صفحات العالمما يحدث في لبنان

سوريا رابح وحيد بإثبات عدم القدرة على تجاهلها

روزانا بومنصف
الأضرار والخسائر الداخلية تتوزّع على المعنيين بالتأليف والمعطلين
السؤال الابرز الذي يفرض نفسه على الاوساط السياسية وغير السياسية عشية الولادة المفترضة للحكومة بعد مخاض أربعة أشهر من المماحكات هو: هل حقق الافرقاء المعنيون مكاسب فعلية تسمح بالقول ان ابقاء لبنان اربعة اشهر من دون حكومة ترعى مصالح الناس كان مفيداً ومربحاً بالنسبة اليهم سياسياً وشعبياً؟ ومن هو الرابح الحقيقي من هذه العملية برمتها؟
تلتقي مصادر ديبلوماسية على اعتبار ان سوريا قد تكون الرابح شبه الوحيد من التأخر في تأليف الحكومة. وبحسب هذه المصادر، فإن دمشق لم تكن في حاجة الى التدخل على نحو مباشر في التأليف، او حتى على نحو غير مباشر، انطلاقا من اصطدام التأليف بمطالب رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون. والتقويم الديبلوماسي الغربي لاداء سوريا وفق كل المعطيات المتوافرة لدى بعثات أوروبية متعددة، أن العاصمة السورية، على غير ما يردد مسؤولوها امام زوارهم او في الاعلام السوري، لم تقدم أي تسهيلات للتأليف، في حين ان المكاسب كبيرة، اذ بمجرد ان يضع الاميركيون في خانة سوريا تبعة عرقلة تأليف الحكومة، فانهم بذلك، وبحسب المصادر المعنية نفسها، يضعون في خانتها ايضا القدرة على التسهيل واحتمال طلب اثمان لقاء ذلك. فسوريا وفق ما تقول هذه المصادر لم تتعاون على الاطلاق في أي مطلب من المطالب او الاوراق التي تملك تاثيراً عليها، بدءا من العراق وصولا الى لبنان. ففي العراق، وباستثناء اتخاذ بعض الاجراءات من اجل حماية سوريا نفسها، فإن أياً من مطالب الغرب من أجل حماية الحدود العراقية لم تتخذ على نحو جدي، وتشهد على ذلك الازمة التي أدت اليها التفجيرات في العراق بينه وبين سوريا واضطرار المجتمع الدولي الى عدم تجاهل موقف العراق بالتزامن مع محاولته ابداء ايجابية ازاء اي مرونة او تعاون من الجانب السوري. وهذا الامر ينسحب على الفلسطينيين، اذ لا ترى المصادر المعنية ان اي تطور فعلي حصل من حيث ممارسة سوريا الضغوط على حركة “حماس” لإتمام المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية. وما يشهده الوضع الفلسطيني راهنا هو نتيجة خطأ ارتكبه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي حفر حفرة أوقع نفسه فيها، وقدّم عذرا اضافياً الى “حماس” من أجل المزيد من التصلب، في حين أن الاخيرة لم تبدل موقفها في الاصل. ويمكن ادراج الامر نفسه بالنسبة الى لبنان، اللهم باستثناء عامل وحيد ربما ساهمت فيه سوريا، كان ابان الانتخابات النيابية في حزيران الماضي، وقد كان في قدرتها ترجيح الكفة لمصلحة حلفائها في احدى الدوائر من خلال ايفاد 80 الفاً من مواطنيها حاملي الجنسية اللبنانية للتصويت هناك، ولكنها لم تفعل، بالتزامن مع امتلاكها القدرة على إحداث خربطة في منطقة اخرى ايضا، ولم تفعل، ربما لوثوقها بفوز المعارضة في الانتخابات. لكن الامر ينظر اليه على انه ايجابي في غياب العناصر المماثلة في اي وقت آخر، بما فيه تأليف الحكومة. الا انها افادت من ذلك لاعتبارات كثيرة لا مجال للخوض فيها، وقد ساهم فيها الانفتاح السعودي من جهة ورغبة فريق من اللبنانيين في ان يكون لسوريا دور او نفوذ تستعيده في لبنان من جهة اخرى، من دون ان يعني ذلك عدم انعكاس بعض العناصر ايجابا على الاجواء السياسية عموما في لبنان. وتاليا، فان سوريا تكون اثبتت من خلال  هذه العوامل كلها، وخصوصا عبر لبنان، انه لا يمكن عزلها او تجاهلها في القضايا التي لها صلة بها. وهذا ما يهمها اثباته في نهاية الامر. ووفق المصادر الديبلوماسية نفسها، فان الدول الغربية تعرف ذلك على نحو جيد، وتتساهل ازاء ذلك احيانا وتتشدد احيانا اخرى، تبعا لمجموعة مصالح لها في المنطقة، على غرار الاتجاه مثلا الى توقيع اتفاق الشراكة الاوروبية مع سوريا الاسبوع المقبل وفق ما كان يفترض. وهي خطوة كانت متوقعة عام 2005 وارجئت اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتعود اليوم الى الواجهة على انها خطوة رمزية تعني عودة الامور الى مجاريها من حيث المبدأ، فضلا عن تغير المزاج الاوروبي حيال سوريا من حيث المبدأ نتيجة مواقف بعض الدول المؤثرة، وفي مقدمها فرنسا، على رغم ما تتطلع اليه الدول الاوروبية من حيث المبدأ لجهة امتلاك القدرة على مراقبة حقوق الانسان في سوريا اكثر من السابق، الامر الذي اعترضت عليه سوريا ولا تزال.
اما بالنسبة الى الافرقاء اللبنانيين، فثمة طرفان اساسيان، احدهما رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري جنبا الى جنب مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وهناك في المقابل زعيم التيار العوني الذي ظلت كرة العرقلة في ملعبه قبل اعتذار الحريري وبعده. فرئيس الجمهورية ناله الكثير من التأخير في تأليف الحكومة نظراً الى تأخير اقلاع عهده بالمعنى “العملاني” الذي يريده، فضلا عن أن غياب طاولة الحوار في هذه المدة لم يتح له الاضطلاع بدور كبير بمقدار ما يتيحه له موقعه مبدئيا او يطمح اليه.
والحريري بدوره، أصابه الكثير من محاولات منعه من تأليف حكومته الاولى على رغم تنازلات كثيرة قدمها سلفا، وان تكن رجحت كفة كبيرة من التفهم لمواقفه نتيجة الشروط المرتفعة والمطالب المتناقضة للافرقاء السياسيين. ولا تعتقد المصادر نفسها أن عون قد كسب من هذه الجولة من المفاوضات السياسية على المستوى المسيحي، من حيث انهيار الكثير من شعاراته المرفوعة حول الاصلاح في ظل الاصرار على مطالب محددة، كوزارة الاتصالات للوزير جبران باسيل، او منع تأليف الحكومة، علما انه يعتقد ان لهذه المواقف انعكاساتها السلبية ايضا داخل تياره للاسباب نفسها.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى