منظومات الحروب القادمة إلى الشرق الأوسط
سمير كرم
نادراً ما يكمن دافع الخوف وراء كتابة مقال سياسي.
لكن ها انا ذا اقر بأنني ـ ولأول مرة ـ اكتب هذا المقال والخوف هو الدافع الأساسي اليه. فأنا خائف الى حد الرعب من احتمالات اطلت من خلال بحث قرأته قبل ايام صادر عن مؤسسة بروكنغز البحثية الاميركية ـ احد اهم مصانع الأفكار وأكثرها قدرة على الاحتفاظ بنفوذها على السلطة ..إن اتت بها الانتخابات ديموقراطية او جمهورية.
يحمل هذا البحث المخيف العنوان التالي: «تجعل الحرب اسهل والمجازفة محدودة: الشرق الأوسط ميدان الروبوتات المتطورة… قريباً».
وكما هو واضح فإن العنوان من البداية يتنبأ بأن يصبح الشرق الأوسط ـ أي بلادي وبلاد العرب جميعاً وجيرانهم وحلفائهم ـ بسهولة وبلا خشية من المجازفة ميادين لحروب الروبوتات. والمقصود هنا أساساً الطائرات بلا طيارين او بطيارين من نوع «الإنسان الآلي»… حروب على غرار ما تشنه الولايات المتحدة الآن في وزيرستان ومناطق اخرى من باكستان. إنه لشيء مخيف حقاً.
يبدأ البحث بمقدمة تقول:
«لم يعد استهداف الإرهابيين في مخابئهم بالضرورة مهمة محفوفة بالمخاطر. اذ يمكن ان تقوم بها طائرة من دون طيار يقودها عسكري من مكتبه في إحدى القواعد العسكرية في الولايات المتحدة، كما يدل مقتل زعيم طالبان ـ باكستان بيت الله محسود. فما النتائج المحتملة لانتشار هذه المنظومات المتطورة في الشرق الأوسط الذي اخذ يزدحم بها فعلاً؟ هنا الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها من احد الخبراء الأميركيين في ثورة الروبوتات».
والخبير الاميركي واضع هذا البحث هو بي .و . سينغر مدير برنامج المبادرة الدفاعية في القرن الحادي والعشرين في مؤسسة بروكنغز.
الى هنا ـ وحتى إذا اكتفينا بهذه المقدمة ـ فإن الامر يدعو للخوف. ومعناه ان الشرق الأوسط، في اي جزء منه، معرض لهجمات بالطائرات، من دون طيارين آدميين، توجه بعيداً من داخل القواعد العسكرية في الولايات المتحدة، اذا ما قدّرت القيادة الأميركية ان قواتها في أي من بلدان الشرق الأوسط ـ بما في ذلك الخليج ومصر والسودان والمغرب العربي وأريتريا وجيبوتي… ـ يمكن ان تصبح هدفاً أو يشتبه في أن تكون هدفاً لهجوم إرهابي. وهذا ممكن ايضاً اذا قدّرت القيادة الاميركية ان اياً من مواطنيها: الدبلوماسيين في عواصم ومدن المنطقة او السياح او مستشاري وخبراء الشركات في انحائها، يمكن ان يصبحوا هدفاً لأي عمل عنيف.
غير ان اهمية هذا البحث تتجاوز هذه المقدمات العامة. ان اهم ما فيه هو رد على السؤال: ماذا لدى المنطقة من الروبوت؟
نكثف من الإجابة أشياء مخيفة فعلاً ربما لا تخطر ببال احد… يقول الباحث:
«إن القوات المسلحة الأميركية ـ وبفارق كبير عن سواها ـ هي الطرف الأبرز والأكثر استخداماً للمنظومات العاملة من دون عنصر بشري في منطقة الشرق الأوسط. ويوجد في الترسانة الحربية الأميركية الآن اكثر من سبعة آلاف طائرة من دون طيار، ونحو 12 الف روبوت ارضي… وكانت أعداد الروبوتات والمنظومات الآلية الاخرى قريبة من الصفر في بداية حرب العراق عام 2003. وتتفاوت هذه المنظومات في الحجم بين طائرة صغيرة بحجم عصفور صغير مصممة لمراقبة العمليات الخاصة، وطائرات لها اجنحة طويلة للغاية بطول ملعب كرة قدم، تستطيع البقاء في الجو لعدة ايام …».
ويزداد الخوف عمقاً ويصبح مبرراً أكثر من قبل حين ينتقل الباحث ـ بعد الولايات المتحدة مباشرة ـ الى الحديث عن قدرات إسرائيل في هذا المجال:
«وصل استخدام المنظومات الحربية الآلية من قبل إسرائيل إلى اعلى مستوياته خلال اقتحام غزة. حيث نفّذت الطائرات الصغيرة من دون طيار عشرات الروبوتات الجوية ضد أهداف تابعة لقيادة حركة حماس، وإلى جانب ذلك كانت تزود الوحدات العسكرية الاسرائيلية الموجودة على الارض بمعلومات استخباراتية تنقل بعد لحظات من تسجيلها… وقد استخدمت اسرائيل طائرات من دون طيارين للمرة الاولى، ضد وسائط الدفاع الجوي السورية في حرب لبنان عام 1982، ومنذ ذلك الحين يشهد هذا القطاع من الصناعة الإسرائيلية ازدهاراً متواصلاً… إن هناك عشر شركات محلية مختلفة تقوم بإنتاج اربعين نوعاً مختلفاً من الطائرات العاملة من دون طيارين. كما استطاعت مختبرات الأبحاث التابعة للقوات المسلحة الإسرائيلية ان تصنّع روبوتات ارضية مبتكرة كالنموذج الحديث الذي يمكن استخدامه في الغارات على المباني ويستطيع إطلاق الغازات المسيلة للدموع لشل قدرة الأفراد المستهدفين بالهجوم».
ويضيف الباحث الى هذا ما يتعلق بما هو ابعد من بلدان الوطن العربي اذ يقول: «إن هذا التنوع الواسع في قدرات التصنيع يعطي المنظومات الإسرائيلية ـ على سبيل المثال ـ قيمة وأهمية تتجاوزان أغراض استخداماتها من قبل القوات الاسرائيلية: على سبيل المثال استخدمت قوات حلف شمال الاطلسي (ناتو) في افغانستان الطائرة التكتيكية من طراز ايلبيت هيرمز (إسرائيلية الصنع). كما ان القوات المسلحة الصينية تستعمل طائرة ايا هاربي المتطورة للغاية التي تعمل من دون طيار، ويمكن ان تحلق كصاروخ كروز (الجوال) بمدى يزيد على 500 كيلو متر ايضاً».
وكان بيع هذه الطائرات الإسرائيلية للصين قد اثار زوبعة غاضبة من الاعتراضات في الولايات المتحدة، خاصة في الاوساط العسكرية، حيث طالبت بإقالة المدير العام لوزارة الدفاع الاسرائيلية اموس يارون لموافقته على إتمام هذه الصفقة لعدو محتمل للولايات المتحدة… هو الصين.
يتناول البحث بعد هذا تطورات المنظومات الآلية في كل من إيران وتركيا والإمارات العربية المتحدة والهند وباكستان… وتكشف معالجة كل من هذه الحالات انه لا مجال للمقارنة بين تطور اي منها في هذا المجال مع الولايات المتحدة او اسرائيل… فضلاً عن التفاوت في مجال خبرة الاخيرتين وهما الدولتان الوحيدتان اللتان استخدمتا هذه المنظومات المتطورة.
انما يبقى عنصر الخوف من ان تلجأ الولايات المتحدة او إسرائيل، او هما معاً، الى استخدام هذه المنظومات الآلية، وبالأخص الطائرات من دون طيارين، في الحرب على «الارهاب» على نطاق واسع، أو أوسع من وزيرستان ومن غزة.
فمن الملاحظ ان علاقة الصداقة والتحالف الرسمية التي تربط الولايات المتحدة بباكستان لم تمنع القيادة الاميركية من ان تشن حرباً من هذا النوع تستخدم المنظومات الآلية داخل باكستان، من دون ان تجرؤ هذه على الاحتجاج او الاعتراض على الهجمات التي تتم داخل اراضيها والتي تسفر عن اعداد كبيرة من الضحايا المدنين. واذا ما استخدمت الولايات المتحدة المنطق نفسه الذي تستخدمه في تبرير شن الحرب داخل اراضي باكستان، فإن الاحتمالات مفتـوحة بقوة على شن هذا النوع من الحروب على بلدان صديقة وحليفة في المنطقة العربية… فضلاً عن تلك التي لا تعد صديقة ولا حليفة، وتلك التي تتعثر كل المحاولات الأميركية لحملها على تغيير تحالفاتها في المنطقة لصالح الولايـات المتحـدة، وبالتـالي لصـالح اسرائيـل.
إن من السهل ان يتصور المرء ـ على سبيل المثال ـ عملاً إرهابياً يقع في شمال سيناء على نحو ما حدث من قبل، تعقبه هجمات آلية من هذا النوع، تشنها القوات الاميركية من داخل قواعدها العسكرية في الولايات المتحدة، او من داخل احدى قواعدها في المنطقة، على اراض مصرية بحجة ضرب خلايا إرهابية يشتبه في أن توجه مستقبلاً ضربات للوجود العسكري الاميركي هنا او هناك.
كذلك فإن من السهل على المرء ان يتصور ان تلجأ إسرائيل الى منظوماتها الآلية المتطورة في هجمات على اهداف لبنانية، بحجة الاشتباه في استعدادات من جانب طرف ما، لشن هجمات، مثلاً، لتحرير مزارع شبعا. فإسرائيل في هذه الحالة يمكن ان تتصور ان استخدامها المنظومات الآلية يقيها من الفشل ومن الخسائر البشرية، او ـ على الأقل ـ يحد من القدرة على الرد عليها.
فالمنظومات الآلية تغري من يمتلكها باستخدامها باعتبار أنها تبقي قواته البشرية بعيداً عن الضرر، بعيداً عن الضربات الانتقامية… وإذا جاءت هذه، فإنها تدفع بقوات بشرية الى الميدان لتصبح في طريق الضرر… في طريق الموت.
وإذا عدنا الى بحث « بروكنغز » نجد انه يتناول في نهاياته ما يصفه بـ «الدلالات والتداعيات» وفيها يقول:
«إن المنظومات العاملة من دون عنصر بشري توفر لنا إمكانات جديدة وتحديات، لأنها تنطوي على معطيات شتى تتعلق بالمناخ السياسي والصراعات في المنطقة. وأحد ابرز المظاهر المرتبطة بالمنظومات العاملة من دون عنصر بشري في منطقة الشرق الأوسط هو أولاً: عدم ورود اسماء كبريات دول المنطقة، مثل مصر وسوريا والسعودية، بين المصنعين والمستخدمين الرئيسيين… وهذه الثورة التكنولوجية جزء أساسي من آليات تغيير مراكز القوة في المنطقة».
وتبرز هذه الفقرة اشد ما تبرز، تقديراً بأن منطقة الشرق الاوسط مرشحة اكثر من غيرها لأن تكون ميداناً لحرب المنظومات الآلية… وهو امر مخيف، خاصة اذا وضعنا في الاعتبار إغفال الولايات المتحدة طبيعة علاقاتها مع دول المنطقة. واذا وضعنا في الاعتبار ان الوجه الآخر لهذه الحقيقة هو استعداد النظم الصديقة والحليفة للسكوت على مثل هذا النوع من «التدخل». فالمنطقة مهددة بهجمات من هذا النوع لا يمكن التنبؤ بمدى اتساعها او عمق مداها كرد على اي عملية «ارهابية»… او اذا استهدفت اسرائيليين او مصالح اسرائيلية (سفارة او قنصلية أو مكتباً تجارياً أو مكتباً سياحياً…الخ).
ولا يفوت الباحث سينغر ان يؤكد «ان استخدام المنظومات العاملة من دون عنصر بشري ليس محصوراً أبداً بقوات الدول فقط. ومع دخولنا عصر الحروب ذات المصادر المفتوحة، فإن الفاعلين من غير الدول يستطيعون صناعة المنتجات الأكثر تقدماً من منظومات الاسلحة وشراءها واستخدامها ايضا …».
وليس هذا القول سوى ايجاد المبرر النظري لشن حروب المنظومات الآلية بتصديرها على انها متاحة للمنظمات الإرهابية كما هي متاحة للقوات المسلحة الاميركية والاسرائيلية. وهي مبالغة من الصعب ـ على الأقل ـ ابتلاعها. ولكن الباحث يبدو في كل ما قال اكثر ثقة بشيء واحد:
«لا تزال ثورة الروبوتات تتفاعل ولن يفشل الشرق الأوسط في اللحاق بركبها».
اما لماذا الشرق الأوسط بالذات فهذا سؤال لا إجابة له عند الخبير التكنولوجي الأميركي.
(من بحث صادر عن مؤسسة بروكنغز الأميركية)
السفير