الإخوان المسلمون: استرضاء أم معارضة؟
الإيكونومست
الجماعة السرية تواجه المشاكل على امتداد الوطن العربي
منذ تأسيسها في مصر عام 1928 عانت جماعة الإخوان المسلمين من نوبات متكررة من القمع وانشقاقات متعددة من قبل الجهاديين المتطرفين والليبراليين المعتدلين على حد سواء, ومن النزاعات الإقليمية على امتداد المنطقة مثل غزو العراق للكويت عام 1990. ولكن الجماعة السرية عالية الانضباط حافظت على نظام قيادة دولي فضفاض وفروع قوية في عدة دول عربية. وعلى الرغم من انتحالها صفة الاعتدال ضمن الطيف الإسلامي, إلا أن الإخوان يتعرضون حالياً لاختبار لم يسبق له مثيل.
أحد التحديات القادمة وعلى النقيض من التجارب الأخرى جاء من حقيقة أنه ولأول مرة فإن أحد فروع الجماعة يجد نفسه في دور آخر غير دور المعارضة المعتاد عليه وهو دور إدارة حكومة كاملة. إن “حماس” التي تمثل فرع الجماعة الفلسطيني, تحكم غزة منذ العام 2007, وذلك عندما قامت بالإطاحة بحركة فتح العلمانية والقومية في انقلاب سريع وعديم الرحمة.
إن هذا النصر قد ولد فخراً ومشكلة في نفس الوقت. إن حماس مسئولة الآن عن مصير ما يقرب من 1.5 مليون شخص. إن الكثير من سكان غزة المحاصرين يوجهون اللوم للحركة بسبب أنها هي التي أثارت الهجوم الإسرائيلي على القطاع في الشتاء الماضي, والذي نتج عنه آلاف المشردين وما يقرب من 1400 قتيل. البعض يتهم حماس بشق صف الوحدة الفلسطينية, بينما يتهم الكثير من المتطرفين الإسلاميين حماس بخيانة الآمال التي كانت معقودة لتحويل هذا القطاع المزدحم الفقير إلى دولة إسلامية صحيحة, مع ملاحظة أن قوات الأمن التابعة لحماس قد قامت بسحق خصومها الجهاديين بطريقة أكثر قوة مما فعلته مع فتح. ففي أغسطس قامت حماس بقتل 28 شخصاً في إحدى هذه العمليات.
بينما ترى العديد من الحكومات حماس بشكل أساسي على أنها جماعة إرهابية مسئولة عن القيام بهجمات انتحارية وصاروخية على المدنيين الإسرائيليين, إلا أن الفخر بأن حماس قد حاربت الفساد والجريمة في القطاع هو أمر لا يمكن الجدال فيه. ومن المستبعد أن تتنحى الحركة عن الساحة في أي وقت قريب. ولكن خلق حماس لدولة الحزب الواحد في غزة قد أقلقت حكومات عربية أخرى.
إن نصر حماس في غزة جاء بعد مكاسب كبيرة حققها مرشحو الإخوان في الانتخابات البرلمانية المصرية عام 2005. إن هذا النصر يظهر القوة التي حصلت عليها الجماعة بعد القمع القوي الذي تعرضت له في مصر منذ الستينيات. إن حكومة الرئيس حسني مبارك لم تقم فقط بحظر الأحزاب التي تقوم على الدين بل قامت أيضاً بسن القوانين لمنع الإخوان من الترشح كمستقلين في الانتخابات المستقبلية. إن جولات الاعتقال المستمرة والتي شملت العديد من قيادات الجماعة أدت إلى تقييد حركة الإخوان. إن هناك ما يقرب من 250 عضواً من الجماعة يقبعون في السجون المصرية من ضمنهم العديد من المعتدلين ذوي الشعبية والذين يعتبرون وعلى نطاق واسع قيادات مستقبلية للجماعة.
مثل هذه الضربات أدت إلى إضعاف الجناح المعتدل داخل الإخوان المسلمين في مصر في الوقت الذي يواجه فيه ضغطاً داخلياً من أجل القيام بإصلاحات لمعالجة مسألة القيادات كبيرة العمر في الجماعة. إن مهدي عاكف المرشد العام للحركة الأم والذي يترأس حركة الإخوان الغامضة دولياً يبلغ من العمر 81 عاماً ويقول بأنه سوف يتنحى في يناير القادم, وهي سابقة لم يسبق له فيها مرشدون آخرون ممن خدموا في المنصب طيلة العمر. إن نائبه محمد حبيب وهو أستاذ جامعي متقاعد ومتشدد نسبياً قد يخلفه في المنصب.
ولكن الحكومة المصرية مصممة على سحق الجماعة, وليس من الواضح كيف ستقوم الجماعة بتدبير أمور الانتقال. الأعضاء الشباب وغير المصريين يريدون أكثر من رأي في طريقة اختيار قادة الحركة. بعض الإخوان والذين يشعرون باليأس من المناخ القمعي المتصاعد في مصر يقولون إنه سوف يكون من الأفضل الاختفاء من الساحة العامة والرجوع إلى العمل الاجتماعي كما كان الأمر في الماضي. وآخرون قد يسقطون عضويتهم لصالح جماعات متطرفة. وهذا يرجعنا إلى الماضي أيضاً, عندما اتجه إخوان ساخطون مثل نائب أسامة بن لادن “أيمن الظواهري” إلى الجهادية العنيفة.
وفي الأردن فإن العلاقات مع الحكومة لم تكن على تلك الدرجة من الخصومة. وذلك يعود إلى أن عدداً كبيراً من سكان الأردن هم من اللاجئين الفلسطينيين وأولادهم, وقد حاول حكام الأردن احتواء أي صراع قادم من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وعلى الرغم من رفض الإخوان لمعاهدة السلام التي وقعها الأردن مع “إسرائيل” عام 1994, إلا أن الحكومة مستمرة في تقليدها الدائم بالسماح لحركة الإخوان الموالية بالعمل كأكبر جماعة معارضة موجودة في البرلمان.
الإخوان متباعدون أم متقاربون
إن هذا المفهوم قد شهد اضطراباً في السنوات الأخيرة, وقد بدأ ذلك عام 1999 عندما قامت الحكومة بحظر حركة حماس وإبعاد قادتها الكبار. ومؤخراً وعلى الرغم من تصاعد التعاطف مع الإسلاميين بعد الغزو الأمريكي للعراق, فإن التغييرات في القوانين الانتخابية قد ساهمت في تشذيب عدد مقاعد الإخوان المسلمين في برلمان الأردن ذو ال 110 مقعداً من 17 مقعداً عام 2003 إلى 6 ستة فقط حالياً. إن الجمعيات الخيرية التابعة للإخوان وجدت نفسها متعطلة عن العمل بشكل مفاجئ. وقد واجه الإخوان وابلاً من الانتقادات عام 2006 بسبب حضور بعض قادتها جنازة أبومصعب الزرقاوي. لقد كان الزرقاوي وهو أردني المولد قائداً لجماعة متمردة في العراق متصلة بالقاعدة قامت بتفجير 3 فنادق في عمان قبل 4 سنوات.
إن التوترات قد تصاعدت منذ انتخابات السنة الماضية داخل الإخوان والتي أنتجت قيادة أكثر محافظة. إن قيادة الجماعة ولأول مرة تخضع لقيادة شخص لا ينتمي إلى الضفة الشرقية من الأردن بل من قبل همام سعيد وهو فلسطيني مساند بكل صراحة لحركة حماس الفلسطينية. إن الحمائم داخل صفوف الجماعة يريدون التركيز على طابع الجماعة الأردني من خلال الانفصال رسمياً عن حماس. ولكن السيد سعيد يريد الإبقاء على هذه الصلات والسماح بالانتماء للأشخاص الذين ينتمون إلى الطرفين بالبقاء في مجلس الشورى الذي يحدد سياسات الحركة. الشهر الماضي, استقال ثلاثة أعضاء ينتمون إلى أصول شرق أردنية من المكتب التنفيذي للجماعة بعد تسريب وثيقة داخلية تتهم الحكومة الأردنية بالانضمام إلى مؤامرة أمريكية إسرائيلية مزعومة لإقناع القيادة الفلسطينية بإسقاط حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية.
والمستقيلون الثلاثة يقولون بأن مثل هذه الكلام إضافة إلى وجود الصلات مع حماس, يبلغ إلى حد خرق الولاء للدولة الأردنية. ضمن العديد من فروع الجماعة فإن هناك حواراً ساخناً فيما إذا كانت المصالح الوطنية يجب أن تتجاوز مصالح المسلمين العامة. إن الحكومة المصرية تضيف نقطة إلى رصيدها بالقول بأن الإخوان يهتمون بالفلسطينيين أكثر من اهتمامهم بقضايا مواطنيهم.
في هذه الأثناء فإن فرع الجماعة السوري لطالما اشتكى من إهماله في التنظيم الدولي العالمي. فبدلاً من انتقاد نظام البعث السوري العلماني الحاكم بسبب قمعه الدموي لجماعة الإخوان في الماضي, والذي بلغ ذروته في مذبحة حماة عام 1982 عندما سحق الجيش السوري ثورة المدينة مودياً بحياة ما يزيد عن 10000 شخص, لقد بارك التنظيم الدولي للإخوان سوريا بسبب تحالفها المعادي ل”إسرائيل” مع حماس. وقد وجد قادة حماس ملاذاً آمناً في العاصمة السورية دمشق.
ولكن وحالياً, ومع مواجهة الإخوان الأردنيين والمصريين مشاكل داخلية متزايدة, فإن الإخوان السوريين يتجهون مرة أخرى إلى المضهد السابق. في أبريل من هذا العام تخلى الإخوان السوريون عن عضويتهم في تحالف كان يضمهم إضافة إلى أحزاب علمانية معارضة. ويبدو الآن أنهم يحاولون بهدوء صنع السلام مع حكام سوريا البعثيين.
مثل هذا التحول أدى في بعض المرات إلى تدمير سمعة الإخوان المسلمين. ولكن الفشل الذي تواجهه الجماعة في بعض الدول يعود إلى فشلها في تنفيذ وعودها بإحداث التغيير. بداية هذا العام, وفي الانتخابات التي حصلت في الكويت, فإن مرشحيها حصلوا على مقعد واحد فقط, وقد كان لديهم 6 مقاعد في العام 2003. وفي المغرب فإن حزب العدالة والتنمية الذي يحاكي الإخوان المسلمين بنجاح حصل على نسبة تقل 6% عن الانتخابات السابقة, مع وجود شكاوي من حصول تلاعب وتزوير في هذه الانتخابات. وفي السودان فإن نجم الإخوان قد فقد بريقه منذ تهميش حسن الترابي عام 2000 وهو قائد الانقلاب الذي أحضر الجبهة القومية الإسلامية إلى الحكم عام 1989. وفي دول أخرى, مثل ليبيا وتونس, فإن الإخوان – أو أي فروع مشكوك في أمرها- محظورة ومضطهدة.
لقد أثبتت جماعة الإخوان أنها قوية وتحظى باحترام واسع. إن العديد من الحكومات العلمانية تخشى الجماعة؛ والعديد من الليبراليين العرب لا زالوا يخشونها, فإذا دخلت الجماعة في انتخابات متعددة ونجحت, فإنهم قد لا يعودون إلى الإرادة الشعبية مرة أخرى. بالنسبة للإخوان أنفسهم, فإن المشكلة الثابتة هي ما إذا كان عليهم أن يعارضوا العلمانيين أو أن يتعاونوا معهم على أمل الاقتراب من السلطة. إن تيار هذه الجدلية سوف يستمر في المد والجزر.
ترجمة: مركز الشرق العربي