السعوديّة في ظلّ السياط
ستيفان شوارتز*
كما أصبح معلوماً، تملك المملكة العربية السعودية خصائص فريدة. فالسعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي سمي وفق اسم «مالكيها»، آل سعود. هي البلد الوحيد في العالم الذي يمنع نساءه من القيادة في الطرق العامة. هي فريدة من نوعها أيضاً في سياساتها الثقافية التخريبية، التي يمليها فهم الدولة الأصولي للدين الإسلامي، أي الوهابية، التي أدت إلى إخفاء كل التراث المعماري والهندسي لما قبل الإسلام، إضافة إلى هدم تماثيل وصروح تعود إلى عصور الإسلام الأولى.
لكنّ السعودية تتميز أيضاً بنظام العقوبات الذي ينتج غرائب فريدة من نوعها. في 24 تشرين الأول، حكمت محكمة شرعية على الصحافية السعودية روزانا اليامي (22 عاماً) بالجلد 60 مرة في مركز جدة التجاري. جريمتها المزعومة كانت غامضة للغاية: اتهمت بالعمل في المحطة التلفزيونية اللبنانية (lbc). رغم أنّ lbc لديها دعم مسيحي لبناني، إلا أنّ القسم الأكبر من المحطة مملوك من الأمير السعودي الوليد بن طلال، الذي يشمئز منه معظم الأميركيين اشمئزازاً مبرراً. كان هو الأمير السعودي الذي رفض رودي جولياني علناً تبرّعه بعشرة ملايين دولار بعد 11 أيلول، وهو يتبرع أيضاً للجمعية الإسلامية الشمال أميركية (isna) الراديكالية. لكنّ الوليد وقف أيضاً وبشكل علني مع الحملة المزعومة للإصلاح التي أطلقها الملك السعودي عبد الله.
بعد يومين من النطق بالحكم، أي الاثنين في 26 تشرين الأول، «أعفي» عن وزانا اليامي وألغى الملك عبد الله عقوبة الجلدات الستين. في الواقع، هناك أحداث مثيرة للفضول في هذه القضية. هددت اليامي بعقاب جسدي، وفقاً للإعلام الغربي، لأنّ lbc، رغم أنّها مملوكة سعودياً، تفتقر كما يقال لإجازة بالبث في البلاد. وفي أيلول، اضطرت lbc لإغلاق استوديوهاتها في جدة والرياض خلال قضية مماثلة في سخافتها في «العدالة» السعودية. في هذه القضية، ناقش الشاب مازن عبد الجواد، وهو موظف في شركة الطيران السعودية، مطلّق وله أولاد ويبلغ من العمر 32 عاماً، ناقش حياته الجنسية النشطة في مقابلة مع برنامج «أحمر بالخط العريض» على lbc. أمر جواد في بداية تشرين الأول بالخضوع لألف جلدة والمكوث في السجن لخمس سنوات عقاباً على صراحته. بالإضافة إلى ذلك، عوقب ثلاثة من أصدقائه بسنتين في السجن و300 جلدة. الملك عبد الله لم يتدخل في قضيتهم.
حكم على مصوّر lbc الذي صور المقابلة مع جواد بالسجن لمدة شهرين. يشي ذلك بأنّ محاكمة روزانا اليامي، وهي منتجة برامج غير متورطة مباشرة في حلقة «المتبجح بالجنس» كما عرفت الحلقة في الإعلام العربي، كانت انتقاماً من lbc. واجهت اليامي برزانة احتمال تعرضها لستين جلدة، معلنة أنّها لن تستأنف الحكم وأنّها خائفة من عقاب أشد في حال إعادة المحاكمة.
كلّ هذا إشارة لدى المنشقين السعوديين إلى أنّ ما اتخذ من تدابير بحق الصحافية يتعلق بالخطوات نحو الإصلاح في المجتمع السعودي أكثر مما يتعلق بالبرنامج الذي تناول رجلاً يتبجح باصطياد النساء وصدم رجال الدين الوهابيين الذين يديرون محاكم الشريعة. ترتبط lbc بشركة الوليد الإعلامية روتانا، التي اختبرت القواعد «الأخلاقية» القمعية التي يطبقها الأخ غير الشقيق للملك عبد الله، ولي العهد السعودي، نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، الأمير نايف الذي كان أول شخص من العائلة المالكة السعودية يلقي باللوم على إسرائيل في أحداث 11 أيلول. أنتجت روتانا فيلماً كوميدياً عنوانه «مناحي» عرض أمام جمهور جدّة المتحمس في تموز الماضي. لكن ما يسمى بـ«دوريات الأخلاق» السعودية أو المطاوعة، بقيادة الأمير نايف، منعت الفيلم وألغت مهرجان جدة السينمائي. السينما ممنوعة في السعودية، التزاماً بالعقيدة الوهابية.
تظهر السعودية باطّراد تناقضاتها الداخلية. لكن قلّما يكون لها الوقع الشعبي أو التغطية الإعلامية العالمية، كما هي تظاهرات المعارضة في إيران. وكما أشرنا هنا، في «الويكلي ستاندرد» منذ سنتين، حاول الملك عبد الله محاسبة «دوريات الأخلاق» على اعتداءاتها العنيفة التي تقتص من العامة، وأعلنت وسائل الإعلام السعودية مراراً أنّ المطاوعة سينالون تدريباً لتحسين نزعاتهم السادية. كلّما يعلن عن هذه التدابير، يتراجع الأمير نايف قليلاً ثم يعود المطاوعة بقوة وسلطة وحصانة أكبر من ذي قبل.
رغم ذلك، كان هذا موسماً حافلاً للمصلحين وأعداء الإصلاح على السواء في المملكة السعودية. في بداية تشرين الأول، أقال الملك عبد الله رجل الدين الوهابي المهم سعد ناصر بن عبد العزيز الشثري من مهماته في أكبر هيئة دينية في البلاد. الشثري انتقد مشروع الملك المفضل، جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست) التي كلفت مليارات الدولارات وافتتحت في أيلول قرب جدة. أثارت الجامعة التي بُنيت باستقلالية عن رجال الدين، إدانة من الوهابيين لأنّها تحتوي على صفوف مختلطة من الجنسين، كما لن يطلب من النساء ارتداء النقاب فيها وسيستطعن أيضاً القيادة في الحرم الذي تبلغ مساحته 15 ميلاً مربعاً. بالإضافة إلى ذلك، مُنع المطاوعون من دخول الحرم. طالب الشثري بالسماح للجان شرعية بالتأكد من المناهج التدريسية في الجامعة وعدم انحرافها عن المعايير الوهابية. وفي الوقت الذي توسل رجال الدين المتشددون ومناصروهم نايف للتدخل وانتقاد «فساد» الجامعة الجديدة، بقي ولي العهد صامتاً. يبدو أنّه لا يستطيع التعرض علناً لمشروع الجامعة الذي يحميه ويدافع عنه الملك كثيراً. لكن بعض السعوديين يعتقدون أنّ ضربة مضادة ضد الجامعة آتية لا محالة.
هذه المصادفات التي تتناول فيلماً ممنوعاً، إغلاق مهرجان سينمائي، جامعة بقواعد جديدة، وخلافاً حول برنامج تلفزيوني يتناول الجنس، هي عوارض تنبئ بأنّ الصراع الخفي بين الملك عبد الله وولي العهد الأمير نايف تحول إلى الثقافة والتعليم. وهي قطاعات يشعر السعوديون بأنّهم مطمئنون حين ينتقدون عبرها الوهابية ومحرماتها كما يطبقها المطاوعة. يمكن أن يكون الوليد في النهاية، يقامر بكسب المزيد من المال عبر الخضوع لمشيئة الجمهور بالتغيير، أكثر من رغبته بالقطع مع موقف نايف المتشدد. لكنّه يعرف حدود تصرفاته: LBC قررت عدم بث «أحمر بالخط العريض» خارج لبنان…
الصراع الخفي بين الملك عبد الله وولي العهد الأمير نايف تحول إلى الثقافة والتعليم
يشكك البعض في رغبة الملك عبد الله بتحويل السعودية إلى بلد عادي في الحد الأدنى، إذا شئنا القول. لكن شعبيته مرتفعة جداً بين السعوديين العاديين، وما دفاعه عن جامعته وحمايته روزانا اليامي من الجلد إلا إشارتان، صغيرة وكبيرة، إلى هذه الحقيقة. لكن خطواته نحو التغيير، عدا مشروع «كاوست»، تبدو أحياناً خاطئة. ففي حادثة أخرى في نهاية أيلول، رعى الملك السعودي «لقاءً دولياً بين الأديان» جديداً في جنيف. وكان لقاء مماثل قد حصل سابقاً في مدريد شارك فيه عدد أكبر من الناس، انتهى على نحو غير حاسم. لكن «حوار» مدريد تضمّن مشاركة نازي جديد أميركي هو وليام بايكر، مع حاخام أميركي يدعى أرثر شناير.
ظهر بايكر أيضاً في لقاء جنيف، مع الحاخام ستيفن جاكوبز من لوس أنجلس والمفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ناوانتم بيلاي. ترك الملك عبد الله مهمة تنظيم هذه اللقاءات بيد «رابطة العالم الإسلامي»، وهي منظمة شبه رسمية كانت مسؤولة لفترة طويلة عن الدعوة الوهابية العالمية، وحقق في شؤونها مراراً بعد شكوك بتمويلها للقاعدة.
أي إصلاح حقيقي في السعودية سيكون ذا نتائج إيجابية في كلّ العالم، ليس أقلها تقويض الدعم لتقدم الإسلام الراديكالي في باكستان وأفغانستان، حيث المال السعودي يدعم الاعتداءات الجهادية. لكن كلما بقيت السعودية وشعبها تحت ظل السياط، السلطة الوهابية، ومؤسساتها الرسمية وتلك التي على هامش الدولة، ستنتهي الأحلام بالتقدم إلى مزيد من الألم والمآسي والنشر المستمر لعقيدة الكره. حماية النساء السعوديات المتعلمات من النقاب ومن عقوبة الجلد واعدة، لكن جهود الملك عبد الله أعيقت من قبل. التحوّل في السعودية يجب أن يُدفع إلى ما بعد مراحله الأولى. أيها الملك عبد الله، مزّق هذا الحجاب!
(ترجمة ديما شريف)
* عن «ذا ويكلي ستاندارد» ـــ مجلة أسبوعية أميركية تتحدث بإسم المحافظين الجدد وتعبّر عن آرائهم