ما يحدث في لبنان

ملاحظات على الصحافة العربية والأزمة اللبنانية

null

حسام عيتاني

الموضوعية ليست السمة الغالبة على وسائل الاعلام العربية. وتكاد آثار التعاطي المهني البسيط تختفي تماما اثناء الازمات، والمحنة التي مر لبنان بها في الاسبوعين الماضيين مثال لعله معياري في المجال هذا.

فقد ضربت الحرب الصغيرة عددا من الاوتار الحساسة في الوعي العربي المسيس منه على وجه التحديد. فقد دفعت تلك الاحداث جملة من المسائل الى الواجهة منها الصراع السني ـ الشيعي الآخد في التوسع في المنطقة وعلاقات قوى المعارضة والسلطة والتطرف والاعتدال والمقاومة ضد اسرائيل او مهادنتها.

واذا كان المجال لا يسمح هنا بمسح الاداء المختلف للفضائيات العربية التي كان لبعضها تأثير مباشر على سير الاحداث، ليس كله ايجابيا ولا منزها عن الغرض، نلتفت الى بعض الاتجاهات العامة في الصحافة العربية المكتوبة، وخصوصا في البلدان التي كانت تعتبر معنية اكثر من غيرها بالوضع في لبنان.

ولعله من المفيد القاء نظرة سريعة على عدد من المقالات التي اوردتها صحف رسمية ومعارضة في مصر، ففي مقابل التنديد الصريح بالهجوم الذي شنه حزب الله وانصاره على بيروت والجبل، في الاهرام (مقالات مجدي الدقاق وخالد الكيلاني، اضافة الى تلك الكتابات التي يعجز المرء عن تقديم وصف دقيق لها والتي ما زال يدونها انيس منصور…)، نجد دفاعا شرسا عن الحزب وامينه العام في صحف المعارضة (مقال عبد الله السناوي في «العربي» على سبيل المثال). خطوط الانقسام بين معسكري كتاب الصحف الرسمية والمعارضة المصرية، تقول ما يزيد عن تماهي كل من الطرفين مع جانب من جانبي الصراع اللبناني. انها رسائل داخلية في المقام الاول، يعمل كل من موجهيها الى تلقين الطرف المقابل دروسا في خطر السلوك الذي يسير عليه في المسائل المصرية الداخلية: العملاء في مواجهة المقاومين، عند المعارضة، والمغامرة المسلحة ضد الدولة الشرعية، عند الكتاب الرسميين.

والحال ان الكثير من المقالات، بسبب من اعتبار ما كان يجري في لبنان موضوعا للجدل الداخلي المصري والعربي قبل كل شيء، تغيب عنه الكثير من المعطيات الأساسية. فجميع كتاب المعارضة يغفلون معطى اساسيا وبسيطا في الازمة اللبنانية وهو ان سلاح حزب الله لم يصبح مدار خلاف بسبب دوره في المقاومة ولا لأنه «هزم اسرائيل في العام 2006» فاستحق ملاحقة قوى الشر العالمية، بل انه صار كذلك بسبب العبء الذي راح يشكله على الداخل وانعدام قدرة الدولة اللبنانية على رسم الحدود التي تفصل بين حقوقها وحقوق اللبنانيين الذين محضوها ثقتهم للحفاظ على ارواحهم وامنهم، وبين ضرورات المقاومة التي تسير نحو توسع لا ينتهي. التناقض هذا غير مفهوم عند كتاب المعارضة الذين يقول بعضهم انه ضيف دائم على لبنان وبيروت. في المقابل، لا تبدو صحيحة المنطلقات التي يؤسس عليها اصحاب المقالات في الصحف الرسمية طروحاتهم. فالحكومة اللبنانية لم تقدم في يوم نفسها على انها مثال يحتذى في العالم العربي. بل ان هذا من التوصيفات التي تُسأل عنها الادارة الاميركية وحدها. وقد تراجعت قوى 14 آذار عن مطلب تجريد حزب الله من سلاحه منذ زمن بعيد.

نعود هنا الى مسألة تماهي المعارضين والموالين من الكتاب مع طرف من الاطراف اللبنانيين، للقول ان انعكاس الازمة الداخلية في مصر، دفع بعض القوى المعارضة وخصوصا الاخوان المسلمين ومن تبقى من ناصريين، وبالتالي الكتاب الذين ينتمون او يؤيدون الجهات هذه، الى تبني خطاب معاد لمن افترضوه حليفا موضوعيا لخصمهم المحلي. الامر ذاته يصح بالنسبة الى كتاب الصحف الحكومية.

وربما تكون الصحافة المصرية المكتوبة الاكثر تمثيلا في مجال التعبير عن الانقسام السياسي الداخلي. الصحف العربية الصادرة في دول اكثر التصاقا بالشأن اللبناني كانت مقالاتها تميل ميلا راجحا نحو مواقف حكوماتها. لم تشذ أي من الصحف السورية عن اعتبار فريق السلطة تابعا تبعية مباشرة للاملاءات الاميركية والاسرائيلية. اما الصحف السعودية فيمكن الاشارة الى ان عددا من الكتاب فيها ابدى ابتهاجا صريحا بفعلة حزب الله في بيروت لانها اسقطت القناع عن وجهه وجردته من ذريعة المقاومة التي تمسك طويلا بها (عبد الرحمن الراشد في «الشرق الاوسط» على سبيل المثال)، في حين سعى آخرون الى مقاربة اكثر توازنا مع كل ما في هذه الكلمة من محاذير وصعوبات (داود الشريان في «الحياة»).

ويجوز الحديث عن استخدام بعض كتبة المقالات للهجة التجييش المذهبي ضد الشيعة الذين ينفذون، برأيهم، مآرب ايران الاستراتيجية، في حين لم يتردد آخرون في الدفاع عن «مظلومية» المعارضة عموما وحزب الله على وجه التخصيص. غير ان المقاربتين، لا تنجحان في ستر عورة الرعب المذهبي الذي ساهم الهجوم على بيروت في اطلاقه من قمقمه، بغض النظر عن اقوال من يعتبرون انهم قد تجاوزوا الفتنة.

مهما يكن من أمر، ربما تكون المحنة التي مر لبنان بها، مرآة تعكس ليس الازمة التي تتخبط بها الصحافة العربية المكتوبة، بل مجمل ما يمكن تسميته مجتمعا مدنيا في العالم العربي والذي يفترض ان يكون قد بلغ من النضج مرحلة تتيح له انشاء صحافة تعبر عن مصالح ورؤى قواه الحية ونخبه، من جهة، وتتمتع بقدر من الاستقلالية والموضوعية من الجهة المقابلة، وهذا ما لم نشهده ونقرأه في الاسابيع القليلة الماضية.
السفير


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى