الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

ما جدوى العقوبات على إيران؟

جان ميشال بيزا
منذ الثورة الإسلاميّة وإيران تجذب أنظار العالم. قليلٌ من الدعم كثيرٌ من التهجّم، وحصارٌ اقتصاديٌ لم يمنعها من النجاح في بعض الميادين بشكلٍ مريبٍ للآخرين. سؤالٌ وجيه إذاً، أن يسأل العالم عن جدوى سياسة العقوبات التي لاحقتها 30 سنة، وما زالت تُهدَّد بها، من وجهة نظرٍ غربيّة.
يستغرب الأجانب وهم يتجوّلون في وسط طهران من وفرة البضائع الأجنبيّة في المحلاّت التجاريّة. شراء جينز كالفين كلين أو حقيبة غوشي أو «أي فون» من أسهل ما يكون. يبدو أنّ النشاطات التجاريّة تستمرّ رغماً عن كلّ شيء في بعض القطاعات الاقتصاديّة، ولكنّ المظاهر خدّاعة، خصوصاً أنّ معظم البضائع المهمّة، حتى الشاي، تستورد وغالباً ما تكون باهظة الثمن. تخفي هذه الحركات الاقتصاديّة الشرعيّة (وغير الشرعيّة) عدّة استثماراتٍ استراتجيّة مجمّدة.
يؤكّد كليمان تيرم Clement Therme ، أحد باحثي معهد الدراسات العليا الدوليّة في جنيف أنّ «العقوبات تضعف أسس الاقتصاد الإيراني وتزيد من كلفة الإيرادات». تقبع إيران تحت نظامٍ من العقوبات الاقتصاديّة، تتفاوت حدّتها، منذ 30 عاماً، عقب اختطافها لرهائن من السفارة الأميركيّة في طهران عام 1980، ثمّ دعمها لمنظّماتٍ وتطويرها اليوم لبرنامجٍ نووي. ساهمت ثلاثة قراراتٍ للأمم المتّحدة، اتّخذت بين عامي 2006 و2007، في شدّ الحزام بشكلٍ تدريجي حول إيران ولكن من دون التأثير في أهمّ مقوّماتها، أي قدرتها على تصدير ذهبها الأسود.
إلاّ أن البترول والغاز، اللّذين يعتمد عليهما الاقتصاد الإيراني، قد تضرّرا بشدّة من جرّاء العقوبات. فالإنتاج اليومي الحالي من البترول مستقرٌ في حدود 4 ملايين برميل، ولا يطال أبداً الكميّة التي كانت تنتجها إيران قبل الثورة الإسلاميّة عام 1979 (6 ملايين) والتي كانت تخطّت لاسترجاعها عام 2000. كما لا تستطيع هذه الدولة اليوم أن تستفيد من ثاني أكبر احتياطي عالمي من الغاز وتضطّر الى استيراده من تركمنستان أثناء الشتاء.
أوقفت شركات شيل وريبسول وتوتال مشاريعها لاستخراج الغاز وبناء مصانع تكثيف الغاز الطبيعي في حقل بارس الجنوبي المشترك بين إيران وقطر الذي اكتشف قبل 20 عاماً، وها انّ إيران تكاد تنفجر غيظاً من تمكّن جيرانها في الإمارات العربيّة المتحدّة من أن يصبحوا أوّل مصدّرين عالميّين للغاز الطبيعي المسال. بالمقاطعة التي يتعرّضون لها، هم عاجزون أيضاً عن تصدير غازهم عبر خطوط الأنابيب الى أوروبا. بالإضافة الى «أنّه تمّ استبعادهم من لقاء حصل مؤخّراً في تركيا حول مشروع خط أنابيب نابوكو، في حين دعيت سوريا لحضوره» حسب تعبير دجامشيد السادي Djamchid Assadi ، استاذ وباحث في المدرسة العليا للتجارة في ديجون، في الوقت ذاته الذي يواجه فيه مشروع خط أنابيب «السلام» بين إيران وباكستان والهند تحفّظات من جانب نيو دلهي.
هل ستتوّج المرحلة المقبلة من العقوبات بحصارٍ حول الغاز؟ في الحقيقة، تصدّر الدول الأوروبيّة بشكلٍ شرعي الغاز الى إيران، مقابل بضع مليارات يورو سنوياً، في حين تستورد تلك الأخيرة 40% من وقودها، لعدم قدرتها على بناء معامل تكرير بواسطة التكنولوجيا الغربيّة. يؤكّد السيد تيرم أنّ «إيران تتخوّف من الأمر وتتحضّر له، حيث أنّها قد بدأت منذ عام 2008 بمراكمة احتياطي استراتيجي يكفيها لشهرين من الاستهلاك».
الكثيرون يخشون أيضاً من تراجعٍ في الملاحة الاقتصاديّة، يفسّر وتيرة الحوادث المتزايدة اليوم، حسب المحلّلين. كما أنّ قطاع صناعة السيّارت قد تأثّر بالعقوبات، وتأخّرت عمليّة توسيع قطار الأنفاق في طهران، حيث لم يقبل المتموّلون الدوليّون بالضمانات التي قدّمتها الهيئات الإيرانيّة العامّة. بالإضافة الى ذلك، تعاني إيران اليوم من مشكلة في مخزونها للأدوية نتيجة العقوبات التي تطال المصارف المموّلة لصناعة الأدوية. وبذلك لم تنجح الأمم المتّحدة، التي كانت تبحث عن عقوباتٍ «ذكيّة» لا تلقي بثقلها على السكّان، في تحقيق مرادها. لم يعد يحتفظ الاقتصاد بمؤشّر نموه السابق، والبطالة باتت منتشرة بين الشباب. أدّت العقوبات الى زيادة كلفة التحويلات الماليّة، واستيراد البضائع المتنقّلة بين عدّة وسطاء، وبالتالي أدّت الى زيادة التضخّم. وهي المسؤولة جزئياً عن ارتفاع الأسعار بنسبة 16%.
البعض يعوّل على تلك العقوبات ويستحسنها، خصوصاً المؤسّسات التي يقودها مسؤولون من النظام. يقول السيد تيرم «تزيد العقوبات من فعّاليّة السوق السوداء وتنشّط الشبكات غير الرسمية لحرّاس الثورة، التي تتولّى مهمّة استيراد البضائع الخاضعة للعقوبات بطريقةٍ غير شرعيّة. ولا تمنع حركة المحرومين من شراء أسلحة روسيّة من دبي مثلاً». الكثير من الصفقات والتحويلات تمرّ عبر هذه الطريقة، ويتمّ الحديث اليوم في الإيليزيه عن انّ «باريس تعمل مع دبي، لأنّ الحركة الماليّة تمرّ عبرها»، وكذلك البضائع التي يعاد تصديرها الى إيران. ولكنّ الإمارات العربيّة قد شدّدت سياستها وترفض استضافة وسطاء إيرانيّين على أراضيها.
المؤسّسات الاقتصاديّة ما تزال حائرة حول هذا الموضوع. فتقرير البنك الدولي عن سهولة ممارسة الأعمال أو Doing business لعام 2010 يشير الى أنّ الدولة تحتلّ المرتبة 142 على 183. هل تشكّل سوقاً واسعاً للصين وروسيا إذاً، كونهما يرفضان سياسة العقوبات؟ يجيب السيد تجمشيد أسدي أنّ هذا مستبعد، مُذكّراً بأنّ رئيس غرفة التجارة الإيرانيّة التي تجمع الصين بإيران كان يشتكي من ضعف التبادلات بينهما. أوروبا تؤمّن 22% من التبادلات التجاريّة للصين في مقابل 4% فقط للشرق الأوسط.
إنّ الحصار الاقتصادي النسبي الممارس ضدّ إيران حتى الآن قد دفع الرئيس أحمدي نجاد الى الغرف باستمرار من خزينة العملات التي يموّلها سوق النفط، مبدّداً بذلك جزءاً من ثروة إيران، وهي إحدى أبرز الانتقادات التي يتلقّاها، حتى من قبل بعض المحافظين الواقعيّين.
ترجمة: زهراء مرتضى
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى