زين الشاميصفحات العالم

لا توجد أي بقعة مضيئة في عالمنا العربي

زين الشامي
عندما نتابع آخر الأخبار المتعلقة بعالمنا العربي الممتد من المحيط الى الخليج، ونقارنها بتلك المقبلة من دول ومجتمعات أخرى، سنصاب على الفور بإحباط شديد ونشعر بالخزي لدرجة أن الواحد منا يتمنى في قرارة نفسه لو لم يكن مواطناً عربياً. ان هذا حقاً شيء مؤسف ومؤشر إلى حالة الانحدار العام التي تعم كل بلداننا.
ففي لبنان ما زالنا ننتظر ولادة حكومة الوحدة الوطنية العتيدة منذ أشهر طويلة، ونستغرب كيف يمكن لبلد مثل لبنان أن يبقى من دون حكومة كل هذه المدة، رغم كل ما يقال عن نخبوية أهله وعمق حضارته، ورغم كل «الاهتمام» العربي والإقليمي والدولي به. انه لمن المحبط جداً أن يتعطل تأليف الحكومة بسبب اختلافات على توزير فلان أو تسلم حزب أو تيار سياسي لهذه الوزارة أو تلك، في الوقت نفسه كم هو مؤلم للنفسية الوطنية والروح المعنوية اللبنانية أن يرى اللبناني مستقبله السياسي متوقفاً على توافق الآخرين الأغراب والدول الإقليمية المؤثرة. ومن المؤسف حقاً أن يرى اللبناني في السوري، أو الإيراني، أو الفرنسي، أو الأميركي، أو السعودي، مرجعاً وناصحاً له ومؤتمناً على عدالة توزيع الحقائب وعلى مستقبله وتاريخه وحاضره أكثر من ذلك اللبناني الذي يسكن في الحي ذاته او القرية المجاورة؟
بعيداً عن لبنان، حيث متابعة الحالة السياسية الداخلية فيه قد تسبب بجلطة دماغية للعالم آنشتين نفسه فيما لو كان حياً ومهتماً بالسياسة، واذا ما انتقلنا إلى السودان مثلاً، سنرى العجب العجاب، فرغم كل المشاكل التي تعصف في هذا البلد المترامي الأطراف، بدءا من دارفور إلى جنوبه إلى المجاعة التي تعصف بين حين وآخر بجزء من أهله، رغم كل هذا، كم كان مخزياً أن يراقب العالم قضية الصحافية لبنى الحسيني ومعركتها مع قضاء نسي كل شيء وتوقف عند ارتدائها للبنطال، هذه القضية التي شغلت الرأي العام الدولي لفترة وجيزة، وبغض النظر عما آلت إليه والأحكام التي صدرت بحق تلك الصحافية، لابد من تسجيل أن القضاء السوداني نجح نجاحاً بارعاً في تثبيت الأفكار المنمطة عن العرب والمسلمين، مثل كونهم شعوبا وأمما تضطهد المرأة ولا ترى الشرف إلا في جسد المرأة وكمية القماش الذي ترتديه ونوعيته وشكله. هذا حقاً مخز في وقت تحقق المرأة في كل دول العالم قفزات كبيرة في العلوم والسياسة والفنون، دول وشعوب ستضحك كثيراً عندما تقرأ أخبارا كهذه عن العرب الذين نسوا كل معضلاتهم السياسية والاقتصادية وفقرهم وتخلفهم وتفرغوا لما سترتديه المرأة، وهل يتناسب مع الشرف الرفيع أم لا.
وليس بعيداً عن السوادن فمنذ مدة قامت حركة «شباب الصومال» التي تسيطر على أجزاء كبيرة من جنوب ووسط الصومال، بإصدار قرارات مشددة بمنع الأفلام والمسرحيات، والرقص فى الأفراح، ومباريات كرة القدم، وكل أنواع الموسيقى، حتى النغمات التي تنبعث من التليفون المحمول، لم تنته القضية هنا فمنذ أيام قام هؤلاء المتطرفون بتصرف غريب حين ألقوا القبض على امرأة صومالية وجلدوها علناً لأنها كانت ترتدي حمالة للصدر (سوتيان)… وقد أعلنوا بوضوح أن ارتداء هذه المشدات ضد الدين لأنه يعتبر نوعاً من الغش والتضليل… للأسف ومرة أخرى، فقد نسي هؤلاء كل مشاكل الصومال وتفككه ومجاعته وحروبه الداخلية، ونسوا كل ما أتى به الاسلام من خصائل حميدة وتوقفوا عند المرأة، أضعف شرائح المجتمع المتخلف، ليثبتوا من جديد كم هم العرب بعيدون عما يجري في العالم.
المشهد في الصومال والسودان، يتكرر في إمارة «حماس ستان» حيث الحركة تفرض قوانيها ومفاهيمها على مواطني غزة بعد أن «انجزت» مهامها الوطنية الكبرى، مثل المصالحة مع غريمتها «حركة فتح»، كما أنها حررت كل الأراضي الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي، وعالجت مشكلة البطالة والفقر والجوع التي يرزح تحتها أهل القطاع. انه أمر غريب حقاً أن تلتفت حركة سياسية من المفترض أن تكون غايتها ومشروعها السياسي قائما على هدف تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني، إلى تحجيب المرأة في المدرسة ودار القضاء وعلى البحر، لا بل ان «حماس» في الآونة الأخيرة أصدرت تعليمات لا تختلف كثيراً عما فعلته حركة «شباب الصومال» بحق النساء، حين أصدرت تعليمات مشددة تمنع بموجبها أي فتاة، أو امرأة سواء أكانت أختا أو زوجة أو اما، أو ابنة، من ركوب الدرجات النارية خلف الشقيق أو الأب او الزوج أو…، لأن ذلك حسب «حركة حماس» مناف ومخالف للتقاليد».
وإذا ما انتقلنا إلى الكويت فسنسمع بين الفينة والأخرى بعض الأصوات التي تطالب بتحجيب النائبات في مجلس الأمة، لكن ما يبعث على الأمل أن في الكويت معارضة لمثل هذه الأصوات وأن كل ذلك يجري ضمن حراك سياسي واجتماعي عنوانه الصراع بين الماضي والمستقبل، الموروث والحداثة.
حتى في سورية العلمانية، فقد أدرجت وزارة التعليم في مناهجها كتاب التربية الدينية لطلبة الصف الأول الابتدائي، في وقت يوجد على المقعد الواحد في الصف الدراسي تلاميذ متعدي المذاهب والأديان والطوائف، وفي وقت لا يدرك الطفل فيه الفرق بين المسلم والمسيحي أو الشيعي أو الدرزي، فبدلاً ان تتقدم مناهج التعليم وتنجز وزارة التربية كتابها الموحد الجامع عن «التربية الدينية» لكل التلاميذ الصغار، نراها تقوم بإدخال وعي طائفي تمييزي على مقاعد الدراسة للاطفال لم تعرفه كل الأجيال من قبل.
الحالة أبشع وأكثر مرارة في العراق، وليبيا، ومصر، وغيرها من الدول العربية حيث لا توجد بقعة مضيئة واحدة تبعث على الأمل.
كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى