صفحات الناس

حملة بردى تتطلب إستراتيجية بيئية

null
عمار ديوب
إن تاريخ دمشق مرتبط بتاريخ نهر بردى، وأن يمرَ نهرٌ في مدينةٍ فهو فخرٌ لها، هذا إن لم نقل أنه لا قيامةَ لها بدونه، أمّا أن يستمر في تواجده فيها، فهي مأساة له، هذا حال بردى مع دمشق. نعم لقد تحوّل النهر الخالد، الشاعري، الرقيق، العذب، محبوب الشعراء، ملتقى العشاق، إلى نهر المصارف الصحية وما فيها من أقذار، وإلى مكب للنفايات السامة للمعامل ومركز للأوساخٍ من كل حدب وصوب والنتيجة رائحة آسنة لا يطيقها أحد ولا يمكنَ إلا لِمصابٍ في إنسانيته أّلا يصرخ: أنقذونا فقد هلكنا، هلك نهرنا فمتنا..
فريق الرواد*، هو فريق رياضي يهتم بالمشي والطبيعة والأثار، ويحرص أشد الحرص على جماليات الطبيعة في الأماكن التي يسير أفراده فيها، ولدى هذا الفريق نشاطات سنوية متفرقة تخص البيئة، وقد أقام العام الماضي حملة تنظيف لجزء من نهر بردى، ولكنها لم تجدِ نفعاً، فقد عاد النهر لحالته السيئة، بل ربما عاد لحالة أسوأ مما كانت عليه، فانبرى الفريق لحملةٍ إعلامية قبل بدء حملة التنظيف في 16/10/2009 وهو بذلك يقوم بعملٍ هامٍ، يأتي ضمن أولويات أيّة جماعة تهتم بالبيئة، وإن كان الأمر يتطلب أكثر من ذلك، أقصد يتطلب فعلا مقاوما ضد كل التلوث الذي يحدث يومياً في بيئتنا، كما يحدث في كل أنحاء العالم، وهي الجريمة التي يدفع فقراء هذا العالم ثمنها موتاً وفقراً وبرداً..
على كل حال، شكلت الحملة الإعلامية التي أُطلقت في منتصف شهر أيلول حافزاً لمحافظة دمشق، فبدأت في تنظيف أجزاء من نهر بردى قبل أن يأتي يوم السادس عشر من شهر تشرين الأول، حيث سيشترك أفراد الفريق ومناصروهم وأصدقاؤهم وكل من تم التنسيق معه من منظمات وهيئات حكومية وغير حكومية بهذه الحملة، وسيكون بالتأكيد، ذلك اليوم يوما إحتفاليا، ولا سيما وإن قامت المحافظة على إنجاز أعمال هامة، على صعيد التنظيف، وقامت بما يجب عليها القيام به دائماً، والذي نشكرها عليه، وهي لم تكن بحاجة لحملةٍ إعلاميةٍ كي تتحرك.
المهم أن كل عملية تنظيف لجزء من النهر هي مكسب للنهر وللسكان وللسياحة وللبيئة وللعشاق، ولكل ما هو حي وأخضر ويتناسل، من الحيوان والنبات والشجر.
وباعتبار أن العمل جارٍ لتنظيف النهر في مقطع محدّدٍ منه، فإنّنا نحثّ الإعلام، الذي وجد مهمة قيّمة له أخيراً، والمواكب لحملة الفريق على توسيع عمله وتحقيقاته ومتابعاته الإعلامية لتشمل كل النهر، من مصبه، حتى آخر مكان يمكن أن تصل مياهه الغائرة إليه. وإذا تحقق لنا ذلك ووصلنا في سورية إلى نهرٍ واحدٍ نظيف على الأقل، وإذا ما تم منع مياه الصرف الصحي والنفايات والقاذورات من الوصول إليه، فإننا سنشهد بداية جيدة للإعلام وللمنظمات غير الحكومية وربما الحكومية، لدورها الفعال في إثارة قضايا بيئية واجتماعية هامة للبلد، وتتعلق بحياة الناس وأعمالهم المعتمدة على مياه هذا النهر، عدا عن الضرورة الكليّة للاستفادة منه في مياه الشرب، خاصة أن دمشق وريفها وغوطتها شبه الميتّة، تكاد تنام وتستيقظ على نفاذ المياه.
بردى مثل كل البيئة المحيطة بدمشق ومثل كل أنهار سورية، والتي يشبه مآلها مآل بردى بالضبط، وأحياناً أسوأ منه، تتطلب من الإعلام حملة مركّزة توجه الأنظار نحو مصائر تلك الأنهار وتحميل المسؤوليات، وتستدرج المتخصصين لتقديم مشاريع إعادة إحياء تلك الأنهار من أجل بيئة نظيفة، ويمكن لكل المنظمات الحكومية وغير الحكومية والمهتمين المشاركة في تحقيق تلك الغاية، وأن تكون البلديات التي تقوم بجباية الضرائب من الناس مسؤولة عن متابعة القضية، بالإضافة إلى مسؤولية مختلف هيئات الدولة، فالأنهار كما الينابيع هي بمثابة الشرايين والأوردة للدولة، فبدونها تموت، وبحضورها المعافى قد تستمر بالحياة. ومشكلة الموارد المائية إحدى أعقد مشكلات العالم الذي يُقاد إلى حتفه، فقط من أجل مصالح بضع شركات عولمية وأفراد نافذين لا يريدون تغيير مسار تدمير الطبيعة العالمية، ولن نتوسع فيما يحدث في العالم من انهيارات طبيعية قد تتحوّل بعد عشرين عاما إلى كوارث، تعد الفيضانات (التسونومات) المتكرّرة في أكثر من بلد، مجرد تمرين للطبيعة وإنذار للعالم على ما قد تفعله فيه، انتقاما من فساد العصابات (المافيات) العالمية المسيطرة على البشر والحجر..
وبالعودة إلى تنظيف أنهار سورية، أسأل: هل هذا ممكن؟ أقول، مع القائلين، نعم. هذا الموضوع سيواجَه بعقبات متنوعة المصادر وتحديدها صعب، فالجميع يشترك بموته المستقبلي، ولكن الجميع أيضاً يذهب نحو ذلك تحت رعاية أصحاب الأمر الواقع، فهل ما يزال بالإمكان تغييرِ ذلك المصير المحتوم؟ ولن أقولَ أبداً ليس بالإمكان أحسن مما كان..!!
إذن، تعقّد مواضيع تلوث البيئة، لا يكفيه ما قلناه، بل لا بدّ من إستراتيجيّة بيئيّة تشارك بإحداثها كل القوى الفاعلة؛ حكومية أو غير حكومية، عدا عن الناشطين في هذا المجال، وكل حسب قدرته، وليس حسب مزاجه، أو تصدره للحدث، أو وفق حصيلة مالية محدّدة بدقة رياضية عالية لمصالحه؛ هذه الإستراتيجية، يجب أن تنطلق من جعل سورية عام 2010، و2011 بلدا ذا طبيعة نظيفة وأنهار وينابيع غير ملوثة، حتى نصل إلى مياه نظيفة خالية من التلوث في كامل القطر.
في خلاصة مقالتنا هذه، نقول:إن البيئة في سورية وعلى اختلاف تنوعاتها (المائية، والشجرية، والحيوانية، والجوية) مهدّدة بمستويات عالية من التلوث المميت، وهو ما سينعكس على السكان، وهو ما يحدث أصلاً بتجليات مختلفة منها الأمراض والموت والأعمار القصيرة والحرارة العالية، وغير ذلك الكثير.
وإذ بدأ فريق الرواد بحملة جديدة لتنظيف نهر بردى، فلا يجب الوقوف عندها، بل لا بد من العمل على وضع تلك الإستراتيجية المشار إليها وتنفيذها، وبالمقابل إذا لم توضع تلك الحملة ضمن إستراتيجية بيئية، فإن نهر بردى، بعد شهر سيعود إلى حالته، وبعد أشهر ستكون حالته كما كانت قبل شهر من الآن، وعلى هذا ستكون كل الحملة كمن يبحث عن شهرة على حساب نهر بردى، وليس كمن يجتهد في متابعة العمل- وهو ما يصبو إليه فريق الرواد – كي يتطور باتجاه واقع أفضل وبيئة متجددة ونظيفة. فهل ما قلناه يمكن العمل عليه، أرغب أّلا أشك بذلك، رغم أن الشك، سوسة العقل النقدي..؟
*العنوان الالكتروني لفريق الرواد
www.al-rowad. com
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى