بينهم، ولها فيها من يعطل قراراتها، على طلب اعادة تمركز القوات السورية في منطقة البقاع تمهيداً لطلب انسحابها من كل الاراضي اللبنانية.
لذلك اشترطت سوريا أن تكون الحكومة حكومة وفاق وطني كي يحق لها طلب ذلك. ولأن هذه الحكومة قد لا تتفق على اتخاذ قرار بذلك، فإن القوات السورية تبقى في لبنان الى أجل غير مسمى وإن خلافاً للطائف. وهذا ما حصل.
وعندما كانت تشكل حكومات غير وفاقية وكانت سوريا تخشى أن يطلب منها سحب قواتها، كانت تشترط موافقة السلطة اللبنانية بكل مكوناتها او موافقة الشعب اللبناني على ذلك… بدليل انها لم تستجب طلب الرئيس أمين الجميّل ولا طلب الرئيس الياس سركيس الخطي بهذا الشأن.
وعندما لم يكن تشكيل حكومة وفاق وطني في مصلحة سوريا لأنها لم تكن تريد تمثيل “الحركة الوطنية” فيها وتحديداً رئيسها كمال جنبلاط سلمت بتشكيل حكومة من غير السياسيين برئاسة الدكتور سليم الحص. الى أن تمكنت من اقامة الحكم الذي تريد في لبنان واختيار رئيس له، فأصبح وجود القوات السورية في لبنان وجوداً “شرعياً وضرورياً وموقتاً”…
وعندما كلف فؤاد السنيورة تشكيل أول حكومة اشترطت لاستقباله في دمشق أن يؤلف حكومة وحدة وطنية كي يكون لها فيها “الثلث المعطل” لكل قرار لا يعجبها وحصل ذلك فعلاً عند البحث في النظام الاساسي للمحكمة ذات الطابع الدولي اذ استقال الوزراء الشيعة منها فأصبحت حكومة غير شرعية وغير ميثاقية وأقفلت أبواب مجلس النواب في وجهها وحتى في وجه النواب.
وعندما تعذر تصحيح وضع تلك الحكومة بتمثيل قوى 8 آذار فيها كي يعود اليها “الثلث المعطل” كانت أحداث 7 أيار التي فرضت عقد مؤتمر الدوحة الذي تقرر فيه أن تكون الحكومة حكومة وحدة وطنية وتم فيه توزيع الوزراء حصصاً بين رئيس الجمهورية وقوى 8 و14 آذار. وها ان تشكيل مثل هذه الحكومة بات شرطاً لقيام أي حكومة في لبنان مهما تكن نتائج الانتخابات. وقد عادت سوريا وأكدت موقفها هذا في لقاء الملك عبدالله والرئيس الاسد الاخير في دمشق إذ حرصت على ان ترد في بيانها بعد هذا اللقاء عبارة “ان تشكيل حكومة وحدة وطنية هو حجر الاساس لاستقرار لبنان وتعزيز وحدته وقوته ومناعته، فيما خلا البيان السعودي منها، فيضاف الى عقدة تأليف كل حكومة كهذه عقدة توزيع الحصص على المشاركين فيها وعلى حكومة ارقام جديدة.
ما هي الغاية اذاً من إصرار سوريا على تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان منذ اتفاق الطائف الى اليوم سواء كانت الظروف استثنائية تقضي بذلك أو كانت عادية؟ هل لتعطيل القرارات التي تريد تعطيلها لأنها غير مقبولة منها؟ هل لجعل لبنان غير قابل للحكم فيواجه الأزمات عند كل استحقاق. فلا يستطيع انتخاب رئيس للجمهورية الا بالتوافق، وكما حصل أخيراً، بحيث لا يعود لبنان يشهد انتخابات رئاسية ديموقراطية يفوز فيها المرشح بالاكثرية المطلوبة وحتى بصوت واحد كما فاز الرئيس سليمان فرنجيه، ولا يتم تشكيل حكومة الا بالتوافق والا استمرت أزمة التشكيل مفتوحة الى ما لا نهاية، ولا يتم ربما بعد حين اجراء انتخابات نيابية الا بالتوافق بحيث تشكل لجنة تنظر في أهلية المرشحين وتتولى تأليف اللوائح الائتلافية… ويتم انتخاب رئيس مجلس النواب بالتوافق وكذلك رئيس الحكومة وحتى تشكيل اللجان النيابية، فاذا لم يحصل التوافق يكون الفراغ، واذا حصل يكون التعطيل… فأي نظام هو هذا؟!
لقد صح ما توقعه العميد ريمون إده قبل سنة من وفاته عندما كان يقول لمن يتصل بهم: “ان لبنان الذي نعرفه انتهى”.
النهار