أي سياسة خليجية إزاء إيران؟
سعد محيو
أين موقع دول مجلس التعاون الخليجي من المجابهة الإيرانية الغربية الراهنة؟
الصورة لاتزال تبدو ضبابية بما فيه الكفاية. صحيح أن رحيل إدارة بوش ومعها ضغوطها الشديدة على هذه الدول كي تنضم إلى “اصطفاف استراتيجي” ضد إيران، أراح دول المجلس، إلا أن هذه الراحة لم تكن تامة والسبب معروف: استمرار تأرجح العلاقات بين طهران وواشنطن على حبل مشدود تهزّه “إسرائيل” بقوة من طرف، وتتلاعب به من الطرف الأخر قوى إقليمية ودولية لا مصلحة لها في استقرار هذه المنطقة التي حبتها الجيولوجيا بوفرة النفط ونكبتها الجغرافيا بنقص الأمن.
مارينا أوتاوي، الباحثة الأمريكية البارزة في شؤون الشرق الأوسط، تقدّمت مؤخراً بمقاربة جديدة في هذا الشأن ترى أنها تُشكّل مخرجاً لدول الخليج والولايات المتحدة في آن.
المحاور الرئيسة:
أي نهج دبلوماسي فعّال مع إيران يجب أن ينطوي على استراتيجية إقليمية. إذ على رغم أن البرنامج النووي الإيراني هو البُعد الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، إلا أنه ما لم يُعد دمج إيران في شبكة طبيعية من العلاقات الدولية، فمن المرجّح أن يكون أي تقدّم يتم إحرازه على هذا الصعيد قصير الأجل.
يُمكن لجيران إيران، ولاسيما أعضاء مجلس التعاون الخليجي الذين يتشاطرون القلق على أمن المنطقة، أن يكونوا لاعبين مهمّين في عملية إعادة الدمج هذه. صحيح أن دول المجلس الست تخشى الهيمنة الإيرانية في الخليج، إلا أنها تتردّد جداً في تحدّي جارتها الشمالية. ولذا، فهي تسعى إلى تطوير علاقات طبيعية معها، فيما تعمل على حماية مصالحها.
سعت الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف مناهض لإيران بدل الترحيب بتطبيع العلاقات بينها وبين ودول الخليج. لكن هذه السياسة فشلت في الماضي، وستفشل لامحالة في المستقبل. وفي أعقاب الحرب في العراق، لم تَعُدْ دول الخليج تثق في قدرة الولايات المتحدة على توفير الحماية لها، لذلك بات تحدّيها لإيران أقل احتمالاً من ذي قبل. وهنا، ينبغي على الولايات المتحدة أن تقبل هذا التوجه بدل مقاومته. فتطبيع العلاقات بين إيران ودول الخليج من شأنه أن يكون خطوة أولى مفيدة نحو إعادة إيران إلى الحظيرة، مايجعلها شريكاً مسؤولاً في المنطقة، ونحو تطوير المنظومة الجديدة للأمن الإقليمي في الخليج التي يجب أن تُرافق المفاوضات حول برنامجها النووي.
الشق المُتعلّق بدمج إيران في نظام إقليمي خليجي جديد (كذلك الذي اقترحه منذ سنوات عبد الخالق عبد الله في كتابه الذي يحمل الاسم نفسه) يبدو حلماً بعيد المنال هذه الأيام. فالولايات المتحدة ليست في وارد قبوله، و”إسرائيل” قد تُشعل حريقاً هائلاً في كل المنطقة (كما قرب هضبة الكابيتول حيث الكونجرس الأمريكي) لمنع تحققه.
ومع ذلك، يُمكن لدول الخليج العربية أن تُسهّل ولادة هذا النظام بعد حين، إن هي رفعت شعاره كاستراتيجية، ثم انتهجت خطوات تكتيكية صغيرة تصب في طاحونته، على غرار دبلوماسية الندوات، ومؤتمرات الحوار في إطار مراكز الأبحاث والدراسات، ودفع الهيئات الدولية إلى وضعه على جدول أعمالها.
وهذا، على أي حال، أفضل بما لايقاس من حال الغموض والجمود الراهنين. أليس كذلك؟
الخليج
الشروط الأوروبية تصنع المعجزات في تركيا
تحت عنوان “تركيا تنعطف نحو الحداثة” نشرت مجلة “بيزنس ويك” (الطبعة العربية، تشرين الثاني 2009) تقريراً، منه نقتطف:
لا تملك تركيا ملاذاً من الأزمة المالية العالمية. لكنها قد تنجح هذه المرة في تفادي التداعيات السلبية التي تنال غالباً في الأيام العجاف من هذا البلد الحافل بالوعود. وبالنسبة الى الأتراك، فإن الركود يحدث في العادة بالطريقة الآتية: تشهد البلاد طفرة قوية سرعان ما تجد ترجمتها في مستويات التضخّم المرتفعة، وينهار سعر صرف العملة المحلية، ويوشك القطاع المصرفي، الذي يعاني من إدارة ضعيفة والعالق بين فكّي المضاربات والديون الخارجية، على بلوغ شفير الهاوية. لكن تركيا تمتلك في المقابل نقاط قوة عدة، منها اليد العاملة المتعلذمة والموقع اللصيق بأوروبا، كما تحظى بجهاز إداري متطوّر وحديث. إلا أن هشاشة النظام المالي، والأزمات التي قادمت الى حدوث أعمال شغب في العام 2001، حالت دون تموضع تركيا في الصف الأول بين الاقتصاديات الناشئة.
ومن المفاجئ أن الأمور اتخذت منحى مختلفاً في خضمّ الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة. لقد سدّد تباطؤ الصادرات ضربة موجعة للاقتصاد. وفي حين أن المشكلات البنيوية ما زالت قائمة على المستويين السياسي والتنظيمي، نجح النظام المالي في المحافظة على ثباته، في وقت كانت المصارف الأميركية والأوروبية تترنّح وتوشك على السقوط. وفي هذا الصدد يقول مورات أولغن، كبير الاقتصاديين في مصرف HSBC القائم في اسطنبول: “إنه أول ركود لا يحمل إلينا أزمة في طيّاته”. ويعزى الفضل الى ورشة الإصلاحات التي يدعم صندوق النقد الدولي تطبيقها، والتي كبحت جماح التضخم وأرغمت البنوك على تقويم ودعم ميزانياتها وأخذ جانب الحيطة والحذر. من جانبه، ساهم الحضور المتنامي للمصارف الأجنبية في تحفيز المصارف المحلية على تحسين أدائها. أما الأهم من ذلك كلّه فهو أن تركيا شرّعت أبواب اقتصادها أمام الاستثمارات الأجنبية، وضاعفت الجهود التي تبذلها كي تصبح لاعباً أساسياً فوق حلبة الاقتصاد العالمي.
فتركيا تشكّل، بالدرجة الأولى، سوقاً استهلاكية جذّابة، خصوصاً أنها تضم 76 مليون نسمة. وقد حوّلت اليد العاملة التركية الشابة والقاطنة على أبواب قارة أوروبا البلاد الى خليّة نحل حقيقية، وجعلت منها مصنعاً ناشطاً للمنتجات القابلة للتصدير على غرار السيارات وقطع الطائرات والأجهزة الكهربائية والمعدّات والأقمشة. وفي هذا الصدد يقول علي فرماوي، نائب المدير في شركة Microsoft International القائم في اسطنبول: “لقد وضعنا تركيا في المرتبة نفسها مع البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا”. وتنمو مبيعات برمجيات Microsoft في تركيا بنسبة تراوح بين 20 في المئة و30 سنوياً. يضيف فرماوي: “لن يكون من المستغرب أن يتضاعف حجم Microsoft تركيا في فترة قصيرة نسبياً”.
وثمة عاملان ساهما في جعل تركيا لاعباً اقتصادياً رئيسياً. فلقد اجترحت الشروط التي كان ينبغي على تركيا تطبيقها كي تحظى بأهلية الانضمام الى الاتحاد الأوروبي المعجزات. من جهته، دعم رئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان، الذي يقود حكومة إسلامية معتدلة منذ العام 2003، على نطاق واسع السياسات التي توفّر بيئة مثلى لممارسة الأعمال. وبالاتكاء على أفكار كمال درويش، المسؤول السابق في البنك الدولي الذي أمسك بزمام الاقتصاد التركي خلال أزمة العام 2001، لجأ أردوغان الى خفض الضرائب على الشركات وتشدّد في تطبيق قوانين حماية حقوق الملكية الفكرية وأطلق وكالة خاصة للترويج الاستثماري. أيضاً، منح أردوغان إشارة انطلاق المفاوضات التركية مع الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من التعقيدات الكثيرة التي رافقت هذه المحادثات، إلا أنها شكّلت أداة ضغط على تركيا لإجراء العديد من الإصلاحيات في شتة المجالات، ابتداء من تحسين حقوق المرأة التركية وتعزيز مكتسباتها وانتهاء بتخفيف السياسات الحمائية. وتعقيباً على ذلك تقول أومران بيبا، رئيسة منطقة جنوب شرق أوروبا في PepsiCo والمتمركزة في اسطنبول: “انتساب تركيا الى الاتحاد الأوروبي عملية تترك بمجملها أثراً إيجابياً على قطاع الأعمال المحلي”.
ويمثّل الموقع الجغرافي ورقة رابحة في يد تركيا. ويمكن للزائر أن يستشعر كيف تمثّل البلاد، خصوصاً اسطنبول، مفترق طرق حقيقياً بمجرد أن يمضي أمسية في أحد المطاعم الفاخرة المنتشرة على طول البوسفور، وهو مضيق تتلألأ فوق مياهه أنوار المدينة ويفصل بين قارتي آسيا وأوروبا. ولا يجاور هذا البلد أوروبا فحسب، بل أيضاً بلدان الاتحاد السوفياتي السابق والشرق الأوسط. وتحفل المنطقة الممتدة من البلقان الى كازاخستان بفرص تحقيق نمو سريع في السنوات القليلة المقبلة. ويرى الرئيس التنفيذي في شركة GE International فرديناندو بيكالي فالكو المقيم في بروكسيل أن تركيا تشكّل “قاعدة انطلاق” لاختراق هذه المنطقة. من جانبها تقول يسيم تودوك، مؤسسة شركة Amrop International للبحوث التنفيذية والقائمة في اسطنبول إنها تصرف معظم الوقت في البحث عن أتراك للعمل في أذربيجان وكازاخستان وروسيا والسعودية.
وتتدفّق الاستثمارات الى تركيا من الشرق أيضاً. فالشركة المتمركزة في الإمارات Oger Telecom، والتي تديرها عائلة الحريري اللبنانية، تملك 55 في المئة من Turk Telekom، وهي مشغّل لخطوط الهاتف الثابت. وأنشأ مصرف بيت التمويل الكويتي الإسلامي فرعاً بإسم Kuveyt Turk لتقديم خدمات الصيرفة الإسلامية. وتنشط في البلاد أيضاً شركات استثمارية توظّف بصورة رئيسة الأموال الآتية من بلدان الخليج العربي، ومن ضمنها Abraaj Capital المتمركزة في دبي والتي تدير سلسلة مستشفيات في تركيا. وارتفع حجم الاستثمارات الآتية من الشرق الأوسط الى حصيلة تراكمية بلغت 6,3 مليارات دولار منذ العام 2004.
المستقبل