صفحات العالم

«أخْوَنة» العالم العربي

حسام عيتاني
لا يستفيد من الاعتقالات الدورية التي يتعرض لها «الإخوان المسلمون» في مصر، وآخرها ما جرى قبل ايام في ميت الغمر، سوى الجماعة ذاتها. فالنوع هذا من الاضطهاد يشكل مدرسة في تصليب عود الأحزاب الايديولوجية ويعزز ترسانة وسائل تعاملها مع السلطة، بحسب رأي رائج في أوساط الحزبيين.
ومضايقة من هنا وإزعاج من هناك للحزب المعارض الأكبر في مصر، أمور لن تؤدي في عيون «الإخوان» وأنصارهم، الى تكبيل نشاطاتهم بل ستساهم في تحسين صورتهم عند عموم المواطنين الذين يراقبون ترهل السلطة وأجهزتها، فيما تقترب الانتخابات التشريعية والرئاسية في مصر. المضايقات السابقة لم تحل دون التوصل الى «صفقة» بين «الاخوان» والحكم ضمنت للتنظيم الاسلامي حصة معلومة من مقاعد مجلس الشعب، على ما جاء في المقابلة الصحافية الاخيرة لمرشد «الاخوان» محمد مهدي عاكف.
أبعد من المطاردات السياسية التي تسدي خدمات غير مباشرة للمُطارَدين، يمكن الحديث عن نمط من الممارسة «السياسية» نشره «الاخوان» في مصر في العقدين الماضيين، وعممه نظراء لهم وأشباه في انحاء العالم العربي. واذا جرى تجاوز لائحة «القضايا» التي يثيرها نواب «الاخوان» امام البرلمان المصري والتي يتعلق أكثر بنودها بشؤون شخصية او عامة لفنانين وبكتابات صحافية وأدبية وبفتاوى ملتبسة، فإن ذلك يشير ليس الى ضيق افق الجماعة وسعيها الى فرض قيمها فرضاً على المجتمع فحسب، بل ايضاً الى فهم قاصر للمعنى الواسع للسياسة.
ويمكن ايراد امثلة كثيرة عن الأضرار التي يلحقها سيل من «الدعاة» التلفزيونيين الذين يكادون لا يختفون عن شاشة حتى يظهروا على أخرى، والذين يبدون وقد قبضوا على منظومة السلوك والقيم السائدة في مصر ومن بعدها في العالم العربي، خصوصاً أن جل هؤلاء من أنصاف المتعلمين الذين يشكلون «الطليعة» الفكرية لـ «الاخوان». هذا النوع من العظات الذي يدمج النزعة الاستهلاكية الحالية بفهم قاصر ومجتزأ للتراث، يعيق إعاقة شديدة أي سعي نهضوي وحديث مرتكز، وهو سعي تحتاج الشعوب العربية والاسلامية اليه أشد الحاجة وأمسها اليوم.
وتبدو قصيرة المسافة بين أجواء الثقافة والاجتماع التي تُسرّ «الاخوان» وتريحهم وبين مناخات السياسة التي يريدون. وهذه تظهر بمظهر العصي على الفهم والإدراك اذا وضعت قلة فاعليتها وضآلة تأثيرها في مقارنة مع سطوة الجماعة ونفوذها في اوساط الاهل (او «المجتمع»). تشي المقارنة تلك بافتقار «الاخوان» الى برنامج سياسي واقتصادي يرفد سهرهم على ما يعتبرونه فضائل وحرصاً على أخلاق العامة.
واذا كان ما قاله محمد مهدي عاكف عن الصفقة التي ضمنت الحصة التي نالها التنظيم من النواب في مجلس الشعب وعن تلاقي رغبته مع رغبة الأجهزة الأمنية في عدم «الشوشرة»، ليس مفاجئاً، فليس مفاجئاً – بالقدر ذاته – عدم انتقال «الاخوان» الى حيز المعارضة الصريحة للحكم على رغم كل ما يبدو على السطح من تعارض بينهم وبينه. فالأمر الواضح في المقاربة هذه هو ان التنظيم لا يعلم تمام العلم كيف يصوغ سياسات تتجاوز الاعتراض الموضعي على هذه المسألة او تلك وهي في إجمالها لا تزيد عن الموقف المندد باستعراضات المغنية بيونسي نولز او بمغنيات عربيات شكّلن مادة دسمة لمداخلات نواب «الاخوان» في الأعوام الماضية.
ترك السياسة والانصراف الى النوع هذا من الاعتراض «الأخلاقي»، ينبئ في العمق عن خواء البرنامج الذي يدعو «الاخوان المسلمون» اليه. مصر عينة واحدة، لكن لمواقف «الاخوان» وارائهم مقلدين على طول العالم العربي وعرضه.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى