صفحات ثقافية

الطيب صالح ينهي مواسم الهجرة

عرس الموت يُغيِّب سفير الأدب السوداني في عاصمة الضباب
القاهرة – محمد الصادق – خلف علي حسن – أحمد جاد – محمد فتوح – رفيدة ياسين
استيقظ العالم أمس على فجيعة فقدان الأديب الكبير الطيب صالح الذي وافته المنية بالعاصمة البريطانية بعد صراع طويل مع المرض، وكان الراحل يعاني مرض الفشل الكلوي في السنة الأخيرة، وكان يجري عملية غسل كلى مرتين في الأسبوع، والراحل من مواليد «الدبة كرمكول» عام 1929في شمال السودان، وكان له فضل كبير في نشر الأدب والثقافة السودانية في مختلف أنحاء العالم من خلال رواياته ومؤلفاته التي تُرجم العديد منها إلى اللغات الأوروبية.
وقد نعَتْه رئاسة الجمهورية السودانية في بيان قالت فيه: «إن الفقيد كان له القدح المعلَّى في نشر الأدب والثقافة السودانية في مختلف أنحاء العالم من خلال رواياته ومؤلفاته وكتاباته الرائعة التي تُرجم العديد منها إلى اللغات العالمية».
كما نعاه الاتحاد العام للصحافيين السودانيين، مؤكدا في بيان له أن صالح يعد عبقري الرواية العربية السودانية، وأن الاتحاد إذ يحتسب الطيب صالح فإنما يحتسب إعلامياً شاملاً وأديبا اعتلى قمة مراتب الأدب، وأسهَم في الحياة الاجتماعية بقدر وافر، وعمل في مواقع إعلامية وصحافية متعددة. وعلمت «الجريدة» أن أسرة الأديب الراحل تطالب بتشييع جنازته ومواراته التراب في موطنه الأصلي.
ترك الطيب صالح بصماته الواضحة في الحياة العامة السودانية وعرفها إلى العالم الخارجي من خلال روايات جسدت نبوغه الفكري والأدبي، وكان ذا قامة أدبية وإعلامية سامقة، لا يقل مكانة عن مشاهير أدباء العرب والعالم، كما أسهم بكثير من المقالات والكتابات في الصحافة العربية والعالمية.
أطلق عليه النقاد لقب «عبقري الرواية العربية» ويذكر أنه صرح قبل وفاته في حوار صحافي بأنه لا ينشغل بجائزة نوبل هذه! وشكك في حصوله عليها… وأن الأمر لا يهمه، مؤكداً بتواضعه المعروف أن في العالم عشرات الكتاب الكبار الذين يستحقونها ومنهم كتاب عرب، لذلك فنسبة حصولهم عليها قد تكون قليلة.
تلقى الطيب صالح تعليمه في «وادي سيدنا» وفي كلية العلوم بالخرطوم. ومارَس التدريس ثم عمل رئيسا في الـ«BBC» الإذاعة البريطانية في لندن، نال شهادة في الشؤون الدولية في إنكلترا، وشغل منصب ممثل اليونسكو في دول الخليج، ومقرها قطر في الفترة من 1984 إلى 1989. أشهر رواياته «موسم الهجرة إلى الشمال»، التي تُرجمت إلى عدة لغات، كما تم اختيار هذه الرواية من قبل لجنة الأدباء العرب باعتبارها أهم رواية كتبت في القرن العشرين، كما تم اختيارها ضمن أفضل مئة رواية في العالم خلال القرن العشرين. ومن أشهر رواياته وكتبه أيضا «عرس الزين» و«مريود» و«نخلة على الجدول» و«دومة ود حامد».
وكان صدور روايته الثانية «موسم الهجرة إلى الشمال» والنجاح الذي حققته سببا مباشرا في التعريف به وجعله في متناول القارئ العربي في كل مكان، إذ تمتاز هذه الرواية بتجسيد ثنائية التقاليد الشرقية والغربية واعتماد صورة البطل الإشكالي الملتبس على خلاف صورته الواضحة، سلبا أو إيجابا، الشائعة في أعمال روائية كثيرة قبله.
صدر حوله مؤلَّف بعنوان «الطيب صالح عبقري الرواية العربية» لمجموعة من الباحثين في بيروت، تناول لغته وعالمه الروائي بأبعاده وإشكالاته، وحاز في عام 2005 جائزة ملتقى القاهرة الثالث للإبداع.
وبحسب النقاد، يمتاز الفن الروائي للطيب صالح بالالتصاق بالأجواء والمشاهد المحلية ورفعها إلى مستوى العالمية من خلال لغة تلامس الواقع خالية من الرتوش والاستعارات، منجزاً في هذا مساهمة جدية في تطور بناء الرواية العربية ودفعها إلى آفاق جديدة.
وقد تُرجمت بعض رواياته إلى أكثر من ثلاثين لغة، وتحولت روايته «عرس الزين» إلى دراما في ليبيا، وإلى فيلم سينمائي من إخراج المخرج الكويتي خالد صديق في أواخر السبعينيات، حيث فاز في مهرجان «كانْ».
وفي مجال الصحافة، ظل الطيب صالح يكتب خلال عشرة أعوام عمودا أسبوعيا في صحيفة لندنية تصدر بالعربية تسمى «المجلة»، وخلال عمله في هيئة الإذاعة البريطانية تطرق الطيب صالح إلى مواضيع أدبية متنوعة.
الطيب صالح… روائي ومدرس وصحافي
الطيب صالح كاتب وأديب وروائي سوداني، يُعد الأشهر من بين الكتاب السودانيين في النصف الثاني من القرن العشرين. ولعل سبب هذه الشهرة روايته التي تعد من أعظم الروايات في العالم حسب رأي كثير من النقاد «موسم الهجرة إلى الشمال»، كذلك يعرف العالم العربي الطيب صالح من خلال مساهماته المستمرة في الصحف والمجلات العربية.
● وُلد الطيب محمد صالح أحمد في مركز مروى، المديرية الشمالية في السودان عام 1929.
● تلقى تعليمه في «وادي سيدنا» وفي كلية العلوم في الخرطوم.
● مارَس التدريس ثم عمل في الإذاعة البريطانية في لندن .
● نال شهادة في الشؤون الدولية في إنكلترا، وشغل منصب ممثل «اليونسكو» في دول الخليج، ومقره قطر في الفترة من 1984 إلى 1989 .
● صدر حوله مؤلَّف بعنوان «الطيب صالح عبقري الرواية العربية» لمجموعة من الباحثين في بيروت عام 1976، تناول لغته وعالمه الروائي بأبعاده وإشكالاته .
● كان صدور روايته الثانية «موسم الهجرة إلى الشمال» والنجاح الذي حققته سببا مباشرا في التعريف به، وجعله في متناول القارئ العربي في كل مكان .
● تمتاز هذه الرواية بتجسيد ثنائية التقاليد الشرقية والغربية واعتماد صورة البطل الإشكالي الملتبس على خلاف صورته الواضحة، سلبا أو إيجابا، الشائعة في أعمال روائية كثيرة قبله .
● يمتاز الفن الروائي للطيب صالح بالالتصاق بالأجواء والمشاهد المحلية، ورفعها إلى مستوى العالمية من خلال لغة تلامِس الواقع خالية من الرتوش والاستعارات، منجزا في هذا مساهمة جدية في تطور بناء الرواية العربية ودفعها إلى آفاق جديدة، ومن مؤلفاته:
● عرس الزين- رواية
● موسم الهجرة إلى الشمال – رواية 1971
● «مريود»- رواية
● نخلة على الجدول
● «دومة ود حامد» رواية
تبوأ مركزًا مهمًا في خريطة الرواية العربية
لندن من علاينة عارف: توفي في لندن، قبيل فجر اليوم (الأربعاء 18 شباط ) الروائي السوداني الكبير الطيب صالح عن عمر يناهز الثمانين عامًا. ولد الطيب صالح  عام 1929 في إقليم مروي شمالي السودان بقرية كَرمَكول بالقرب من  إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها. ذهب الى انكلترة مطلع الستينات ، وعمل في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما في البي بي سي.. وبعد استقالته من البي بي سي عاد إلى السودان وعمل لفترة في الإذاعة السودانية. ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلاً ومشرفاً على أجهزتها. عمل بعد ذلك مديراً إقليمياً بمنظمة اليونيسكو في باريس. وعمل ممثلاً لهذه المنظمة في الخليج العربي. وعندما نشرت مجلة حوار روايته الأولى “موسم الهجرة الى الشمال” منتصف ستينات القرن الماضي، اشتهر الطيب صالح روائيا من طراز جديد يعرف كيف يعجن العلاقة بين الشرق والغرب في أسلوب جريء وضمن شخصيات تعاني الاغتراب والقلق الجنسي الذي يفرزه الفارق بين الغرب والشرق. فمن أجواء لندن الضبابية الى اعماق المجتمع السوداني الريفي، يتحرك السرد الذي تميز به الطيب صالح، بأسلوب حكائي حديث ذي أصالة لم تعرفه الرواية قبله. ورغم ان السلطات السودانية حاولت منعها بحجة انها ذات لغة جنسية مكشوفة، إلا انها تعتبر فخر الأدب السوداني  والعربي الحديث بقدر ما هي واحدة من افضل مئة رواية في القرن العشرين. لقد نشر الطيب صالح فيما بعد عدة روايات ومجماميع قصصية منها “عرس الزين” و”دومة ود حامد” ، وترجمت أعماله الى عدة لغات.
والغريب ان موته هذا جاء في الوقت الذي بعثت فيه مجموعة من المؤسسات الثقافية في الخرطوم بينها اتحاد الكتّاب السودانيــين وعدد من المراكز الثقافية في العاصمة السودانية رسـالــة إلى الأكاديمــية الـسويـديـة ترشح فــيها الأديب والروائي السوداني الطيب صالح لنيل جائزة نوبل. وبصفته كاتبا أصيلا ذا انهمام صادق بلماذا تكتب، لم يهتم لهذه الدعوة مشككا بالجائزة اولا، و”مشيرا ثانيا إلى أن في العالم عشرات الكتّاب الكبار الذين يستحقون نوبل، وبعضهم في العالم العربي لم يمنحوا هذه الجائزة مشبها لها باليانصيب.”. لقد رحل الطيب صالح لكنه ترك عملا سيخلده رغم كل الجوائز التي تمنح لهذا وذاك.
وقد كتبت عن أعماله عدة دراسات واطروحات جامعية، وصدر كتاب عام 1976: “الطيب صالح عبقري الرواية العربية”. كما فاز بجائزة ملتقى القاهرة الثالث للابداع الروائي عام 2005 . وقال الروائي عزت القمحاوي مدير تحرير صحيفة أخبار الادب المصرية: “ان أبرز ما يميز صالح أن عنده حساسية كاتب “فعندما وجد أنه ينبغي عليه أن يتوقف عن كتابة الابداع توقف بالفعل. وقد امتحنت أعماله في وجوده اذ ظل موجودا في المشهد الابداعي العربي رغم توقفه عن الكتابة.” علمت إيلاف بان جثمان الطيب صالح سيغادر العاصمة البريطانية هذه الليلة الى الخرطوم، حيث يجري تشييع الروائي العربي الكبير في بلده بحضور سوداني وعربي كبير.
وفاة الطيب صالح “عبقري الرواية العربية” عن عمر يناهز 80 عاما
دبي- العربية.نت، وكالات
توفي الأربعاء 18-2-2009 الروائي السوداني المعروف الطيب صالح في أحد مستشفيات العاصمة البريطانية لندن حيث كان يقيم، وذلك عن عمر يناهز الثمانين عاما، بعد رحلة طويلة في مجال الأدب والثقافة والصحافة، ما حدا بالكثير من النقاد إلى تسميته بـ”عبقري الرواية العربية”، لا سيما وأن إحدى رواياته اختيرت لتنضم إلى قائمة أفضل 100 رواية في القرن العشرين. وقال صديقه علي مهدي إن الطيب صالح فارق الحياة ليل الثلاثاء الأربعاء عن عمر يناهز 80 عاما. ولد صالح في إقليم مروى شمالي السودان بقرية كَرْمَكوْل بالقرب من قرية دبة الفقيرة, وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها، و تلقى تعليمه في وادي سيدنا وفي كلية العلوم في الخرطوم. مارس التدريس ثم عمل في الإذاعة البريطانية في لندن، كما نال شهادة في الشؤون الدولية في إنكلترا، وشغل منصب ممثل اليونسكو في دول الخليج ومقره قطر في الفترة 1984 – 1989.
“موسم الهجرة إلى الشمال”
كان صدور روايته الثانية “موسم الهجرة إلى الشمال” والنجاح الذي حققته سببا مباشرا في التعريف وجعله في متناول القارئ العربي في كل مكان، وتمتاز هذه الرواية بتجسيد ثنائية التقاليد الشرقية والغربية واعتماد صورة البطل الإشكالي الملتبس على خلاف صورته الواضحة، سلبًا أو إيجابًا، الشائعة في أعمال روائية كثيرة قبله.
وظلت روايته “موسم الهجرة الى الشمال”، التي أكسبته شهرة عالمية على مدى أكثر من 40 عاما، المقياس الذي توزن به قيمة أعمال أخرى تالية تناول فيها روائيون عرب الصدام بين الشرق والغرب، ووصفتها الاكاديمية العربية ومقرها دمشق عام 2001 بأنها أهم رواية عربية في القرن العشرين.

وفي كثير من الروايات العربية التي عالجت الازمة الحضارية بين الشرق والغرب كان مصطفى سعيد بطل الرواية يطل برأسه متحديا أبطال هذه الاعمال، كما سبق أن تحدى البريطانيين الذين كانوا يحتلون بلاده وأعلن في لندن أنه جاء لغزوهم بفحولته الجنسية.
وصدر حوله مؤلف بعنوان “الطيب صالح عبقري الرواية العربية” لمجموعة من الباحثين في بيروت، تناول لغته وعالمه الروائي بأبعاده وإشكالاته، وحاز في عام 2005 على جائزة ملتقى القاهرة الثالث للإبداع.
وبحسب النقاد، يمتاز الفن الروائي للطيب صالح بالالتصاق بالأجواء والمشاهد المحلية ورفعها إلى مستوى العالمية من خلال لغة تلامس الواقع خالية من الرتوش والاستعارات، منجزًا في هذا مساهمة جدية في تطور بناء الرواية العربية ودفعها إلى آفاق جديدة.
ومن أهم مؤلفاته: عرس الزين رواية ( 1962 )، موسم الهجرة إلى الشمال رواية ( 1971)، مريود، نخلة على الجدول، دومة ود حامد، وترجمت بعض رواياته إلى أكثر من ثلاثين لغة، وتحولت روايته “عرس الزين” إلى دراما في ليبيا ولفيلم سينمائي من اخراج المخرج الكويتي خالد صديق في أواخر السبعينيات حيث فاز في مهرجان كان.
وفي مجال الصحافة، كتب الطيب صالح خلال عشرة أعوام عمودا أسبوعيا في صحيفة لندنية تصدر بالعربية تحت اسم “المجلة”، وخلال عمله في هيئة الاذاعة البريطانية تطرق الطيب صالح إلى مواضيع أدبية متنوعة.
ولم يكف صالح عن الانخراط في القضايا السياسية من خلال مقالات ظل ينشرها في بعض الصحف والمجلات حتى أيامه الاخيرة.
وفي نهاية الشهر الماضي أرسلت مؤسسات ومراكز ثقافية في الخرطوم منها اتحاد الكتاب السودانيين رسالة الى الاكاديمية السويدية ترشح فيها صالح لنيل جائزة نوبل في الاداب.
ودائما ما يقارن نقاد عرب بين صالح والأديب المصري الراحل يحيى حقي من جهة وبين معظم الكتاب من جهة ثانية، اذ امتلك حقي وصالح شجاعة التوقف عن الكتابة الابداعية مثل أي لاعب بارز يستشعر أنه لن يقدم أفضل مما سبق أن قدمه فيؤثر الاعتزال.
وقال الروائي عزت القمحاوي مدير تحرير صحيفة أخبار الادب المصرية إن أبرز ما يميز صالح أن عنده حساسية كاتب “فعندما وجد أنه ينبغي عليه أن يتوقف عن كتابة الابداع توقف بالفعل. وقد امتحنت أعماله في وجوده اذ ظل موجودا في المشهد الابداعي العربي رغم توقفه عن الكتابة”.
العربية نت
هاجر الى الشمال ولم يَعُد
الخرطوم ـ صديق نورين
غيّب الموت، أمس، الأديب السوداني الطيب صالح. وتوفي الروائي العالمي صالح في لندن جراء الفشل الكلوي، ونعته رئاسة الجمهورية ووصفته بفقيد البلاد، مشيرة الى أن له القدح المعلى في نشر الأدب والثقافة السودانية في مختلف أنحاء العالم من خلال رواياته ومؤلفاته وكتاباته الرائعة التي ترجم العديد منها باللغات العالمية.
وولد الطيب محمد صالح أحمد في قرية كرمكول بمركز مروى بالمديرية الشمالية بالسودان في 18 فبراير العام 1929م، حيث عاش طفولته الباكرة وصباه. وتلقى تعليمه في ثانوية وادي سيدنا جنوبي العاصمة السودانية قبل أن تنقل لاحقاً الى وسط الخرطوم وتقام مكانها قاعدة جوية، ودرس في كلية العلوم بجامعة الخرطوم ونال فيها درجة البكلاريوس. ومارس التدريس، ثم عمل في الإذاعة البريطانية في لندن. ونال صالح شهادة في الشؤون الدولية في إنكلترا، وشغل منصب المدير الإقليمي لمنظمة اليونسكو في باريس ثم في دول الخليج بمقر المنظمة بدولة قطر في الفترة 1984م ـ 1989م.
أطلق النقاد العرب على صالح لقب “عبقري الرواية العربية”، واشتهر بصورة خاصة بروايته الرائعة “موسم الهجرة الى الشمال” التي ترجمت الى لغات عدة، وهي رواية تم اختيارها من قبل لجنة الأدباء العرب باعتبارها أهم رواية كتبت في القرن العشرين. وحالة الترحال والتنقل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب أكسبته خبرة واسعة بأحوال الحياة والعالم وأحوال أمته وقضاياها وهو ما وظفه في كتاباته وأعماله الروائية، ومن رحم ذلك ولدت رواياته وكتبه التي أشهرها: موسم الهجرة الى الشمال، عرس الزين، مريود، ضو البيت، بندر شاه، نخلة على الجدول، دومة ود حامد، ومنسي، الى جانب روايات أخرى ومقالات وقصص قصيرة في الصحف والمجلات.
وترجمت أعمال الطيب صالح الى أكثر من ثلاثين لغة. و”موسم الهجرة الى الشمال” واحدة من أفضل مائة رواية في العالم.. وقد حصلت على العديد من الجوائز. وقد نشرت لأول مرة في أواخر الستينات من القرن العشرين في بيروت، وتم منحه لقب “عبقري الأدب العربي” في عام 2001م، واعتمدت الأكاديمية العربية في دمشق كتابه “موسم الهجرة الى الشمال” على أنه “الرواية العربية الأفضل في القرن العشرين.
وروايته “عرس الزين” حولت الى دراما في ليبيا ولفيلم سينمائي من إخراج المخرج الكويتي خالد صديق في أواخر السبعينات حيث فاز في مهرجان كان. في مجال الصحافة. كتب الطيب صالح خلال عشرة أعوام عموداً أسبوعياً في صحيفة لندنية تصدر بالعربية تحت اسم “المجلة”. خلال عمله في هيئة الإذاعة البريطانية تطرق الطيب صالح الى مواضيع أدبية متنوعة.
وتقول موسوعة “وكيبيديا” إن كتابته تتطرق بصورة عامة الى السياسة، وإلى مواضيع أخرى متعلقة بالاستعمار، الجنس والمجتمع العربي. في أعقاب سكنه لسنوات طويلة في بريطانيا فإن كتابته تتطرق الى الاختلافات بين الحضارتين الغربية والشرقية.
والطيب صالح معروف كأحد اشهر الكتاب في يومنا هذا، بحسب المصدر، لا سيما بسبب قصصه القصيرة، التي تقف في صف واحد مع جبران خليل جبران، طه حسين ونجيب محفوظ.
موسم الهجرة الى الشمال: رواية كتبها الطيب صالح ونشرت في البداية في مجلة حوار في سبتمبر عام 1966. ثم نشرت بعد ذلك في كتاب مستقل عن دار العودة في بيروت في نفس العام. في هذه الرواية يزور مصطفى سعيد، وهو طالب عربي، الغرب، مصطفى يصل من الجنوب، من افريقيا، بعيداً عن الثقافة الغربية الى الغرب بصفة طالب. يحصل على وطيفة كمحاضر في احدى الجامعات البريطانية ويتبنى قيم المجتمع البريطاني. هناك يتعرف الى زوجته، جين موريس، وهي امرأة بريطانية ترفض قبول الاءات زوجها. بعد سبعة اعوام يعود مصطفى الى بلاده، حيث يلتقي هناك بصورة مفاجئة براوي القصة الذي عاش ايضا في بريطانيا. القصة نفسها تروى عن طريق قصص يرويها الراوي والبطل.
اختيرت رواية موسم الهجرة الى الشمال كواحدة من افضل مائة رواية في القرن العشرين وذلك على مستوى العالم. ونالت استحساناً وقبولاً عالمياً وحولت الى فلم سينمائي. اجمالاً تتناول الرواية في مضمونها مسألة العلاقة بين الشرق والغرب.
ضو البيت (بندر شاه): احدوثة عن كون الأب ضحية لأبيه وابنه.
دومة ود حامد: ويتناول فيها مشكلة الفقر وسوء التعاطي معه من قبل الفقراء أنفسهم من جهة، واستغلال الاقطاعيين الذين لا يهمهم سوى زيادة اموالهم دون رحمة من جهة أخرى.
وعارض صالح حكومة الانقاذ الوطني، وفي مقال كتبه تحت العنوان “من أين أتى هؤلاء؟”، حيث اكتسبت عبارته هذه شهرة تضاهي شهرة رواياته، آخذ صالح الانقلاب برئاسة الرئيس عمر البشير، ولكنه عاد في أخريات ايامه بعد قطيعة طويلة، متراجعاً عن معارضته تلك، ووصل الرئيس البشير في اكثر في عدد من المقابلات الصحافية والتلفزيونية بأنه “ود بلد”، العبارة التي يعبر بها عن ثناء عظيم في السودان.

الطيب صالح.. مزج الشرق والغرب روائيا وأعاد رسم خارطة الرواية العربية
رحل فجر أمس فبي العاصمة البريطانية الكاتب والروائي السوداني والعربي الكبير الطيب صالح عن ثمانين عاماً بعد تدهورت صحته في الأيام الأخيرة.
وقال حسن تاج السر، أحد الأصدقاء المقربين للأديب الراحل الطيب صالح، لـ«الشرق الأوسط» إن الطيب صالح أصيب في الفترة الأخيرة بفشل كلوي اضطره إلى إجراء عمليات غسيل كلى ثلاث مرات في الأسبوع، مما استدعى أصدقاءه للبحث عن متبرع لإجراء عملية زراعة كلى. وبالفعل تبرع شاب سوداني بكليته للطيب، وبدأت الاستعدادات لإجراء العملية الجراحية لزراعة الكلى في أحد مستشفيات دبي، ولكن حدثت تعقيدات في حالته المرضية أدت إلى تأجيل العملية، إذ اكتشف الأطباء عند الإعداد لتلك العملية أنه يعاني من ضيق في الشرايين ويحتاج إلى دعامة، وبالفعل أجريت له عملية الدعامة، التي لم تسمح بإجراء عملية زراعة الكلى.
وأضاف تاج السر أن حالة الطيب صالح الصحية تردت بصورة سريعة، إذ أصيب قبل بضعة أشهر بجلطة في القلب ثم انتقلت إلى المخ، مما جعله يمكث لفترة طويلة في العناية المكثفة بمستشفى برومتون في وسط لندن، ثم نقل إلى مستشفى في ويمبلدون بالقرب من منزله بجنوب غرب لندن إلى أن توفاه الله فجر أمس.
وقال محمد حسين زروق نائب رئيس البعثة السودانية في لندن لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس السوداني عمر البشير ونائبه علي عثمان محمد طه وكبار المسؤولين في الدولة والسفارة السودانية في لندن كانوا يتابعون إجراءات علاج الأديب السوداني الراحل، ويستفسرون عن حالته الصحية للاطمئنان عليه طوال فترة علاجه في المستشفى.
وأوضح زروق أن السفارة السودانية في لندن فور سماعها خبر وفاة الطيب صالح، وبعد التشاور مع أهل الفقيد، تكفلت بكل إجراءات نقل الجثمان من لندن إلى الخرطوم، إذ قررت الأسرة دفنه في مقابر البكري بأم درمان، ومن المتوقع وصول الجثمان إلى الخرطوم فجر الجمعة، حيث يتقبل العزاء فيه بمنزل شقيقه بشير صالح في مدينة النيل بأم درمان. وقررت السفارة السودانية في لندن عقد مجلس عزاء وفتح سجل للتعازي، حيث تقبل العزاء في الفقيد عمر صديق السفير السوداني وبشير صالح شقيق الراحل، الذي جاء قادماً من البحرين لمرافقة الجثمان إلى السودان وأسرة الفقيد وصديق الفقيد محمود عثمان صالح مساء أمس في مقر السفارة السودانية في لندن.
ولد «الطيب محمد صالح» ، وهذا هو اسم بالكامل عام 1929، في بلدة « كرمكول» على ضفاف نهر النيل تتبع لمنطقة «الدبة» في شمال السودان ، عند منحني نهر النيل، في ما يعرف بديار«الكابية». في طفولته درس بالخلوة لحفظ القرآن الكريم ، وحين بلغ الثامنة انتظم في المدرسة الأولية، درس المدرسة الابتدائية بمدينة بور تسودان الميناء البحري السوداني على البحر الأحمر شرق البلاد. درس صالح الثانوية بمدرسة وادي سيدنا الثانوية في مدينة أم درمان . قبل بكلية الخرطوم الجامعية ابا الاستعمار الانجليزي، الذي تحول فيما بعد إلى «جامعة الخرطوم» ، وبالرغم من تميزه في العلوم إلا أن ميوله الأدبية كانت تدفعه لكلية الآداب. ولم يجد استجابة لنقله لكلية الآداب، ترك الدراسة الجامعية إلي مهنة التدريس.ع مل الرائي السوداني الراحل مدرساً بالمدرسة الأهلية الوسطي بمدينة رفاعة.أغترب إلي لندن في عام 1952 حيث عمل بالقسم العربي في الإذاعة البريطانية وترقي في فترات وجيزة حتى تسنم وظيفة رئيس قسم الدراما.
ثم عمل صالح خبيراً بالإذاعة السودانية 1967. وعمل مستشاراً بهيئة اليونسكو بباريس، ثم مقيماً لليونسكو بالدوحة وعمان لمنطقة الخليج، ثم عمل وكيلاً لوزارة الإعلام، لدولة قطر في السبعينات من القرن الماضي.
وفاة الاديب السوداني الكبير الطيب صالح في لندن: صاحب رائعة ‘موسم الهجرة الى الشمال’ يرحل جنوبا
لندن ‘القدس العربي’: ريادية الطيب صالح (1929 ـ 2009) الكاتب والاديب السوداني في حقل الرواية العربية مجمع عليها. فهو الكاتب الذي اكد موقعه في سجل الخلود العربي والعالمي عبر رائعته ‘موسم الهجرة للشمال’ (1966)، الرواية التي ظهرت مثل القنبلة في ستينات القرن الماضي وكأنها عصارة كل العصارات، مساحة للتفكر والتفكير ونهاية لعصر كتب فيه الرجل العربي علاقته مع الغرب وانتهت شهوته بالمواجهة بعنف ارتكبه بطله مصطفى سعيد، وظلت الرواية مع مرور قرب نصف قرن على صدورها نصا مفتوحا على كل البدايات والنهايات، فهي في رؤية منها رحلة معاكسة لبطل جوزيف كونراد ‘قلب الظلمات’ وهي في اطار منها صورة عن رواية المقاومة والتمرد على الغرب وهي نص ما بعد كولونيالي.
لكن الرواية جعلت من الطيب صالح الصوت المهم في جيل ما بعد المداميك التي رصفها نجيب محفوظ للرواية العربية واسسها كجنس ادبي مقبول ينافس الشعر بل احيانا يتجاوزه ويتفوق عليه. الطيب صالح اكد في روايته على بعد الغموض الخلاق والضبابية الشفافة كما يرى حليم بركات وهو ما يصنع الرواية وجاذبيتها لدى القارئ العربي والعالمي حيث ترجمت اعماله الى 34 لغة عالمية.
وأهمية الطيب صالح الذي رحل عن عالمنا صباح امس انه عبر عن تجليات الثقافة السودانية وقيمها والتقاليد القروية، خاصة قرية ود حامد التي تحاول الصمود امام التقدم والتغيير. وفي كل اعماله ‘عرس الزين’ و’بندر شاه’ التي يخلط فيها صالح بين العربية المعاصرة الفصيحة واللهجة السودانية ظل حريصا على تأكيد ولائه لثقافته السودانية الشمالية والوان الحياة فيها، وكان قادرا على استيعابها واستعادتها في اكثر من اطار وطريقة، فهو وان عرف لدى القارئ العربي بروايته ‘موسم الهجرة’ الا انه كان كاتبا للقصة القصيرة فمجموعته القصصية ‘دومة ود حامد’ صدرت عام 1960.
ولكن ريادية الطيب صالح توقفت عند روايته الاولى او رواياته الاولى التي لم يقدم بعدها جديدا، ذلك انه قدم للرواية العربية معلما من معالمها وشخصيتها الاشكالية مصطفى سعيد التي عاشت الى جانب شخصيات الرواية العربية مثل احمد عبدالجواد وسعيد مهران ابني نجيب محفوظ. وفي سنواته الاخيرة انخرط صالح في كتابة المقالة الادبية التي ابدع فيها واظهر اهتمامه وثقافته المتجذرة في الثقافة العربية الكلاسيكية وحبه للمتنبي والشنفرى وشعراء الصعلكة. وكتب في زاوية اسبوعية في مجلة عربية عن مشاهداته في العالم ورحلاته التي غطت اقاليم العالم العربي والآسيوي، وقبل عامين صدرت في مجموعة من ستة اجزاء تقدم رؤى الكاتب ومواقفه من الاماكن والمدن والشخصيات. وتذكرنا المقالات في بعدها بالطيب الصالح المثقف العارف بثقافته العربية والمطلع على الثقافة، الغربية ففيها حاول بطله السباحة ضد تيار النيل في تدفقه ورحلته عبر السنين. في مقالاته ومساجلاته الادبية كان الطيب صالح قادرا على استحضار اللحظة السودانية بتنوعها والقها وقصصها وحكاياتها فهو في احيان كان يشبه عبدالله الطيب في كلاسيكيته واقترابه من القديم، وكان قريبا احيانا من محمد سعيد العباسي الشاعر الفرح المرح المحب للحياة والقريب من مدرسة التجديد الكلاسيكية، وفي احيان اخرى كان يقترب في معرفته بالعالم من الدبلوماسي والمثقف المبرز جمال محمد احمد وكلها اسماء سودانية صنعت زمنا جميلا في الثقافة العربية. كان الطيب صالح في نزوعه نحو العالم وانحيازه لانفتاح النص على العالم في القلب سودانيا وكم كنا نتمنى لو كتب كثيرا عن هذا السودان الذي كان صديقه الشاعر المبرز صلاح احمد ابراهيم يصارع في تعريفه وجدل صورته. لكن الطيب صالح لم يبخل علينا في فتح ‘الحقيبة’ السودانية واستكشاف اجوائها الغنائية. لكن الملمح الاخر والذي يجب ان لا يغطي على هوسنا في تأكيد عالمية الطيب الصالح كروائي هي تلك النزعة الصوفية والتيار الصوفي الذي يغلف كتاباته والتي جاءت نتاجا لعلاقة السودان بالصوفية وطرقها وشعائرها التي لا تزال بارزة في التدين عند السودانيين في الداخل والخارج. في كتاب صدر بعد صدور روايته بقليل وصفت نخبة من الكتاب العرب صالح بانه عبقري الرواية العربية وموسم الهجرة للشمال كانت مشروعا ناجزا لهذه العبقرية ولانها مشروع مكتمل ظل القارئ العربي وعلى وهم ينتظر عملا اخر على نفس السيرة والاطار ولكن الاعمال الناجزة تظهر مرة واحدة وما يكتبه الكاتب هو في النهاية يظل على حوافها، وربما كانت قصة الطيب صالح هي رحلة رائعة في اطار مشروعه الكبير. مع انه مشروع كبير الا ان روايته منعت في بلده السودان نظرا لمشاهدها الجنسية وظلت ممنوعة في عدد من الدول العربية فيما كانت جامعة بيرزيت اول جامعة عربية تقرها على الطلاب. ولد كاتبنا في قرية كرمكول شمالي السودان عام 1929 ثم انتقل الى الخرطوم حيث التحق بالجامعة التي لم يتم دراسته فيها. غادر السودان الى بريطانيا عام 1952، وعمل في القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) حيث شغل منصب مدير قسم الدراما. عمل ايضا في وزارة الاعلام القطرية في الدوحة ثم تولى منصبا في مقر اليونيسكو في باريس. كان يعاني منذ فترة من فشل كلوي ودخل غيبوبة قبل وفاته. تزوج من سيدة انكليزية وله منها ثلاث بنات.
بغداد
كتب الطيب صالح في شؤون أدبية عديدة من بينها: أدب الرحلة. هنا لقطة رحلية له عن بغداد:
حين قدمت على بغداد كانوا قد عينوا عبدالحسين زويلف لتوهم مديراً لجهاز تعليم الكبار ومكافحة الأمية. كنت فرحاً بتلك الرحلة، أن مكتب اليونسكو الإقليمي في عمان، الذي يرأسه الدكتور محمد إبراهيم كاظم، قد جنّدني في هذه المعركة. أن أكون أمياً بين الأميين، يا له من شرف عظيم. وقد اتضح لي بالفعل خلال هذه الرحلة، كم أنا جاهل. زرت سبع دول عربية، من العراق إلى المغرب، وفي كل بلد كنت أكتشف أشياء جديدة. لقد طوفت هذا العالم المتنوع الجميل عدة مرّات من قبل، وظننت أني أعرفه، ولكنني اكتشفت هذه المرة، أنني لم أعرفه حقاً لأنني لم أنظر إليه من قبل، من هذه الزاوية، زاوية الأميين. أكثر من مئة مليون أمي في العالم العربي! معنى ذلك أنك لن تستطيع أن تصنع تنمية، ولا أن تقيم حاضراً ولا مستقبلاً. لن تستطيع أن تحقق شيئاً من هذه الأحلام الجميلة التي تعنّ لهؤلاء الناس الأكابر. وإذا صدّقنا شعار منظمة اليونسكو، وهو حق (بما أن الحرب تنشأ في عقول البشر، فلا بد من إقامة حصون السلام في عقول البشر) فمعنى ذلك أنك لن تستطيع إقامة أي من هذه الحصون، إلا إذا فتحت كل هذه العيون المغمضة.
كانت بغداد جميلة كعهدها، بل كانت أجمل. كان سوق (المربد) عامراً وتبارى الخطباء والشعراء وألقى محمد الفيتوري قصيدته العصماء (لم يتركوا لك ما تقول). تنفس الناس الصعداء، ودفنوا موتاهم وجففوا دموعهم. الحزن دائماً قريب من السطح في طبع العراقيين الأريحي، ولكنهم تناسوه وأخذوا ينظرون إلى المستقبل بثقة من قاوم وصمد، ودفع الثمن. ينظر حوله ويرى ماذا تهدم وماذا ظل واقفاً. ماذا ضاع وماذا بقي. وكان من بين ما تهدم جهاز مكافحة الأميّة.
توقفت الحملة خلال سنوات الحرب، وبدأت الأميّة تزحف من جديد، حتى وصلت الآن إلى 15% من عدد السكان حسب تقديراتنا. إلا أن عبدالحسين زويلف كان واثقاً أنهم يستطيعون القضاء عليها بسهولة، وقد صدقته، فقد كانت وراءهم تجربة عظيمة، والحملة التي قاموا بها، أصبحت مضرب المثل في المجتمع الدولي.
استقبلني بابتسامته الودود ووجهه الطيب، ورافقني طوال إقامتي، وكان سعيداً متفائلاً. لا غرو فقد خاض المعركة من قبل، مساعداً لطه يس إسماعيل، الذي كان رئيساً للجهاز التنفيذي. استمرت الحملة سبع سنوات منذ عام 78. لاحقوا الأميين في كل مكان، في الأهواز حيث يعيش الناس في جزر في الماء في مضارب البدو. في قرى السواد بين النهرين. قضوا على الأمية قضاء تاماً. وكما تتحول أحداث الحروب إلى أساطير، تحولت تفاصيل حملة مكافحة الأميّة، إلى أسطورة مثيرة في خيال عبدالحسين زويلف. قصدت الكويت بعد بغداد، وهنالك لقيت عبدالعزيز النجدي، مدير جهاز تعليم الكبار ومكافحة الأمية في وزارة التربية. رجل آخر من هؤلاء الرجال الصالحين. مثل أخيه في بغداد تماماً. كأنه هو. وقد اكتشفت خلال تلك الرحلة أن كل الرجال والنساء العاملين في ميدان مكافحة الأمية في العالم العربي، هم من طينة واحدة. الطيبة ودماثة الخلق وحب الخير والإيمان العميق بقيمة الإنسان.
بعض المهن والحرف تفعل هذا الأثر في أصحابها. الأطباء، على وجوههم شيء ما، كأنهم يعرفون سراً لا يعرفه بقية الناس، ربما لكثرة ما رأوا من تقلبات الحياة والموت. وهؤلاء يرون معجزات تحدث أمام أعينهم يوماً بعد يوم، هذه الكتل البشرية البكماء، مثل الحجارة قبل أن تصنع منها التماثيل، فجأة تنطق وترى. الرجل في السبعين، والمرأة في الستين، بعد أمد من الظلام، تنحلّ لهم الرموز، وتنفكّ ألغاز الحروف. ك.. ت.. ب.. /كتب/ ع.. ر.. ف.. /عرف/.
نظرت مع عبدالعزيز النجدي في فصول محو الأمية إلى وجوه الأميين، رجالاً ونساء، فجأة تشعّ بالحياة حين يقرأون ويكتبون، ترى على وجوههم فرحاً مشوباً بالدهشة، كمن يخرج دفعة واحدة من الظلام إلى النور. ما الذي جاء بهذا الرجل الطاعن في السن؟ وهذه المرأة ماذا يجديها أن تتعلم الآن؟ إنها تلك الرغبة المتأصلة في الإنسان أن يعرف ويدرك ويتواصل بطريقة أفضل مع الآخرين، إلا أن معظم الناس الذين يقبلون على فصول محو الأمية تحدوهم أيضاً رغبات مُلحّة لتحسين أوضاعهم المعيشية.
وجدت في الكويت جهازاً ضخماً لمكافحة الأمية، وهو أحسن جهاز رأيته في البلاد التي زرتها. كان معدّاً إعداداً عالياً، وفيه كفاءات ممتازة في ميادين البحوث التربوية والبحوث المتعلقة بمكافحة الأمية، من الكويتيين وغيرهم.
تركت الكويت قاصداً صنعاء، وقد حرمني ضيق الوقت أن أعرّج على دار كريمة وأسلّم على ساكنها الكريم، الأستاذ عبدالعزيز حسين. كان رئيسنا طوال أربع سنوات في لجنة التخطيط الشامل للثقافة العربية التي كونتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بدعم مالي من دولة الكويت. اجتمعنا في الكويت وفي تونس وفي صنعاء. وكنا نزداد مع مرور الأيام تقديراً وحباً لرئيسنا الفاضل. كانت زمرة طيبة من بلاد عربية شتى وحين انصرفت الأعوام وفرغنا من عملنا، شعرنا بحزن عظيم، فقد طابت لنا الصحبة، وطاب لنا العمل برئاسة ذلك الإنسان الفذ. ومهما يكن فإن تقرير اللجنة، وهو من عدة مجلدات، وقد ترجم إلى الإنكليزية والفرنسية، سوف يظل أثراً جليلاً في ميدان العمل الثقافي العربي، ومأثرة لا تنسى لدولة الكويت.
غذّت بي الطائرة نحو صنعاء. هنالك سوف ألقى محمد المضواحي، سوف يكون مثل صاحبيه العراقي والكويتي. وسوف أجد صديقي عبدالعزيز المقالح. وسوف أزور (حجة) وأرى العيون اليمانية تضيء بالذكاء من ثنايا البراقع. في العالم العربي عالم الأميين، على الأقل، عالم واحد.
بطـاقــة
بعد ثمانين عاماً على ولادته في المديرية الشمالية في السودان في العام 1929، رحل الطيّب صالح بعد أعوام مديدة أمضاها في العملين الأدبي والصحافي. متحدّر من قبيلتي البديرية والركابية، تلقّى الطيّب محمد صالح أحمد (اسمه الكامل) مبادئ القراءة والكتابة في «الخلوة» (أي الكُتّاب)، التي أشرف عليها، حينها، علي ود حاج الماحي، أحد أجداده، وكان يُطلق عليه تمييزاً «الفكي» (أي الفقيه). عاش طفولة عادية، كتلك التي يعيشها أقرانه الصبية في قريته: رعاية الغنم، جمع التمر والزرع في الحقل. انتقل إلى بورت سودان لتلقّي دروس المرحلة المتوسّطة في مدرسة بربر، حيث تعلّم اللغة الإنكليزية، والتحق بعدها بمدرسة وادي سيدنا في أم درمان، حيث توجد مدرسة ثانوية واحدة معروفة باسم كلية غوردون، التي تحوّلت إلى جامعة الخرطوم، لاحقاً.
في نهاية الأربعينيات المنصرمة، رفض أهله السماح له بالسفر إلى لندن لإتمام دراسته الجامعية في كمبردج أو أوكسفورد، فانتسب إلى كلية الخرطوم الجامعية خلال العامين 1949 و1950. استهوته دراسة الزراعة (لأن المتخرّج من كلية الزراعة يُعيّن في وظيفة مفتش زراعي، وهي وظيفة محترمة. لكنه لم يُكمل دراسته الجامعية تلك، لانصرافه إلى العمل مدرّساً في المرحلة الوسطى (الإعدادية) في مدرسة الشيخ لطفي في رفاعة (وسط السودان)، وانتقل منها إلى معهد بخت الرضا، حيث أمضى نحو خمسة أشهر، قبل سفره (أخيراً) إلى لندن في العام 1953، حيث عمل في «هيئة الإذاعة البريطانية» أعواماً طويلة، قبل أن يتركها في العام 1974 متوجّهاً إلى قطر، للعمل مديراً لوزارة الإعلام خلفاً لمحمود الشريف، الذي أصبح رئيساً لتحرير الصحيفة الأردنية اليومية «الدستور». في قطر، أمضى الطيّب صالح سبعة أعوام، سافر خلالها إلى الهند وتايلندا وأوستراليا واليابان ودول أوروبية، ثم استقال من وظيفته هذه للالتحاق بمنظّمة «الأونيسكو».
زار بيروت، للمرّة الأولى، في العام 1958، عندما كان لا يزال عاملاً في «هيئة الإذاعة البريطانية»، فتعرّف إلى يوسف الخال وأدونيس، وكان لبيروت تأثير واضح على مسيرته الأدبية. أقام في لبنان فترة طويلة، تعرّف خلالها إلى كتّاب وفنانين لبنانيين عديدين، وهو يعتبر أن شهرته في العالم العربي انطلقت من بيروت التي أحبّها وأحبّ ناسها وطبيعتها، وتجوّل كثيراً في شوارعها، وكاد يموت فيها. ربطته صداقة بمحمد أحمد محجوب، أحد أقطاب حزب الأمة الإسلامي. واقتُرح عليه، بعد عودته إلى السودان، أن يتبوّأ منصب مدير الإذاعة، لارتباطه بـ«هيئة الإذاعة البريطانية»، لكنه قبل منصب مستشار.
ألّف روايات قليلة، عرف بعضها شهرة واسعة: «دومة ود حامد» و«عرس الزين» (1964) و«موسم الهجرة إلى الشمال» (نشرتها، أولاً، مجلة «حوار» في العام 1966) و«نخلة على الجدول» و«بندر شاه» بجزءين: «ضوء البيت» (1971) و«مريود» (1977). تُرجمت رواياته إل اللغة الإنكليزية، وأصدرت «دار العودة» في بيروت كتاباً عن سيرته الذاتية بعنوان «الطيّب صالح، عبقري الرواية العربية المعاصرة». فاز بجوائز متفرّقة، منها «جائزة ملتقى القاهرة الثالث للإبداع الروائي المصري» في العام .2005

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى