عن أسطورة لوركا
اسكندر حبش
انشغلت العديد من الصحف الأوروبية (التي تسنّى لي الاطلاع عليها على الويب) في الأسابيع الماضية، بالخبر الآتي من إسبانيا: موافقة ورثة الشاعر الإسباني الكبير فديريكو غارسيا لوركا أخيرا على طلب الحكومة المحلية في «الأندلس» القيام بفحص الـ (AND) على ما تبقى من رفات الشاعر للتأكد مما إذا كان فعلا قد دفن مع من دفن ممن اعدموا خلال الحرب الأهلية. إذ ثمة نظريات كثيرة تترواح بين أن غارسيا لوركا قد قتل فعلا خلال عملية الإعدام، ودفن في حفرة مع آخرين، وبين نظريات أخرى تقول إن عائلته أخذت الجثة يومها لتدفنها في باحة منزله في غرناطة تحت شجرة جوز زرعت يوم مقتله، بينما نظرية ثالثة تؤكد أن الشاعر نجا من عملية القتل ليعيش – فاقدا الكثير من قواه العقلية والجسدية – في دير حتى وفاته الطبيعية العام 1954.
مهما ستكون عليه نتائج هذا التحقيق الذي سيعلن نهاية الشهر الحالي – والذي رضخ له الورثة بسبب قانون «واجب الذاكرة» الذي تمّ التصويت عليه في اسبانيا العام 2007، بعد طلب سليلة ذلك الأستاذ وذينك الاثنين من الفوضويين، الذين دفنوا مع الشاعر – إلا أن القصة التي شغلت الجميع منذ سنين عديدة، لا بدّ من أن تضعنا أمام مفارقات عدة، قد تغير الكثير من نظرتنا إلى الشاعر. فإذا كان لوركا قد نجا فعلا من القتل، فكم من النظريات عن استشهاده ستسقط، وتدخله في الحياة العادية اليومية، أي ستبعد عنه هذه البطولة التي تحكي عنه. وإذا تم دفنه في باحة منزله، فلا بد من أن نطرح السؤال حول لِمَ أخفت عائلة الشاعر الحقيقة لمدة تصل إلى ثلاثة أرباع القرن. هل بهذا المعنى رغبت العائلة في أن تستمر أسطورة لوركا إلى ما لا نهاية؟
أسئلة كثيرة لا نملك إلا الانتظار حتى يأتي الكشف عنها، لكن أمام ذلك، مهما يكن من أمر، لا بد من أن نقف إلى جاب الشاعر بمعنى أنه رغم تعدد الإجابات الممكنة، لا نستطيع أن ننسى الأهم: لقد اتخذ الدكتاتور القرار بإعدامه. فأن تعدم كاتبا، لا بدّ من أن تثير فيك العديد من المواقف الرافضة لهذا الأمر، أي لا تستطيع أن تكون مع الدكتاتورية ضد الشعر.
وحتى لو سقطت هذه «الأسطورة»، لا بد من أن تعلمنا القضية فكرة كبيرة: «واجب الذاكرة»، التي علينا أن نتصالح معها، وبخاصة في عالمنا العربي. ربما أكون أفضل ذلك على بيت لوركا نفسه الذي يكتبه في قصيدته «إحساس داخلي»، التي يقول فيها: «يرتدي الماضي درعه الحديدية ويسدّ أذنيه بقطن الريح/ أبدا لن نستطيع أن ننتزع منه أي سر».
السفير