ما بعد لبنان
ساطع نور الدين
مراقبة ردود الفعل على القمة السورية السعودية لا تكفي وحدها للحكم على نتائجها، لكن ما لم يصدر حتى الآن من طهران والقاهرة وواشنطن وباريس، مؤشر مهم لمرحلة ما بعد الاختبار اللبناني الاول الذي ستظهر نتائجه خلال الايام المقبلة على أبعد تقدير.. والذي يفترض أن تليه اختبارات عربية وإقليمية متبادلة بين الجانبين السوري والسعودي، تهدئ الكثير من الرؤوس اللبنانية الحامية.
صار الخلاف السوري السعودي حول لبنان من الماضي، وكل من يغامر من اللبنانيين في الرهان على إمكان اللعب على هذا الوتر الحساس سيدفع ثمنا سياسيا باهظا، وكل من يخطئ في قراءة نتائج تلك المغامرة التي يخوضها البلدان بالرغم من تحفظ مختلف حلفائهما الأقوياء على تقارب يبدو سابقاً لأوانه بعض الشيء، لن يجد له مكانا لا في دمشق ولا في الرياض، اللتين تنتظران في هذه اللحظات الكثير من النوايا اللبنانية الحسنة التي تستجيب لنداء القمة، التي تمهد للانتقال الى الملفات الثنائية المفتوحة السورية والسعودية والتي لم تتح التوصل الى صياغة نص موحد للبيان الختامي.. ما أدى الى التسرع في صدور بيانين منفصلين ما زالا يخضعان للكثير من التحليل والتأويل.
لن يستطيع أي طرف لبناني مهما كان قويا أن يعطل ذلك التقارب، لا في باب التبانة ولا في جبل محسن، ولن يسارع أي فريق إقليمي أو دولي الى تقويضه. ثمة مهلة لبنانية تقاس بالأيام ومهلة إقليمية تقاس بالأسابيع لا أكثر، يفترض أن تشهد الترجمة العملية لنتائج القمة التي لم يكن اختيار توقيتها بالصدفة، بحيث تصبح السعودية جسر عبور سوريا الى مصر، وبحيث تكون سوريا مقدمة لردم الهوة السحيقة بين السعودية وإيران.. وهو ما يستدعي أكثر بكثير من إقناع المعارضة اللبنانية بالتخلي عن بعض مطالبها الحكومية التي تتخطى نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.
وفي هذا السياق يبدو أن الاختبار الثاني للقمة هو الفلسطيني الذي يفترض أن يشهد في خلال الاسابيع القليلة المقبلة، ما يمكن أن يريح مصر ويطمئنها الى أن قطاع غزة لن يظل إقليما متمردا على أمنها واستقرارها وعلى موقعها العربي والإسلامي، ويكفل لها أن قيادة حماس خاصة لم تعد في وارد مواصلة الشغب على هذا الموقع.. وهو ما سجلته أرصاد القاهرة مؤخرا، وكان يمكن أن يتحول الى مصالحة فلسطينية حقيقية لولا غلطة السلطة الفلسطينية التي لا تغتفر في تعاطيها مع تقرير غولدستون.
الاختبار الثالث عراقي. وهنا ايضا لا يبدو أن الخلاف السوري السعودي عميق، بل هو يدور حول الاجتهادات الخاصة بكل منهما في طريقة التعامل مع ايران التي كانت ولا تزال تتعامل مع العراق باعتباره ساحة نفوذها الاهم والاقوى، حتى بالمقارنة مع لبنان وفلسطين، لا سيما في لحظة انخراطها في حوار جدي مع أميركا والغرب عموما حول برنامجه النووي، لا تعارضه سوى دولة واحدة في العالم هي اسرائيل.. التي لا تزال الحكمة تقتضي التحسب من إقدامها على تخريب كل ما بني حتى الآن.
السفير