الشيخ عبد الرحمن كوكي.. مأساة ونصيحة
أُبيّ حسن
كان الأحرى أن يقوم شيخ الأزهر برفع دعوى قضائية ضد الشيخ عبد الرحمن كوكي, وليقل القضاء كلمته الفصل. وفي الحد الأدنى, كان يُفترض أن يُحال الشيخ كوكي مباشرة إلى القضاء العادي بغية إخضاعه لمحاكمة تتوفر فيها شروط المحاكمات العادلة؛ فإذا ما كانت جُملة الآراء المتخلّفة (بما فيها تشهيره بالشيخ طنطاوي) التي “أتحف” بها مُشاهدي فضائية الجزيرة مساء 20/10/2009 من شأنها أن تشكّل فعلاً جرمياً ينصّ عليه القانون السوري فليحاكم بموجبه, وإلا فليخلى سبيله كي لا يُحرم الناس من سعة “علمه” وفهمه وانفتاحه, فما أحوج ما تبقى من ربوع بلادنا الخضراء إلى مشايخ مثله ينافحون عن النقاب مبينين لنا فضائله ومزاياه!.
والشهادة لله, وبمعزل عن كون تهم من قبيل “وهن نفسيّة الأمة” و”إضعاف الشعور القومي” غير قابلة للقياس وفق تعبير الناشط المصري حافظ أبو سعدة, فالشيخ كوكي لم يُقدم على ما من شأنه وهن نفسيّة الأمة, وإن اجتهد جداً كي يظهرها –أي “الأمة”- أكثر الأمم رفعة وتقدُّما لكن على سلم الانحطاط والتخلّف وليس العكس. وما نعلمه أن انتقاد شيخ الأزهر وحتى تجريحه لا يدخل في قائمة الممنوعات السوريّة, وإنما يبقى الأمر في إطار التجريح (وربما القذف) الشخصي, وصاحب العلاقة أولى بالشكوى ممن أقدم على اعتقال الشيخ/الفضيحة.
قبل الاسترسال, لفت انتباهنا أن الإعلامي فيصل القاسم قد استضاف الشيخ كوكي في برنامجه أكثر مرة خلال شهرين. وفي إحدى الحلقات التي استضافه فيها كان محورها السياحة! وحتى الآن لا ندري ما علاقة الشيخ كوكي وأمثاله بالسياحة؟! مبرر التساؤل هو خشيتنا فعلاً أن تكون ثمة سياحة على الطريقة الإسلامية اقتداء بالمشفى الإسلامي والبنك الإسلامي والطعام الإسلامي (وربما, غداً) الهواء الإسلامي… الخ, من دون أن نحتاط للأمر, كي لا نقع في ما لا تحمد عقباه(لبنى الحسين السودانيّة, والفتاة الفلسطينية الغزاويّة, مثالاً)!.
كثافة حضور رجال الكهنوت الإسلامي على الفضائيات العربية وفي مختلف البرامج, حتى ولو كانت برامج خاصة بمكياج النساء, تشير إلى استفحال الأزمة التي يعايشها أبناء المنطقة العربية(هل ثمة غرابة في تدني أو انعدام حضور رجال الكهنوت المسيحي على الفضائيات ذاتها؟!), وهي أزمة يزيد من تجذرها رجال الدين(أو معظمهم) الذين لم تكفهم (على مايبدو) المساجد وشعارات وخطب يوم الجمعة, مستمدين طغيان حضورهم من حالة الخواء الثقافي العربي الراهن, ومن اقتناعهم الراسخ بأن الإسلام دين ودولة؛ إطلاقاً, لا يستمدون ذلك الحضور من علومهم المعاصرة أو انخراطهم بالعصر وقيمه, إذ العلم ألدّ أعدائهم. نعطف على ما سبق, إن ظهورهم على مدار الساعة -على هذه الفضائية أو تلك- يكاد يصيب غالبيتهم بالغرور الأعمى, فلم يعودوا يعرفوا أين تبدأ حدودهم وأين تنتهي!, فغاب عن ناظرهم حجمهم الحقيقي ومكانهم الطبيعي!.
في هذا السياق, يمكننا تفهّم مأساة الشيخ كوكي الذي حاول أن يتذاكى, على المنكوبين به وبأمثاله, مستغلاً حالة الخلاف السياسي السوري/المصري, فاشتط إلى درجة لم يعد يوقر فيها كبيراً(بالسن, طبعاً), وقد كان بمقدوره أن يقتدي بالشيخ الدكتور محمد حبش الذي سبق أن انتقد الشيخ طنطاوي –عقب أحداث غزة المؤلمة- من دون أن يشهّر به أو يخوّنه, عاصماً نفسه في الوقت ذاته عن الوقوع في مستنقع الغرور. وكان الأكثر مدعاة للشفقة في خطاب كوكي هو ربطه بين تقرير غولدستون وتصريحات الشيخ طنطاوي بخصوص النقاب!. من يدري, ربما أراد الرجل أن يحجز لنفسه موقعاً في خانة التحليل السياسي, وهذا وحقه(ما حدا أحسن من حدا)!. لاسيّما أن مُعارضاً سورياً, أفاد “قدس برس” كما ذكرتْ, أن سبب توقيفه هو عدم ردّه على إحراجات ندّه المصري بخصوص هدوء جبهة الجولان. من جهتنا, لا نضع ما يُقال على عهدتنا.
كنتُ أتمنى أن أكون جاهلاً بالشيخ كوكي بالمطلق, كي يكون تعاطفي معه صادقاً ومنزّهاً, غير أن الصدف شاءت أن ألتقي به مراراً, من دون أن أحاول بناء علاقة ود معه, خلال عامي 2003 و2004 في مكتبة الأسد, وقد كنتُ سنتذاك أحضّر لمجموعة حوارات فكريّة خاصة بصحيفة النور السوريّة. ومن المفارقات التي تستعصى على التصديق, أن الشيخ عبد الرحمن كوكي حُرم لفترة من الزمن من دخول حرم المكتبة بتُهم التحرش بالجنس اللطيف, وهذا ما كنتُ شاهداً عليه. نعم هذا الشيخ الذي يريد أن يُعلّم بناتنا ونساءنا الأخلاق والفضيلة, ملقياً علينا دروساً في العفة, سبق أن مُنع من دخول المكتبة بتلك التهُم التي ما كنا استحضرناها لو لم يكن قد نصّب من نفسه واعظاً على المجتمع. وإذ نستحضرها الآن, فإن الآسف يعترينا بالقدر ذاته الذي يكللنا فيه الخجل.
عوضاً عن الخاتمة:
يُحكى, والله أعلم, أن السيد وليد جنبلاط, منذ سنوات عدة, نصح غبطة البطريرك مار نصر الله صفير, في إحدى جولات السجال السياسي اللبناني بينهما, بالقول: “إما أن تتحدث على مقاس لباسك, وإما أن تلبس على مقاس كلامك”. ما أحوج رجال الكهنوت في بلادنا إلى تطبيق مثل هذه النصيحة والاقتداء فيها بحرفيتها.
كلنا شركاء
جزمة الكوكي برقبة رئيس حزبك يا ملحد
ما هذا الحقد على الرجل؟ هل تشمت به بعد اعتقاله؟ كل ما قاله عن النقاب كان كلاما دينيا وهو ما لا علاقة لك به، الرجل يتحدث عن حكم فقهي. أما كلامه عن الأزهر والمؤامرات فهذا نتفق معك في أنه مبالغات وربما انغلاق.