إن شاء الله
سعد محيو
“حكومة الوفاق الوطني” في لبنان؟ بل قل “حكومة الوفاق الإقليمي والدولي”، أو حكومة المصالح الاقتصادية الضيّقة، أوحكومة المساومات الطائفية ما قبل التاريخية.
هذا قد يبدو حكماً قاسياً على وزارة لاتزال جنينية، خاصة أن على رأسها رئيس شاب لم يتجاوز العقد الثالث ويبدي حماسة فائقة في تحويل حكومته من إدارة الأزمات إلى بناء الدولة (على حد تعبيره).
ربما كان هذا صحيحاً. لكنه حكم واقعي.
فالقاصي قبل الداني يعرف أن هذه الحكومة لم تكن لتولد لولا القمة التي عُقدت في دمشق أوائل الشهر الماضي بين الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز وبين الرئيس السوري بشار الأسد، وتم خلالها الاتفاق على إعادة توزيع الحصص والأنصبة والأصول في بلاد الأرز.
والقاصي قبل الداني عرف بمشيئة الرئيس الأسد بأن يتم تشكيل الحكومة قبل قمته المرتقبة مع الرئيس الفرنسي ساركوزي، لأنه يعرف أن هذا الأخير سيستخدم الحكومة ورقة ضغط ضده.
أما بالنسبة إلى “وفاق” المصالح الاقتصادية والمساومات الطائفية فجاء دورها بعد الوفاق الدولي والإقليمي. وهذا أمر بديهي. إذ كيف يمكن أن يتم “اقتسام الجبنة” (وفق التعبير الشهير لرجل الدولة الوحيد في تاريخ لبنان فؤاد شهاب) بين الأصهر والأعمام والخلان، فيما الطباخون في الخارج لما يتفقوا بعد على طهيها؟
ثم: أزمة التشكيل الوزاري التي دامت أربعة أشهر و12 يوماً، كشفت مدى الفجوة الكبرى التي باتت تفصل بين السياسة والسياسيين وبين المواطنة والمواطنين في لبنان. فالأوائل في زحل والأخيرون في المريخ.
الأوائل لايقيمون وزناً للديمقراطية والانتخابات الديمقراطية، لأنهم يعرفون أنهم وصلوا إلى جنّة الطبقة الحاكمة على طبق فضة إقليمي ودولي، فيحتقرون ناخبيهم الداخليين ويُقدّسون أربابهم الخارجيين. والأخيرون أصبحوا “لاسياسيين” أو معادين للسياسة. لكن ولأن معظمهم ينتمي إلى “مزرعة أوريل” الطائفية والمذهبية، سرعان ما يقبلون ما قَبِلَ به قادتهم “المُنتَخَبُون” طالما أن هذا سيكون نكاية بالطوائف الأخرى.
أما السياسة الحقيقية، بما هي علم الصراع الخلاّق على السلطة من أجل الأفضل، فقد توقّف قلبها عن النبض في لبنان بعد أن بدا للجميع لفترة وجيزة بين عامي 2005 و2008 أن هذا “البلد الصغير جغرافياً المهم دولياً”، على حد وصف ميترنيخ، بدأ للمرة الأولى منذ استقلاله مسيرته نحو السياسة الحقّة والديقراطية الحقّة.
هذا هو لبنان، سيسارع الكثيرون إلى القول. هكذا كان منذ أن وُلدت متصرفيته في حضن الدول الأوروبية في منتصف القرن التاسع عشر، ثم في الحضن الفرنسي في عشرينات القرن العشرين، ثم في الحضن الأمريكي – السعودي – السوري العام 1989. لابل هكذا كان حتى إبان العهد العثماني طيلة أربعة قرون، حين كان السلاطين يحكمون قبضتهم على الجبال العصّية عبر اللعب على تناقضات الجبليين.
وطالما أن هذا الذي كان هو الذي يحدث الآن بحذافيره، فلماذا إذاً الشكوى و”النق”؟
لسبب كبير ومهم ومنطقي: تخثّر السياسة وجمودها في هذا البلد لايراوح طويلاً في مكانه السياسي، بل قد ينقلب في أي لحظة إلى انفجارات أمنية مروّعة حالما يرى الطباخون الخارجيون مصلحة لهم في ذلك. وهذا ما يجعل لبنان أشبه بقنبلة موقوتة تنتظر دوماً من يقرر تفجيرها.
حكومة وفاق وطني لبناء دولة المؤسسات؟ إن شاء الله.
الخليج