صفحات العالمما يحدث في لبنان

حكومة اختبارية ؟!

راجح الخوري
ليس من عادة الدول إصدار بيانات الترحيب بتشكيل الحكومات في الدول الاخرى المستقلة، لهذا ليس كثيرا اذا افترضنا الآن، ان موجة الترحيب والارتياح الدولية والى حد ما العربية، التي قوبلت بها حكومة الرئيس سعد الحريري، تكشف عن وجود احساس ضمني في عدد من العواصم، بأن لبنان كدولة كان مفقودا فوجد، وكان تقريبا ميتا فولد!
ليست هذه المرة الاولى يبرز في ادبيات البيانات الدولية، وجود مثل هذه المخاوف من انهيار الدولة في لبنان. فعندما انتخب الرئيس ميشال سليمان بعد ازمة مفتوحة تشبه الازمة التي سبقت نجاح الحريري في التشكيل، صدرت موجة مشابهة من البيانات. وهذا يعني وفق السيكولوجيا السياسية في بعض الدول، ان هناك من بات ينظر الى لبنان وكأنه يقف على حافة “الصوملة” حيث تحل الفوضى مكان الدولة في الصومال.
ان هذا الامر الخطير يجب ان يقرع جرس الانذار للجميع في هذا البلد السعيد. فاذا كان من حق اي مواطن عاقل ان يشعر بنوع من المهانة عندما يلمس مدى غبطة اميركا وفرنسا وايطاليا والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي والجامعة العربية، بقدرتنا اخيرا على “معجزة” تشكيل حكومة، ونحن البلد الذي نال استقلاله قبل 66 عاما، فان من واجب كل لبناني ان يدرك المعنى المؤذي والمقلق الذي تعكسه نظرة هذه الدول الينا، كبلد يقف على ابواب الفشل بسبب الانقسامات والصراعات بين اهله!
* * *
واذا كان كل هذا يعكس التحدي الكبير وربما المصيري الذي بات يواجه اللبنانيين الذين كلما مضوا في انقساماتهم دقوا مسمارا في تابوت وطنهم، فان البيان المقتضب والمدروس الذي تلاه الرئيس الحريري بعد اعلان تشكيل الحكومة، يمثل بدوره تحفيزا لكل الافرقاء اللبنانيين على الخروج من دائرة الخدمات وطي صفحة الماضي القريب، والبدء فعلا لا تنظيرا، بفتح صفحة الوفاق والعمل في سبيل الوطن.
كان كلامه مجرد تصوير امين للواقع وتظهير صريح للطموح. فبعد خمسة اشهر من معمودية التشكيل المنهكة وسط غرائب السياسة اللبنانية وعجائب التقاطعات الاقليمية والدولية التي تخترقها، كان من الضروري تصوير الامور تماما كما هي. وكل ما قيل وسيقال عن الحكومة سلبا او ايجابا، لن يضيف كلمة الى الوصف الذي قدمه الحريري:
“هذه الحكومة على صورة لبنان الحالي التي تبدو في عيون البعض، صورة للخلافات الطائفية والسياسية، ولكن يجب ان نثبت للعالم انها في عيون اللبنانيين، هي الصورة الواقعية للوفاق الوطني”.
ولأن هذه الحكومة على صورة لبنان في اعين الدول، التي وجدت اننا نستحق التصفيق لمجرد اننا تمكنا بعد خمسة اشهر من الانتخابات من التوصل الى اتفاق على تشكيلها، كما قال بان كي – مون، كان من الطبيعي ان يذهب الحريري الى مصارحة الجميع بان الحكومة هي فرصة لبنان لتجديد ثقته بالدولة ومؤسساتها، فإما ان ننجح في التوافق على ادارة شؤون البلاد، وإما ان نفشل في غياب التعاون الصادق والتنسيق الامين والمشاركة الرحبة، لتزداد احاسيس القنوط من الوطن عند اللبنانيين قبل غيرهم في الخارج.
* * *
ولأن نظرة العالم الى لبنان كما هي الآن لا تخفي القلق الذي عكسته بيانات الترحيب بالتوصل الى التشكيل، يأخذ كلام رئيس الحكومة معناه العميق عندما يقول اننا اليوم “امام اختبار وطني بامتياز”.
طبعا انه اختبار يدعو جميع الافرقاء الى السعي لجعل مجلس الوزراء سلطة تنفيذية حقيقية وفاعلة وليس طاولة للمناكفات السياسية وتبادل الحملات او وسيلة لتعطيل العمل بالدستور والقوانين.
نعم، اللبنانيون امام اختبار دقيق ومهم. فالبلد يقف عند حافة الفشل، وفشل الدول يعني الفوضى. والفوضى تعني شريط المآسي المتناسلة. وليس هناك في هذا البلد من لا يريد الخروج من دوامة الازمة التي تعلك ما تبقى من عافية لبنان.
اذاً ليس المطلوب حكومة تدير الازمة او بالاحرى الازمات، بل حكومة تنطلق من استلهام فعلي لروح الوفاق لتنفيذ الاولويات السريعة التي حددها الحريري في كلمته:
اطلاق ورشة تشريعية كبرى، التصدي للمديونية الثقيلة، اقفال ابواب الهدر والفساد، تحديث الادارة وتطويرها.
انها فعلا ورشة الاختبار الوطني، التي تحتاج فعلا الى تعاون الجميع. وإلا تحولت “حكومة الوحدة الوطنية” ساحة اخيرة للاعلان تكرارا عن الفشل الذي يدمر الدولة والوطن منذ اعوام.
جريدة “المستقبل” عنونت امس: “الحريري مجددا في السرايا”.
صحيح، ولكن هذا يضع وزرا مضاعفا على كاهل سعد الحريري.
فاذا كانت اولى حكومات والده قد رفعت شعار اعادة بناء ما هدمته الحرب، فان اولى حكوماته عليها الآن ان تعيد بناء ما هدمته الانقسامات من ثقة اللبنانيين ببعضهم البعض وبأنفسهم ايضا، والتعمير في البشر اصعب من التعمير في الحجر.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى