صفحات العالم

رقص على حافة كارثتين !

راجح الخوري
خاض الحوثيون ست “حروب” خلال خمسة أعوام ضد النظام اليمني الذي سجّل فشلاً ذريعاً ودائماً في معالجة الأمور وانهاء المواجهات المسلحة التي تنذر باستنزاف مؤلم وطويل مثل كل الحروب الأهلية.
كل تلك الحروب كانت بمثابة عود ثقاب يشتعل عند حافة “برميل النفط”. ولكن بعدما نقل الحوثيون عملياتهم على طريقة حرب العصابات، الى داخل الاراضي السعودية، بات الأمر مختلفاً تماماً. انه يشبه محاولة إشعال حريق كبير فوق خزّان النفط الأكبر.
لهذا لم يكن غريباً ان تلجأ السعودية الى الحزم وحسم الموقف سريعاً بدفع الحوثيين الى خارج أراضيها، ليس لأنها تخوض حرباً دفاعية مشروعة فحسب بل لأن اتساع رقعة المواجهة في مسلسل الجبال الوعرة والصعبة بين اليمن والسعودية، يوفر البيئة الملائمة لتحرك “القاعدة” التي سبق ان تلقت ضربات حاسمة وموجعة من قوات الأمن السعودية، والأخطر من هذا انه يتيح للنظام الايراني إشاعة الفوضى المسلحة في منطقة الخليج.
كان من المفترض ان ينظر الرئيس علي عبد الله صالح جنوباً، وتحديداً الى الصومال، ليرى بالعين المجردة ان القرن الافريقي يقف عند حافة الاشتعال وان الشواطئ الممتدة جنوباً صارت مسرح مواجهة دولية، ليس بسبب اعمال القرصنة وحدها، بل بسبب الحسابات الاقليمية والدولية، ولكنّه لم يفعل. وهو في مواجهة الحوثيين واتساع حركة المطالبة بالانفصال في عدن جنوباً، قد يجد ان “العدوى الصومالية” انتقلت الى اليمن السعيد (!) اذا حصل مثل هذا، فيمكن القول ان هناك من رفع الغطاء عن بئر الافاعي في المنطقة كلها.

الفرق بين الرؤية السياسية في صنعاء وفي الرياض كبير جداً. ولهذا يمكن فهم القوة السريعة والثقيلة التي واجهت اختراق الحوثيين اراضي المملكة. فالرياض تعرف تماماً، أن من غير المقبول او المسموح، ان تقع بين فكي كماشة نارية تستطيع ايران تحريكها شمالاً في العراق وجنوباً في اليمن.
وعندما تتحدث الانباء عن حرص السعودية على اقامة عمق آمن يمنع تسلل الحوثيين الى داخل أراضيها، يمكن فعلاً فهم خطورة اللعب الايراني بالنيران الحوثية. فقد استمرت طهران في نفي كل الاتهامات التي وجهها اليها الرئيس اليمني، بأنها تسلح الحوثيين وتحركهم، الى أن تحدث وزير خارجيتها منوشهر متكي فتأكد عملياً ان طهران هي التي تنفخ في النيران فوق بحيرة النفط، مراهنة على أمرين:
❒ أولاً: أن تكتسب بقوة التأزيم دوراً اقليمياً ومحورياً طالما طالبت العالم به. وفي هذا السياق كان مثيراً تماماً ان يحذر متكي دول المنطقة، وهي دول عربية أبرزها السعودية من التدخل في شوؤن دولة عربية أخرى هي اليمن(!) ثم ما لبث ان دعا الى قيام “جهد جماعي” لتسوية المشكلة بما يعطي ايران دوراً في بتّ قضايا الخليج واليمن.
والمثير أكثر هو توجيه متكي إنذاراً صريحاً الى الدول العربية الخليجية، اذ قال: “ان من يختارون صبّ الزيت على لهب الصراع سيحترقون بنيرانه”. مع أن من يستغلّ نار الحوثيين ويصبّ النار عليها هو إيران، التي تمدهم بالسلاح والمال وحتى بالدعم الاعلامي على ما ظهر في الاسبوعين الأخيرين.
❒ ثانياً: واضح تماماً ان الانخراط الايراني في خلفية الصراع الدائر، ثم الكلام الناري الذي اطلقه متكي، يشكلان رسالة ساخنة الى أميركا ودول الغرب.
ان فحوى هذه الرسالة لا يحتاج الى شرح، لأن طهران التي تواجه عملية عضّ على الأصابع مع الدول الغربية في المسألة النووية، وترتفع في وجهها تهديدات بتشديد العقوبات عليها وحتى باللجوء الى العمل العسكري، تريد ان تُفهم هذه الدول أنها هي أيضاً تملك القدرة على إلحاق ضربة مميتة بالعجلة الصناعية الغربية، من خلال إشعال النار في بحيرة النفط الخليجية.

وفي هذا السياق يكفي ان ينظر المرء الى الخريطة ليكتشف ان المساحة الممتدة من مقديشو في الصومال الى دائرة الحرب على الحدود اليمنية – السعودية، هي أشبه بنار تشتعل تحت منطقة الخليج العربي الذي يبدو مثل قدر يغلي.
لكن ما هو أخطر من التلويح بإشعال النفط، استمرار المناورة عند حدود الفتنة المذهبية الكبرى بين السنّة والشيعة، وعندها يفترض ان تتسع نظرة الذعر الى الخريطة. لأنه إذا وقعت الكارثة أو المأساة الكبرى لا سمح الله، فإنها ستعم النصف الشمالي من قارة افريقيا والنصف الجنوبي من قارة آسيا.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى