الاستبداد يستجلب الاغيار الغزاة الى الداخل
طيب تيزيني
ثمة ملاحظة يمكن تسجيلها في معظم العالم العربي, وهي هيمنة حالة من الاستبداد, التي تُفصح عن نفسها بصفة “الاستبداد الرباعي”, وهي ما كتب عنها عبد الرحمن الكوابي, من دون ان يكون قد فككها الى عناصرها الكبرى.
وقد كتبنا في سياق آخر ان هذا الاستبداد المتمثل باستفراد السلطة والثروة والاعلام والحقيقة, يضعف واقع الحال في العالم العربي عبْر غياب الرقابة والمشاركة وابقاء الامر في ايدي ثلة من اهل الامر, فتغيب آليات الدفاع الذاتي, ويغدو البلد المعْني قابلا للاستباحة على ايدي أرْهاط متنامية من الفاسدين, الذين اصبحوا – شيئا فشيئا – جزءا مكينا من السلطة السياسية والاخرى التشريعية والثالثة التنفيذية. ويمكن القول هنا – بمقتضى علم الاجتماع العمراني, الذي ارهص به العلامة ابن خلدون ووضع بعض اسسه كما اكتشف بعض المفاهيم التي يشتغل عليها وبها, ومن ذلك مفهوم الفساد, الذي نظر اليه مُنتجاً للخراب.
ويكاد ابن خلدون قد يكون وضع يده على النمط الآخر من النتائج الحاسمة والكبرى التي يمكن ان ينتجها الاستبداد السياسي وما يقتضيه من استفراد بالمرجعيات الاخرى, نعني النتيجة المتمثلة باستدراج القوى الخارجية الطامعة او باثارة الطمع لديها للتدخل في البلد, الذي تحول الى “غنيمة” يقتتل عليها الفاسدون المفُسِدون المفُسَدون, فالجيوش والفرق العسكرية والمستويات المتعددة من “الحرس – حرس القصر” تجدها تلاشت مع الضربات المُحكمة الاولى, التي يوجهها اولئك الذين يجاورون حدود البلاد من بُعد من قرب, فهؤلاء يتلمّظون بأفمامهم رغبة في الدخول في بلد يجسد في نظرهم لقمة سائغة او يمكن ان تصبح سائغة, من هنا كان امر السيادة الوطنية لبلد ما مرشحا للتفكيك والسقوط اذا ما هيمن الاستبداد الرباعي في هذا البلد.
والامر ليس بعيدا عن واقع الحال, الذي انتهينا اليه في شأن السيادة الوطنية لبلد عربي ما. اننا نعتقد ان مثال العراق في سقوطه السريع والمدوي والمأساوي, سيبقى خزانا لا ينفد امام الاستراتيجيين والدارسين من مختلف العلوم السياسية والاجتماعية والعسكرية وغيرها. وقد كان كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة على غاية المراوغة والذكاء, والادراك لما كان يأخذ مداه من احداث عالمية واقليمية عظمى, حين وقف امام محطات التلفزة المختلفة في اليوم التالي على سقوط بغداد بأيدي جيوش الاحتلال الامبريالي العولمي, وقال: على دمشق ان تُتقن الدرس البغدادي! ولعله كان يريد ان يقول اكثر من ذلك: على العواصم العربية ان تتقن الدرس البغدادي!
ان السنوات القليلة المنصرمة تقدم تجربة غنية هائلة حول ما ينبغي على العرب ان ينجزوه في دواخل بلدانهم اولا واولا. ولا بد ان يدركوا ان ضرورات الاصلاح الوطني الديمقراطي انما هي مسألة حاجة ملحة بالاعتبار التاريخي ليس بالنسبة الى دواخلهم المذكورة فحسب, وانما كذلك في جعل الجوار القريبين والبعيدين يقتنعون حقا بأن البلدان العربية تمثل هدفا مستحيل المنال بالنسبة اليهم. وهذا يضع يدنا ثانية على اهمية وخطورة جدلية الداخل والخارج.
العرب اليوم