في نقد السياسة العربية
مازن كم الماز
– إن سيطرة الفردية و المافيوية الديكتاتورية على ما يسمى بالسياسة في عالمنا يؤدي بالضرورة إلى سيطرة الغموض و التكهنات على ما يسمى بالتحليل السياسي و يترك المجال مفتوحا أمام ممارسة الصراخ السياسي لصالح هذا النظام أو ذاك , هذه القوة أو تلك , كشكل وحيد “لممارسة السياسة” . لا يمكن الجزم بأي شيء في عالم الأنظمة العربية حيث تقوم العائلة , الحاشية , الطغمة , بممارسة السياسة بمنطق يماثل منطق عصابات المافيا , وسط غموض يفرضه حقيقة أن المركز الحقيقي للسلطة , للنظام , يعمل بعيدا عن الأنظار , و أنه يخضع لشبكة مافيوية من التعاون و التنافس المتبدلين بين أقطابه , أعضاء الأسرة , الحاشية , قادة أجهزة الأمن “حماة النظام الفعليين” , و من خلف كل ذلك : الخارج الإمبريالي . هكذا لا يمكن لأحد القطع بقضية كالانقلاب المنسوب للأمير بندر بن سلطان أو حقيقة موقف أجنحة النظام المصري من توريث جمال مبارك , و لا حتى حقيقة موقف والده الشخصي من توريث ابنه , أو حقيقة التسويات التي تتقدم و تتراجع فيما يتعلق بتشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة سواء محليا أو إقليميا أو مع القوى العالمية المسيطرة , أو حقيقة العلاقات بين النظامين السوري و العراقي أو الميكانيزمات الداخلية التي تتحكم بهذه العلاقة خاصة المصالح الخاصة بأجنحة النظام العراقي و الصراع الداخلي بينها أو قراءة أقطاب النظام السوري لهذه العلاقة في جدل الصراع و المساومة مع النظام الرأسمالي العالمي……
• أي مصالحة يفترض أن تكون تعبيرا عن الإرادة الحسنة بين المتصالحين و الأكثر أن تكون طوعية , لكن السلطة التي تسمي نفسها سلطة وطنية فلسطينية تستخدم قضية المصالحة لابتزاز خصومها , إنها تريد شيئا واحدا فقط , إما عن طريق المصالحة و إذا لم تحصل عليه عن طريق المصالحة فإنها ستسعى ورائه عن طريق ما تسميه بالانتخابات . هنا يجب التوقف عند موضوعة الممثل الشرعي و حتى الوحيد للشعب الفلسطيني , يفترض بالناس أن يملكوا وسيلة و لو لمجرد التأثير في قرارات هذا الذي يمثلهم , بينما استندت قيادة المنظمة التي تحولت فيما بعد إلى جهاز بيروقراطي ضخم و متشعب يتصرف بأموال لا بأس بها بعيدا عن أعين الناس . كما كان الوضع في الاتحاد السوفيتي و كما كان في الأنظمة القومجية , كانت البيروقراطية تراقب نفسها بنفسها . بينما استندت شرعية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني على شرعية ثورجية في بداية الأمر تماما كما كانت شرعية الأنظمة القومجية أول الأمر , ثم على شرعية مستمدة من المفاهيم السائدة للعولمة النيو ليبرالية تتعلق بالحكم الرشيد و أشكال مقننة و مختزلة بعناية من انتخابات تمثيلية بالتوازي مع اشتراطات الحرب على الإرهاب . القضية أن فلسطين ليست ملكا لحماس , هذا صحيح , لكن الصحيح على نفس الدرجة أيضا , أنها ليست ملكا لياسر عبد ربه و لا لأبو مازن , نقطة الخلاف مع وجهة نظر الليبراليين الجدد و السلطة الوطنية الفلسطينية و التي تعود إلى فرضية السادات القائلة بأن 99 % من أوراق اللعبة هي بيد أمريكا و ضرورة التصرف على هذا الأساس , المطلوب هو أن يكون 100 % من أوراق اللعبة بيد الشعب الفلسطيني نفسه , و لا بأس بأن تشاركه بقية شعوب الشرق , بما فيها العمال اليهود , بصفتهم بشر يبحثون عن عالم أفضل لهم و لغيرهم من المقهورين , لا كجنود احتياط في جيش الدفاع الإسرائيلي باحثين عن هيكل مزعوم !!
• الانتخابات في المجتمعات الشرقية تجري إما على طريقة حامد كرازاي , أي أن يتعين على الأفغان المساكين أن يختاروا بين كارازاي و بين أحد كبار موظفي حكومته سابقا المدعو عبد الله عبد الله , هذا يشبه بالنسبة للسوريين مثلا أن يذهبوا إلى انتخابات “يختاروا” فيها بين بشار الأسد و بين رفعت الأسد أو عبد الحليم خدام , بل ليكون المثال أكثر دقة , بين بشار الأسد و بين نائبه فاروق الشرع , أو أن يختار المصريون بين حسني مبارك و ابنه جمال مبارك في “انتخابات حرة تماما” ( أرجو أن تتوقفوا عن الابتسام , فحتى مثل هذه الانتخابات قد تصبح جدية جدا , انظروا كيف يتزاحم كارازاي و عبد الله عبد الله على كرسي الحكم في كابول , بل انظروا إلى نتائج الانتخابات الإيرانية بين اثنين من الأبناء الشرعيين لبيروقراطية دولة المؤسسة الدينية في طهران ) , أو على الطريقة اللبنانية – العراقية , عندما يطلب من الفقراء ( أو لنقل المهمشين على الأقل ) الموارنة و الشيعة و السنة أن يختاروا بين رجل دين شيعي و ماروني و سني , أو بين رجال “سياسة” و “مال” مدعومين من رجال الدين أولئك أو حتى يمثلونهم . الانتخابات الفلسطينية ما هي إلا نسخة عن الحياة السياسية و التنظيمية الفلسطينية حيث المال يحدد كل شيء , بشكل يتطابق على نحو فج مع تلك الانتخابات في الدول الغربية “الديمقراطية” , حيث المال يحدد كل شيء وراء الابتسامات المهذبة و الملابس الباهظة و الحديث الراقي العقلاني للسياسيين و الإعلاميين و المحللين و المنظرين . في ظل سطوة المال على كل شيء , يبقى التحدي الوحيد الذي يواجه ما تعودنا على تسميته بالبديل , أو حتى الأكثرية الساحقة من المجتمع التي تتألف من كل المهمشين سياسيا و فكريا و اجتماعيا لكي تقول كلمتها في ما يجري أن تشكل مؤسسات قادرة ماليا و إعلاميا مثل مؤسسات الطبقة السائدة لتكون منافسا معقولا لمؤسسات الطبقة السائدة , شغلة بسيطة وفق الليبراليين الجدد !
• استمع الكثيرون لعلي عبد الله صالح الرئيس اليمني و هو يصف الخارجين على نظامه بالمرتدين عن الإسلام , و قبله بأيام كان النظام التونسي , الذي طالما تلذذ من أيام بورقيبة بالتلاعب بالنص المقدس و سدنته , أعلن أنه قد ألغى طقس الحج هذا العام . البعض , ممن يسمي نفسه علمانيا , يصفق لاستبدال الحقيقة المطلقة “المقدسة” للمؤسسة الدينية ب”الحقيقة المطلقة” لبيروقراطية الدولة , أنا أعتقد أن المطلوب أن يحدد الناس نسخهم الخاصة من “الحقيقة” “غير المقدسة و غير المطلقة” في نقاش حر لا تستطيع فيه مؤسسة ما أن تفرض عليهم “مقدسها” الخاص…..
خاص – صفحات سورية –