الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةالدور التركي في المنطقةصفحات العالم

هل تشكل تركيا بديلاً عن إيران بالنسبة لسورية؟

زين الشامي
ليس غريباً على سورية أن تزيد من زخم علاقاتها مع تركيا في الآونة الأخيرة وتعطيها بعداً استراتيجياً من بين جميع بلدان المنطقة رغم أنها لم تنكر أنها تحتفظ بعلاقات طيبة ووطيدة مع إيران. صحيح أن العلاقات السورية – التركية سجلت تصاعداً تدريجياً منذ ستة أعوام وصولاً إلى ما هي عليه اليوم، لكن ثمة ما هو لافت للنظر في المستوى الذي وصلت إليه بعد أن قرر البلدان فتح الحدود بينهما من دون سمة دخول «الفيزا»، وتوقيعهما نحو خمسين اتفاقية مشتركة في كل مجالات التعاون السياسية، والاقتصادية، والسياحية، والمالية، والاستثمارية، انتهاء بتشكيل مجلس للتعاون الاستراتيجي يجتمع دورياً، ويضم كبار مسؤولي الدولتين.
صحيح أن ذلك يأتي ضمن سياق تحول تركي باتجاه الجنوب والشرق والعالمين العربي والإسلامي بعد أعوام من سعي أنقرة الخائب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دون أن تلقى الاستجابة الــــتي كانـــت تتمناها من بعض العواصم الأوروبية، لكن في الوقت نفسه لا يخفى أن دمشق وخلال أقل من ستة أعوام قد حطمت كل المحظورات في ما يخص نظرتها ورؤيتها لجارتها تركيا، فالنظام في سورية وضع وراءه ضغط الذاكرة التاريخية وكل التنظير العقائدي عن «الإمبراطورية العثمانية» التي كانت تحتل الوطن العربي، وتجاهل استمرار تعاون أنقرة مع إسرائيل وارتباطها معها بالعديد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية، وأيضاً لم يتوقف كثيراً النظام في دمشق عند عضوية تركيا في «الناتو»، كذلك، وهذا هو الأهم، لم يعد أحد في دمشق، لا الكتب التاريخية، ولا الخرائط المدرسية، ولا عتاة البعثيين والقوميين، ينبسون ببنت شفة عن لواء اسكندرون أو «اللواء السليب» كما كانت تطلق عليه الأدبيات الداخلية المدرسية. لقد أصـــــبح هذا الإقليــــم السوري المحتل من قبل تركيا عام 1939 نسياً منسياً في الكتب التعليمية والصحافة الحكومية. وما يسترعي الانتباه أيضاً هو التبادل المستمر لوفود رجال الأعمال، والإعلان عن استثمارات وشركات مشتركة، وكذلك الحضور الكثيف للبضائع التركية في الأسواق السورية. وأيضاً حجم التجارة السورية – التركية الذي وصل خلال أعوام معدودة نحو ملياري دولار سنوياً، ويتوقع أن يصل إلى خمسة مليارات دولار خلال الأعوام القليلة المقبلة، ما يجعل من تركيا الشريك التجاري الأول لسورية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا ذهبت دمشق إلى كل هذا المدى في علاقاتها مع تركيا ولم تذهب إلى مثله مع إيران، ثم هل باتت تشعر دمشق أن تركيا تستطيع أن تقدم لها أكثر مما يمكن لإيران أن تقدمه، وهل تخشى دمشق من إمكانية وصول إيران والولايات المتحدة إلى تفاهمات أو «صفقات» ثنائية خلال المفاوضات على الملف النووي الإيراني وبعض الملفات الإقليمية على حساب سورية؟ كل هذه الأسئلة تفرض نفسها اليوم بقوة.
أولاً، لابد من الاعتراف أن تركيا، خلافاً لإيران، تقدم لسورية وتعتبر بالنسبة لها نموذجاً لدولة مستقلة وقوية سياسياً وعسكرياً وناجحة اقتصادياً، وخلافاً لإيران أيضاً، فإن تركيا تحتفظ بعلاقة قوية مع الولايات المتحدة وإسرائيل وبالغرب عموماً. ان ذلك يخلق نوعاً من التوازن بالنسبة لسورية، ويجعلها تحتفظ دائماً بخط الرجعة فيما لو تضررت جراء علاقاتها التحالفية مع طهران، وسياسة المزاودة ضد الغرب التي تنتهجها أو بسبب مواقفها المؤيدة لـ «حزب الله» وحركة «حماس».
ثانياً، لأن دمشق تعرف تماماً كيف تجري «صفقاتها» الخاصة مع الغرب، ولها خبرة تاريخية في ذلك، فهي قد تخشى من وصول الولايات المتحدة والغرب إلى تفاهمات واتفاقيات حول الملف النووي الإيراني وملف «حزب الله» في لبنان والملف العراقي وبقية الملفات الإقلــــيمية، مثل الحوثيين في اليمن و«حماس» في غزة، دون الرجوع إلى دمشق، وهذا ليس مســـتــــبعداً لطالما انتهجت طهران سياسة «المخالب الإقليمية المتقدمة» لتــــــقوية أوراقها التفاوضية مع الغرب من أجل الوصول إلى حل مشرف لطموحها النووي.
ان دمشــــق تملــك مثل هذه الخشية لسببين أولهـــــما أنها ذاتها تحولت مع الوقت إلى مجرد «ورقة إيرانية» والثاني أن سورية ذاتها هي أول من برع إقليمياً بانتهاج سياسة «التــــــشابك عن بعد» خارج أراضيها لتحقيق أهداف خاصة، لذلك ربما تملك دمشق خشية ومخاوف من أن تستغلها إيران اليوم وتبيعها غداً كما كانت تفعل دمشق مع «حلفائها».
ما يجعل مثل هذا الاحتمال ممكناً أن سورية اليوم لم تعد لاعباً إقليمياً مهماً بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وبعد أن انسحبت من لبنان عام 2005، وبعد أن هيمنت إيران كلياً على «حزب الله» في لبنان وصارت الممولة الأولى لحركة «حماس» في غزة، وبعد أن أصبحت أهم اللاعبين في العراق، لا بل لاعباً إقليمياً يهدد الأمن في اليمن وفي الخليج عموماً.
أيضاً لا ننسى أن سورية خسرت الكثير عربياً بسبب علاقاتها مع إيران التي تملك طموحات إقليمية صارت مكشوفة للجميع. وأيضاً لأن مطلب الابتعاد عن إيران صار شرطاً أميركياً ضرورياً من أجل تحسين العلاقات السورية – الأميركية، أو لتحقيق تقدم في ملف المفاوضات مع إسرائيل حول الجولان.
سورية في التفاتتها نحو تركيا تستدرك الوقت حتى لا تصل متأخرة، أو ربما لأنها استنفدت ما تريده من إيران، أو لأن إيران لم تعد تحتاج كثيراً لدمشق لكثرة ما تملكه من أوراق قوة في المنطقة.
كاتب سوري
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى