حدود التفاوض
ساطع نور الدين
ما زال السؤال موجها نحو الدوحة: ما هي المساحة التي تتحرك فيها المبادرة القطرية؟ وما هو الحد الاقصى الذي ستقدمه سوريا وايران الى ذلك الوسيط الموثوق منهما، وربما ايضا الوسيط الاخير الذي تستطيعان الاعتماد عليه في غياب قناة الاتصال المباشر مع اميركا؟ وما هو الحد الادنى الذي يمكن ان تقدمه السعودية ومصر الى تلك الدولة الخليجية الصغيرة، التي انتزعت منهما دورا لا يمكن دفعه حتى النهاية او التسليم به في حدود الوساطة بين الكبار ؟
تلك هي الحلقة المفرغة التي تدور فيها المفاوضات بين المتحاورين ـ المتحاربين اللبنانيين، الذين ينطلقون من حقيقة ثابتة هي ان الذهاب الى قطر بالتحديد املاه الخلل الاخير في موازين القوى الداخلية، نتيجة العملية الامنية التي نفذها حزب الله وحلفاؤه في بيروت في السابع من ايار الحالي، لكن العودة من قطر لن تعبر عن ذلك الخلل من دون تشجيع او حتى تفويض خارجي واضح وصريح.. يقود الى التسوية التي ينشدها الجميع ويخشونها ايضا.
الاتصالات التي اجرتها دمشق وطهران في الايام القليلة الماضية مباشرة مع الوسيط القطري ، والتي عبرت عن الدعم المطلق لدوره ، توحي بالحرج الايراني ازاء ما جرى في بيروت في ذلك اليوم المشؤوم، وبالقلق السوري من تداعياته البعيدة المدى وتنبىء بان المعارضة لن تستطيع استثمار نصره الامني على طاولة التفاوض .. الا في حدود الدفاع عن سلاحها الذي توسع انتشاره الى الحدود التي بلغها السلاح الفلسطيني في مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
لكن ما أخذ بالقوة من قبل المعارضة يمكن ان يتعدى اخراج السلاح من المفاوضات، ويتناول تركيبة السلطة في الاشهر القليلة المقبلة، شاء حزب الله أم أبى، وذلك استنادا الى حقيقة ان حلفاءه في الداخل والخارج كانوا ينتظرون مثل هذه الفرصة الذهبية لتعزيز مواقعهم السياسية وفرض جدول اعمالهم الخاص، الذي يتخطى حاجة المقاومة في الجنوب. وفي هذه الحالة لا يمكن للوسيط القطري ان يظل محايدا ، ولا يمكن ان يبقى متكتما.
اما على الجهة المقابلة ، فان اطرف المواقف هي تلك التي عبر عنها اكثر من مرة الرئيس الاميركي جورج بوش عندما قال ان حزب الله فقد مصداقيته عندما وجه سلاحه الى الشعب اللبناني بدلا من ان يبقيه موجها نحو اسرائيل.. هكذا بالحرف، توجه الادارة الاميركية طعنة جديدة الى الموالاة التي لا يمكنها الا ان تضع هذا التصريح في سياق واحد مع قرار واشنطن الاخرق بإرسال المدمرة «كول» الى السواحل اللبنانية.. للاسراع في اجلاء الموالين من لبنان!
لكن ذلك الموقف لا يعني ان الجبهة الخارجية الداعمة للموالاة قد تهاوت، او انتهت: ثمة الكثير من اوراق التفاوض التي لم تستخدم حتى الان، لا مع المعارضة اللبنانية ولا مع حلفائها السوريين والايرانيين الذين يدركون جيدا انها مجرد جولة اولى من المفاوضات مع الرياض والقاهرة وواشنطن.
السفير