مستقبل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا
كريس فيليبس
يواجه مستقبل جماعة الإخوان المسلمين المعارضة في سوريا نظام الرئيس بشار الأسد الذي يزداد رسوخاً وقوة. فهل تقارير المصالحة مع دمشق بمثابة دليل على الضعف أم أنها فرصة لاستعادة الهيمنة السابقة للإخوان على الإسلاميين في سوريا؟
يبدو أن عام 2009، هو عام جيد بالنسبة لبشار الأسد. فبينما عاد الدبلوماسيون الأجانب إلى دمشق أفواجا، بعد أن أسقطوا في هدوء أي حديث سابق عن حقوق الإنسان وإحلال الديمقراطية على عتبة القضايا الداخلية، تكثر الشائعات حول إمكانية عقد مصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين التي طال مُكثها في المنفى.
فمنذ أقل من عام، كان السكرتير العام للإخوان المقيم في لندن، علي صدر الدين البيانوني، معتادا الظهور بشكل منتظم في التليفزيون العربي، حيث كان يدعو إلى “تغيير النظام” في سوريا، بالتحالف مع نائب الرئيس السابق الثائر عبد الحليم خدام. إلا أنه الآن، وبعد انسحاب البيانوني في الربيع الماضي من جبهة الخلاص الوطني التابعة لخدام، لم يعد التقارب مع دمشق، التي ما زالت العضوية بالإخوان فيها عقوبتها الإعدام من الناحية النظرية، أمرا مستبعدا. ولكن هل يعد استمرار الأسد في محاولة احتواء البيانوني بعد ما يقرب من ثلاثين عاما في المنفى، مؤشرا على ما تتمتع به جماعة الإخوان من جاذبية راسخة في سوريا؟ أم أنه بادرة على الضعف من جانب الإخوان الذين يبحثون عن كسب مصداقية بالداخل بعد سنوات من المؤازرة غير الرشيدة لشخصية خدام غير المرغوب فيها وبعد سنوات من النفي؟
وبالرغم من أنها يرد ذكرها مقترنا بنظرائها في مصر والأردن وفلسطين، تظل جماعة الإخوان في سوريا منظمة إسلامية مختلفة تماما، ويجب أن تأخذ أي محاولة لفهم تطورها المستقبلي ماضيها بخصوصيته الشديدة في الاعتبار.
لقد قضت جماعة الإخوان السورية الثلاثين عاما الماضية في المنفى، بينما وصلت جماعة حماس في فلسطين إلى السلطة. كما أن جماعة الإخوان بمصر أصبحت حركة قوية معارضة للحكومة، وبالمثل تم احتواء جبهة العمل الإسلامي الأردنية باعتبارها “معارضة موالية”.
وعلى الرغم من أن جماعة الإخوان السورية قد تأسست في أواخر الثلاثينيات، مستلهمة روحها من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فإن الجماعات السياسية السورية الأخرى ظلت هي الظاهرة على السطح حتى أوائل الستينيات، عندما شنت الجماعة حملة مقاومة ضد نظام حزب البعث الجديد. وقد أدى هذا إلى اندلاع مواجهة عنيفة في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، قوبلت بعنف من جانب نظام الرئيس الأسد، حيث أسفرت المذبحة التي ارتكبتها الحكومة في مدينة حماة في عام 1982، عن مقتل ما لا يقل عن 10000 شخص، وكانت هذه بمثابة نهاية لقوة جماعة الإخوان المسلمين في سوريا.
ومع ذلك، فإنه من الخطأ النظر إلى الفترة اللاحقة التي قضتها جماعة الإخوان السورية في المنفي، على أنها كانت فترة اجتمعت فيها الجماعة على رؤية واحدة. فمنذ انتخاب البيانوني قائداً للجماعة في عام 1996، مضت الجماعة تدريجيا نحو تبني موقف أكثر ديمقراطية. فقد رفضت الجماعة العنف في إطار ميثاق “الشرف الوطن” الذي تم إعلانه في لندن في عام 2001، كما رفضت التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية، وأعلنت أن هدفها هو أن تصبح سوريا دولة ديمقراطية حديثة تقوم على التعددية الحزبية.
وعلى الرغم من أن بشار الأسد بعد وصوله إلى السلطة في عام 2000، قد أطلق سراح العديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، في أثناء الفترة المعروفة بـ “ربيع دمشق” والتي لم تستمر طويلا، فإن رفضه المستمر رفع الحظر المفروض منذ عام 1980، على عضوية جماعة الإخوان، قد أبقى البيانوني في المنفي. وقد أدى الضعف الملحوظ لنظام الأسد بعد حرب العراق في عام 2003، والانسحاب من لبنان الذي حدث في عام 2005، إلى تزايد المعارضة داخل وخارج سوريا، وهي المعارضة التي لعبت فيها جماعة الإخوان المسلمين دوراً بارزاً.
فقد تحالفت جماعة الإخوان المسلمين مع ائتلاف متنوع من اليساريين والليبراليين والبعثيين السابقين، والقوميين الأكراد من خلال توقيعها على إعلان دمشق الداعي إلى الإصلاح السياسي في سوريا عام 2005. ويعد هذا موقفاً بعيداً كل البعد عن العنف والاتجاه المحافظ الذي اتسمت به الجماعة في الثمانينيات. وكان الدافع وراء هذا الموقف على ما يبدو هو رغبة الجماعة في الاعتدال والترويج لنفسها كبديل حقيقي لنظام الأسد، الأمر الذي دفع البيانوني إلى الارتماء عام 2006، في أحضان عبد الحليم خدام، عضو حزب البعث السابق، والذي كان من غير الممكن أن يتحالف معه لولا ذلك.
إذًا كيف يمكن تفسير التغيير الكلى الذي حدث في موقف البيانوني، وما السر وراء التقارير التي تفيد بأن الجماعة تقوم بفتح قنوات خلفية جديدة مع دمشق؟ وفقا لما ذكره محمد سيد رصاص في صحيفة النهار، فإن التغيير الذي حدث في الظروف الإقليمية منذ عام 2006، كان أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا التغيير في موقف الجماعة. فمن ناحية، أدى تراجع أجندة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط التي تبناها الرئيس بوش، إثر الحرب التي نشبت بين إسرائيل وحزب اللـه في عام 2006، إلى حرمان التحالف بين جبهة الخلاص الوطني والإخوان المسلمين من الدعم الخارجي؛ وقد كان مخططاً لهذا التحالف من أعضائه أن يطيحوا بالرئيس الأسد. وفي الوقت نفسه، فإن موقف الرئيس أوباما الذي اتسم بكونه أكثر تفهماً واستيعاباً للأمور وحملات حزب البعث الناجحة لفرض النظام في الداخل، جعلت النظام يبدو أكثر أمناً مما كان عليه قبل ثلاث سنوات.
وفي سياق مماثل، أوضح جوش لانديس، الخبير في الشئون السورية، أن عبد الحليم خدام قد أخفق في تحقيق ما وعد به البيانوني. فهو لم يستطع أن يجلب معه رفقاء آخرين من المنشقين عن النظام، ومن ثَم لم ينجح في زرع الشقاق داخل حزب البعث الحاكم، كما لم ينجح أيضا في الحصول على دعم خارجي من المملكة العربية السعودية أو لبنان أو الولايات المتحدة، وهي الدول التي كان يأمل في أن يقنعها بتقبل جماعة الإخوان المسلمين .وعلى رأس هذه العوامل، تأتى الخلافات الشخصية بين الزعيمين، والتي لم تساعد على تحسين الأمور.
وقد وصلت هذه الخلافات إلى ذروتها مع الصراع الذي حدث في غزة في أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009، حيث دعّم خدام مصر في مواجهة الدعاية الإيرانية-السورية، بينما دعم البيانوني حماس، مثلما فعل معظم السوريين. وقد وصف لانديس خدام، الذي انهارت شعبيته، بأنه قد أصبح بمثابة ‘الأغلال في عنق البيانوني’، حيث إنه لم يعد منه جدوى، وأصبح يشوِّه سُمعة جماعة الإخوان المسلمين.
و لكن.. بالرغم من أن جبهة الخلاص الوطني ربما كانت قد فقدت أهميتها بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فإن إنهاء التحالف مع المعارضة لا يستتبع بطبيعة الحال أن يتصالح البيانوني مع دمشق. ولكن الانتقال السريع للإخوان من جبهة إلى أخرى يشير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تشعر بقلق كبير بخلاف ما قد يعتقده الكثيرون.
وبالرغم من الاعتقاد السائد على نطاق واسع، خاصة بين العلمانيين، بأن التدين المتزايد بين السوريين في السنوات الأخيرة من شأنه أن يُترجَم إلى زيادة في الدعم الموجه لجماعة الإخوان المسلمين إذا ما اكتسبت الجماعة شرعية قانونية، فإنه لا توجد وسيلة محددة لقياس مقدار الدعم الذي تحصل عليه الجماعة من الناس في الوقت الراهن.
وبالنظر إلى أن الجماعة ظلت لفترة طويلة في الخارج أو تعمل بشكل سرى، وإذا ما أخذنا في الاعتبار الشيخوخة التي أصابت قيادات الجماعة، ربما يخشى البيانوني من توجه جيل الشباب نحو جماعات أخرى إذا لم تنجح جماعة الإخوان في إعادة توطيد أركانها في سوريا سريعاً. فأعداد المنافسين لجماعة الإخوان المسلمين تتزايد بسرعة، خاصة مع تكاثر أعداد المساجد الشيعية والوهابية في السنوات الأخيرة، إلى جانب الجماعات الجهادية التي تتسم بالعنف وتعمل بشكل سرى. وقد يشعر البيانوني بأن التسوية مع النظام هي الوسيلة الوحيدة الممكنة لإعادة بسط الهيمنة السابقة للإسلاميين السوريين، خاصة بعد وقوع كارثة دعم خدام، وبعد أن أصبح الأسد أقوى من ذي قبل. كما أن البيانوني قد يشعر بأنه لم يعد هناك وقت لتأمين إرثه ومستقبل جماعة الإخوان المسلمين، خاصة أنه قد أصبح الآن في السبعينيات من العمر، ومن المحتمل أن يتقاعد في عام 2010، بعد انتهاء فترته الحالية من منصبه كأمين عام للجماعة.
وهكذا يأتي عام 2009، ليشهد مساومة بين البيانوني وبين نظام الأسد من موضع ضعف. وسواء أكانت هذه المحادثات ستؤدى إلى حدوث مصالحة دائمة أم لا، فإن هذا سيتوقف على مدى استعداد الإخوان لتقديم تنازلات. وبينما قد ترحب دمشق بفرصة استمالة جماعة الإخوان المسلمين، وتحويلها إلى نوع من “المعارضة الموالية”، مثل جبهة العمل الإسلامي في الأردن، حيث يمكن لدمشق أن تستخدمها كوسيلة لتوجيه المقاومة الإسلامية والسيطرة عليها، فإنها لن تقبل أبدا مثل هذا النوع من الشبكات القاعدية واسعة النطاق، كتلك الموجودة في مصر أو، وهو الأسوأ، كتلك الموجودة في فلسطين. وقد تنجح هذه المحادثات، إذا ما شعر البيانوني بأن السبيل الوحيدة هي عودة الجماعة للخضوع للنظام. أما إذا ما تمسك بمطالبه فسوف تستمر جماعة الإخوان المسلمين في قضاء مستقبلها القريب في الخارج.
: المجلة
كريس فيليبس – باحث في مركز السياسة الخارجية _لندن وصاحب عمود عن سياسات الشرق الأوسط بجريدة لجارديان الإلكترونية