سورية ولبنان.. العود.. والظل
زهير سالم
مما يحفظه أهل مدينة حلب جيداً من فقه الأكراد، أن كردياً طلب إليه أن يحفر خندقاً في الشمال السوري يوم توترت العلاقات من تركية. سأل المواطن الكردي ببساطة الإنسان الذكي: لماذا الخندق هنا؟! قيل له، اختصاراً وحفزاً: ضد اليهود. سأل الكردي مرة ثانية: ولكن أين الشام (يقصد دمشق)؟ قيل له يمكن لدمشق أن تسقط!! قال: وأين حمص؟! قيل له يمكن لحمص أن تسقط؟! قال مرة ثالثة: وأين حلب؟! قيل له أيضاً يمكن لحلب أن تسقط!! أجاب المواطن البسيط الرشيد: إذا سقطت دمشق وحمص وحلب (طز على عفرين)، والعفو من عفرين وأهلها.
المتباكون اليوم على لبنان، على طرابلس وصيدا وبيروت، ربما عليهم أن يعملوا قليلاً منطق الإنسان الكردي ليتعلموا بعض قواعد السياسة وآفاقها.
عليهم ألا ينسوا أن (لبنان) الوحدة والسياسة والهوية أكلت يوم أكل الثور الأبيض!! يوم توافقوا على التسليم بالقرار الفرنسي الأوربي الأمريكي التاريخي بأن تكون سورية لغير أبنائها، حاضراً ومستقبلاً.
وحين تحدثهم اليوم عن التغير أو يحدثونك يجيبونك بصوت الإجماع الدولي والإقليمي، كالملقن على خشبة المسرح. يجب أن يكون البديل طائفياً أي علوياً. يضيفون إنه قرار دولي ينتظم مع جملة قرارات سايكس بيكو حول التقسيم أو تغيير الهويات والتفتيت.
يؤكد عليك أولئك الذين تعودوا على تسريب المعلومة والقرار: ارضخوا للطائفة!! ابحثوا عن (جنرال علوي..) ثم يفيضون في ترشيح الأسماء!! منذ أشهر نشرت النهار اللبنانية على لسان مطلع مكين وصف مرشح عتيد (نشرت اسمه الصريح) وجاء في وصفه ما يلي: بديل مضمون مأمون ومخيف. ضع خطاً إذا شئت تحت كلمة مخيف!!
منذ أيام كنت على هامش المؤتمر القومي العربي الذي انعقد في صنعاء، قلت لأحد الصحافيين العرب الكبار: نحن في سورية يا سيدي عندنا مفقودون، ومعتقلون وعندنا المادة الثامنة من الدستور، وعندنا القانون 49/1980، وعندنا معتقلون زادوا على (سمير قنطار) في سنوات سجنهم، وعندنا رجال من إعلان دمشق ونساء.. وكنت قد سمعته قبل يوم على إحدى الفضائيات العربية يرطن بالدفاع عن (الممانعة) و(التصدي للمشروع الصهيوني الأمريكي؟) قلت: حسب رأيك أبهذا نتصدى للمشروع.. قاطعني الرجل مسبقاً علي: قال أعرف عن سورية وأوضاعها المدنية أكثر مما قلت، قلتُ ولكن.. حك الرجل ذقنه، ومط حنكه، وقال: الحديث عن سورية المدنية ممنوع، ممنوع. ممنوع بقرار دولي، ممنوع بقرار إقليمي، ممنوع بقرار عربي. قلت كيف؟!
قال: استمعت إلى أمين عام المؤتمر وهو يذكر أسماء الممنوعين من الحضور إلى المؤتمر، رجاء الناصر، وعبد المجيد منجونة وبقية الرفاق، قلت نعم. قال لماذا لم يذكر هويتهم أو اسم الدولة التي منعتهم؟! قلت حتى تجيب، قال لأنه ممنوع من الكلام، كما هم ممنوعون من السفر. وأردف.. منذ أيام فقط، أرسلت مقالاً عن الوضع المدني في سورية إلى كبرى صحف الاعتدال العربي. قلت فكان ماذا؟! قال فأجابوني إن الحديث عن الملفات /المدنية/ في سورية ممنوع!!
ومن منطق المواطن الكردي البسيط إلى منطق سادة الكلام العربي، إلى منطق سادة القرار العربي الذين قنعوا أن تقسم الشام إلى أربع دول. نعود إلى لبنان المشكلة الظل. وقد علمتنا العربية أنه يستحيل أن يستقيم الظل والعود أعوج.
كان أهل طرابلس في لبنان إذا حزبهم أمرٌ، رفعوا العلم السوري ولاء واستنصاراً، ولكنهم اليوم، وبعد أن تنازلت أمة العرب عن هوية سورية، وعن مركزية سورية، وعن إنسان سورية، أي علم يرفعون؟!
نحن أكيدون أن سكان حي أو جبل بعل محسن قادرون بما يملكون من (سند ومدد) أن يذبحوا سكان طرابلس كما ذبحوا من قبل سكان حماة، وأن يبددوا أبناء لبنان الصغير والكبير، كما بددوا من قبل أبناء دمشق وحمص وحلب وإدلب وحماة. وأن يجدوا في لبنان تحت مسميات المقاومة والممانعة والوحدة الوطنية سبيلاً لتشريع ما هو أقسى من القانون 49/1980 الذي ما يزال منذ ربع قرن ساري المفعول. نحن أكيدون أنهم لن يعدموا في شأنهم هذا حكاماً عرباً يؤيدون، ونخباً عربية تصفق، وكتاباً عرباً يستسلمون للممنوع.
الذين يتباكون اليوم على لبنان بعد أن تخلوا عن دمشق وحمص وحلب، ربما يحتاجون إلى منطق المواطن الكردي البسيط الرشيد. وربما تحتاج الأمة أجمع إلى قائد مسلم كردي من طراز صلاح الدين يدرك أنه لن تزول دولة يهود حتى تزول بين يديها دولة الفاطميين.. حقيقة أدركها أصحاب القرار الدولي والإقليمي، فتمسكوا حتى الآن بمن تعلمون!!
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية
أخبار الشرق – 20 أيار/ مايو 2008