يستحقُّها؟ لا يستحقُّها؟ أوباما و”نوبل” والشرق الأوسط وزعاماتها!
هوشنك أوسي
قبل 9 أشهر منحته أميركا قيادتها كأكبر جائزةٍ حَلَمَ بها، فنالها. وقتئذ، قفز سادة الشرق الأوسط وساسته من معشر “الممانعين والمقاومين” فرحين مغتبطين، معتبرين ذلك “انتصاراً” لهم على المحافظين الجدد وعميدهم جورج دبليو بوش!. آنئذ، ساد شبه إجماع على أحقيَّته في الفوز بهذه الجائزة الكونيّة ـ التاريخيَّة، وهي قيادته لأكبر دولة في العالم عسكريّاً واقتصاديّاً.وبعد مرور 9 اشهر لوجوده في البيت الأبيض، احتفت به أوروبا ومنحته أهمّ جائزة دوليَّة للسلام على نواياه. لم يكن يحلم بها. وفي بلادنا يعاقب المواطنون والشعوب على نواياهم!.
لا انجازات له. وهو يقود حرباً في أفغانستان والعراق. لا يمكنه ردع أو لجم غطرسة وتمادي وإرهاب حكومة نتنياهو ـ ليبرمن… إلى آخره من هذه المتوالية من الأسباب التي تحول دون منحه جائزة نوبل للسلام. لكنَّ الجائزة منحت له، وكفى بالشرق أوسطيين كلاماً مدراراً، لزوم استنفاد الوقت وملء صحفات الجرائد. وأيَّاً كان منسوب التشكيك والطعن في أحقيَّة الممنوح، وصدقيَّة الجائزة، تباينت التفسيرات والتأويلات والتقدير في أسباب المنح. وبعد تصفُّح الطبعات الالكترونيَّة لبعض الصحف العربيَّة، فجر اليوم التالي، كي نعرف كيف تناول كتَّاب الزويا ومقالات الرأي هذا الحدث، كان متوقَّعاً أن تتقاطع المواقف وتتباين الصياغات، بين ساخر ومشكّك بالجائزة ومانحيها والممنوحة له. ومنهم، من اعتبرها “ضد جورج بوش”!. ولا أعلم، لماذا يصرّ بعض الكتَّاب على تذكُّر بوش مراراً وتكراراً، رغم أنَّه الآن، في الظلال، وهو فارق الحياة السياسيَّة، وصار من الماضي. وليس هنا مربط جيادنا، نحن الشرق أوسطيين، لأنَّ آفتنا الجامعة هي اشتغالنا على المواضيع الطازجة بلغة وصياغاتٍ مطروقة مستنسخة حدّ الملل!. والسؤال هنا: ماذا لو منحت الجائزة لعمر البشير أو معمّر القذّافي أو بشّار الأسد أو علي عبدالله صالح أو محمود أحمدي نجاد أو رجب طيّب أردوغان…الخ، ماذا كانت ردّة فعل العرب والأتراك والفرس والعالم العربي والإسلامي عموماً على لجنة نوبل والجائزة؟… ولا شكّ أن الواردة أسماؤهم، يستحقّون جازة نوبل للسلام. بخاصّة، أنَّ قرينهم في البيت الأبيض، حازها على نواياها الحسنة، وخطبته في القاهرة كانت من مرتكزات قرار المنح. فكلّ من الزعامات السالفة الذكر، تفيض أفئدتها بالنوايا الحسنة، والكثير منها، يجيد اعتلاء المنابر وإلقاء الدروس والخطب والمحاضرات في كلّ شيء. وتمتلك طاقة هائلة من الإنشاء القادر على دمج أيّ شيء بكلِّ شيء، وابتكار أيّ شيء من أيّ شيء. دون أن ننسى قدرتها على “الارتجال” وتحريك الأيدي والحواجب، ودمج لغة الجسد بلغة الخطاب. وأفلا تستحقّ الخطابات الممسرحة نوبل للسلام وللآداب والفيزياء والطبّ…، في آن؟.
لأنه “أوجد مناخاً جديداً في السياسة الدولية”. منهياً أحادية الإدارة الأميركيّة السابقة، بـ”جهوده الاستثنائيّة لتعزيز الديبلوماسيّة والتعاون بين الشعوب”.
هكذا أعلنت لجنة نوبل في بيانها أسباب منحها اوباما الجائزة، وأضافت أنَّها “أولت أهميّة خاصّة لرؤياه وجهوده من اجل عالم خالٍ من الأسلحة النوويّة. وبوصفه رئيساً، أوجد اوباما مناخاً جديداً في السياسة الدوليّة، واستعادت الديبلوماسيّة المتعددة الاطراف موقعاً مركزيّاً. ونادراً ما شدّ شخص، كما فعل اوباما، انتباه العالم ومنح البشرية الأمل بغد افضل”. وردّاً على اندهاش الصحافيين في القاعة بأوسلو لدى إعلان قرار المنح، ردّ رئيس لجنة نوبل ثوربيورين ياغلاند: “بعضهم يقول، وأنا أتفهم ذلك: أليس ذلك مبكراً؟ أقول انه قد يكون الوقت متأخراً جداً للرد بعد 3 سنوات. لدينا فرصة الآن للرد”. وبصرف النظر عن خطوة لجنة جائزة نوبل للسلام، إذا كانت مجازفة أم لا؟، سياسيّة أم لا؟، الهدف منها جرّ أوباما لمزيد من الاعتدال أو لا؟، هل كان فخَّاً أم لا…؟، المهمّ، أوباما أضاف إلى رصيد إنجازاته الشخصيّة، جائزة نوبل للسلام، بعد أن نال جائزة قيادة أمريكا، كأوّل رجل أسود ومسلم.
وبالعودة إلى شرقنا الاوسط البائس المنكوب، تعالوا نحلم قليلاً جدّاً، بـ”لمن ستكون جائزة نوبل للسلام لسنة 2010″؟!.
بينما كان الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد نائماً، أيقظه أحد موظّفي القصر الجمهوري، كي يبلغه بقرار لجنة نوبل للسلام منحه جائزتها لسنة 2010. وجاء في بيان اللجنة، إن الرئيس الإيراني استحقّ هذه الجائزة، لـ”دوره في تفكيك البرنامج النووي في الإيراني. وحفظ الأمن والسلم في منطقة الخليج، بإعادة الجزر الإمارتيّة الثلاث لأهلها. ومساهمته في توطيد الوضع الداخلي العراقي، والكفّ عن التدخُّل وتحريك الاوراق الطائفيّة في اليمن والبحرين ولبنان، وخاصّة الأخير. وفتح صفحة جديدة مع العالم العربي، قوامها التفاهم والاحترام والتعاون. وحلّ القضيّة الكرديّة في إيران، وانفتاحه على العرب في الأهواز، وعلى الأذريين وإنعاشه للديموقراطيّة في إيران والمنطقة. واعترافه بالهولوكست اليهودي، وبحقّ إسرائيل في الوجود إلى جوار دولة فلسطين التي عاصمتها القدس”. فردّ الرئيس الإيراني بمنتهى التواضع: “لا استحقّ الجائزة. ما قمت به، هو من ضمن مهامي الوطنيّة والدينيّة والانسانيّة والحضاريّة. وما زلت مقصِّراً، ومطلوبٌ منِّي المزيد”.
في تركيا، قام أحد أفراد حماية رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان بإيقاظه من النوم، كي يخبره بقرار لجنة نوبل منحه جائزتها لسنة 2010، وتعداد أسباب المنح، بحسب ما جاء في بيان اللجنة طبعاً، وهي: “نظراً لدوره الكبير في حلّ القضيّة القبرصيّة. وانهائه حرباً دامت 25 سنة بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركيّة. وذلك بانفتاحه على الكردستاني والتحاور معه. وإعلان عفو عامّ، دون استثناء. والإعلان عن دستور مدني جديد يجعل من تركيا بلداً لكلّ شعوبها، ويضمن حقوق العرب والسريان والأرمن والشركس والأكراد…الخ كاملةً دون انتقاص في إدارة الدولة. واعترافه بالمذابح الأرمنيّة، واعتذاره عنها. وتحقيقه حلم تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي. بالاضافة الى خلقه حضوراً سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً قوياً واستراتيجياً لتركيا في العالمين العربي والإسلامي”. فردّ أردوغان بمنتهى التواضع: “أنا لا استحقّ هذه الجائزة. ما قمت به، هو من صميم مهمامي وواجباتي تجاه وطني تركيا وشعوبها، وتجاه المنطقة والعالم. وتصالحي مع القبراصة اليونانيين ومع الأرمن يستند إلى قيم ومبادئ وأخلاق الدين الإسلامي الحنيف. أمّا الأكراد، فهم شعبي. فأنا كرديّ بقدر ما أنا تركيّ”.
أمّا في سورية، أيقظ أحد موظّفي “قصر الشعب” الرئيس السوري بشّار الأسد، كي يخبره قرار لجنة نوبل منحه جائزتها للسلام سنة 2010، وتعداد أسباب المنح، كما جاء في بيان اللجنة حرفيّاً، وهي: “نظراً لدوره الهام والمحوري في الحفاظ على أمن وسلامة العراق ولبنان، وعدم تدخُّله في الشؤون الداخليّة لهذين البلدين. وعقده اتفاق سلام مع إسرائيل، ضَمِن استرجاع الجولان. وإزالته لحالة الطوارئ والاحكام العرفيّة والمحاكم الاستثنائيّة التي تقبض على خناق سورية من 8/3/1963. ولأنه حلّ القضيّة الكرديّة في سورية، واعترف بالأكراد دستوريّاً كثاني قوميّة في البلاد، وضَمِن لهم حقوقهم السياسيّة والثقافيّة في الدستور. وأعاد الجنسيّة إلى الأكراد المجرّدين منها على خلفيّة إحصاء استثنائي عنصري جرى في 5/10/1962، وقام بتعوضيهم. وألغى كل مشاريع التعريب في المناطق الكرديّة، وضخّ إليها التنمية. وكافح الفساد. وألغى المادة 8 من الدستور، وأطلق التعددية السياسيّة التداول السلمي للسلطة. وبيّض السجون، وطوى ملفّ الاعتقال السياسي للأبد. فاستحق أن يكون رئيس سورية إلى الأبد. وضرب مثالاً نادراً في شجاعة القادة التاريخيين وحكمتهم، بحرصه على أمن وسلام ورخاء ورفاه بلاده وبلاد الآخرين”. فردّ الرئيس السوري بمنتهى التواضع: “أنا لا استحقّ هذه الجائزة!. كل ما قمت به، هو من صلب مهامي وواجباتي. وهي أمانة تركها الرئيس الراحل حافظ الأسد في عنقي”.
وهكذا دواليك. الكلّ يستحقّ هذه الجائزة. وسينلها يوماً ما، كنتيجة طبيعيّة لتلك الانجازات التي حققها القادة لشعوبهم ولاوطانهم ولشعوب وأوطان الآخرين. حيئنذ، لن يكون النقاش في الصحافة العالميّة محموماً، دائراً حول تساؤل: هل يستحقّ هذا الزعيم الشرق أوسطي جائزة نوبل للسلام أم لا؟!، تماماً كما جرى في الصحافة العربيّة، فور إعلان لجنة نوبل منح الرئيس الأميركي جائزتها. لن يشكك أحد في الغرب بأحقيّة أيّ زعيم شرق أوسطي في نيل الجائزة، ولا بصدقيّة اللجنة المشرفة عليها، كما جرى في الصحافة العربيّة. طبعاً، كلّ ذلك، في إطار حلم، يحقُّ لنا أن نحلمه، ما دمنا ننظر من بعيد إلى اوطانا الشرق أوسطيّة، وكيف يتناهبها الفساد والاستبداد. وكيف يخيّم عليها الذُّعُر والخوف والرُّهاب!؟. وكيف تعصف بها الاميّة والفقر والبطالة وثقافة القطيع!.
المستقبل