صفحات العالمما يحدث في لبنان

سوريا تضع الحريري بين خيارين

موقف عون المفاجئ بتشدّده يثير تفسيرات متناقضة
سواء تم التوصل الى تشكيل الحكومة او ظل الأمر يتعثر فان نواباً في قوى 14 آذار ينظرون بعين الريبة والشك الى تصرف سوريا في لبنان ربما بالتنسيق مع ايران وبطريقة توزيع الأدوار بينهما بحيث يواجه تشكيل الحكومة منذ ان تم تكليف النائب سعد الحريري، هبة باردة وهبة ساخنة وجو تفاؤل ثم جو تشاؤم كأن المطلوب ايصال الرئيس المكلف منهكاً الى السرايا، ومستسلماً، او ان يكون بين سوريا وايران شكل من اشكال التجاذب الخفي في سياسة كل منهما سواء في لبنان او في المنطقة ومن منهما قادر على تقديم عروض أفضل من الآخر الى دول الغرب ولا سيما منها الولايات المتحدة الاميركية.
لقد ارتاحت السعودية الى موقف سوريا الايجابي من تكليف النائب سعد الحريري تشكيل الحكومة بعدما كانت قد اشترطت ان يعقب تكليفه زيارة يقوم بها لدمشق للتفاهم على كل الأمور ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، وعندما اعتذر الرئيس المكلف عن ذلك تركته، يقلع شوكه بيديه في عملية التأليف بدعوى انها لا تريد التدخل في شؤون لبنان الداخلية، وهو تدخل يشكو منه لبنانيون وعرب وأجانب… واكتفت سوريا بأن يعلن الرئيس المكلف تصميمه على تشكيل حكومة وحدة وطنية وهو ما فعله، وجاراه في هذا الموقف نواب قوى 14 آذار والأكثرية النيابية فضلاً عن نواب قوى 8 آذار والأقلية مع تأكيد الرئيس سليمان من جهة أخرى انه لن يوقع مرسوم اي حكومة إن لم تكن حكومة وحدة وطنية، فبات الجميع أسرى تأليف هذه الحكومة من دون سواها.
وعندما تعذر على الرئيس المكلف تشكيل مثل هذه الحكومة بسبب الشروط المتبادلة بين الأكثرية والأقلية اعتذر عن عدم تأليفها، فصار تكليفه مرة ثانية علّ الاجواء تكون أفضل والعراقيل تزول من طريق التأليف، وظن الرئيس المكلف ان لقاءاته المباشرة مع أركان ا لاقلية ولا سيما مع العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجيه اللذين كانا قد وجها لوماً اليه لأنه لم يعقد معهما مثل هذه اللقاءات التي يفترض كل رئيس مكلف عقدها مع رؤساء الاحزاب والكتل النيابية، فكان ان عقد الرئيس المكلف للمرة الثانية هذه اللقاءات المباشرة التي لم يكن قد عقدها مع هؤلاء الرؤساء في التكليف الأول… وخرج الجميع منها بتفاؤل مفرط بلغ حد توقع تشكيل الحكومة خلال ايام ان لم يكن قبل زيارة الرئيس سليمان الرسمية لاسبانيا، فبعد هذه الزيارة، واذ بالعماد ميشال عون يفاجئ الجميع بعودته الى مواقفه المتشددة وجعل عملية التأليف تعود الى نقطة البداية.
وكثرت التكهنات والتفسيرات وتناقضت حول أسباب عودة العماد عون الى التصعيد في موقفه بعدما ذهب بعيداً في اظهار اللين والمرونة في لقاءاته والرئيس المكلف حتى ظن كثيرون انه كان للملح والخبز بينهما مفعول… فمن قائل ان اشارة أتته من جهة لم تكن راضية عن ذهاب سوريا بعيداً في تسهيل عملية تأليف الحكومة قبل ان تكون قد توصلت الى اتفاق حول كل الملفات، وقائل ان سوريا هي التي اعطت اشارة بهذا الموقف لأنها لم تحصل لحلفائها في لبنان على الحقائب التي تريد، وقائل ان العماد ميشال عون لم يكن راضياً عن تصرف بعض حلفائه ولا سيما النائب سليمان فرنجيه الذي وافق على المشاركة في الحكومة من دون العودة اليه، وقائل ان تصريحات رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في ما يتعلق بالحقائب التي يطالب بها العماد عون اعتبرها استفزازية فرد عليها، وقائل ان نواباً في “تيار المستقبل” كشفوا في موضوع تشكيل الحكومة وخصوصاً في ما يتعلق بوزارة الاتصالات ما لم يكن يريد العماد عون كشفه إلا بعد الاتفاق على التشكيلة بكاملها لأنه قد يكون له تحفظات او اعتراضات على وزراء او حقائب.
وثمة من يقول ان مواقف العماد ميشال عون لا تملى عليه من اي جهة داخلية كانت أو خارجية، وان هذا مزاجه. فيوم كان رئيساً للحكومة عرضت عليه وزارتا الدفاع والداخلية في اول حكومة يتم تأليفها في مستهل عهد الرئيس الهراوي كي يخرج من قصر بعبدا حبياً وبدون حاجة الى استخدام القوة، وكان السفير الفرنسي يومئذ هو الوسيط. فبعدما تبلغ الرئيس الهراوي موافقة العماد عون على هذا العرض، عاد وفوجئ برفضه، فكانت الضربة العسكرية السورية لتمكين الرئيس الهراوي من الحكم وتكون له السلطة فلا تبقى موزعة بينه وبين العماد عون، وعندما عرضت عليه ثلاث وزارات في حكومة وحدة وطنية خلال ولاية الرئيس لحود الممددة وعلى اثر انتخابات 2005 اصر العماد عون على ان يكون له أربع وزارات فكان الحل بان اعطي الرئيس لحود عدداً من الوزراء وبقي العماد عون خارج الحكومة متهما “التحالف الرباعي” الذي كان قائماً يومذاك بعزله، الأمر الذي جعله يوطد علاقته بـ”حزب الله” بعد انفراط هذا التحالف من خلال ورقة التفاهم الشهيرة التي وقعها مع الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل – الشياح.
وبعيداً عن كل التكهنات والتفسيرات لحقيقة مواقف العماد عون المتقلبة، فان النواب إياهم في قوى 14 آذار يعتقدون بان سوريا اذا سهلت عملية تأليف الحكومة فإنها تضع الرئيس المكلف بين خيارين احلاهما مرّ: اما القبول بحكومة يكون رئيسها ولكنها ليست حكومته وهو ما كان يواجهه أحياناً والده الشهيد، فيربح عندئذ رئاسة الحكومة ويخسر قوى 14 آذار التي قد تتعرض بفعل قيام مثل هذه الحكومة للتفكك. واما يخسر رئاسة الحكومة ويربح استمرار تضامن هذه القوى لتقوم بدور المعارضة اذا تشكلت حكومة سورية الهوى والميول، او تواجه البلاد أزمة مفتوحة على كل الاحتمالات اذا ظل تشكيل أي حكومة متعذراً او متعثراً.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى