صفحات العالمقضية فلسطين

هل يَجرُؤ الفلسطينيون؟

سعد محيو
وزير البيئة “الإسرائيلي” يغآل أردان، المُقرّب من نتانياهو، كان على حق مرتين. مرة، حين أعرب عن ثقته بأن الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي مشروع قرار يُقدّمه الفلسطينيون إلى مجلس الأمن لإعلان دولة مستقلة، لأن هذا، برأيه، “أشبه باللعب بمواد متفجرة”.
ومرة أخرى حين أكد أن كل الخيارات متاحة أمام “إسرائيل” في حال أقدم الفلسطينيون على خطوتهم هذه.
النقطة الأولى المتعلّقة بمجلس الأمن كنّا قد ألمحنا إليها في هذه الزاوية قبل أسبوعين، حين أشرنا إلى أن أي محاولة لاستصدار قرار من مجلس الأمن يتنافى أو يتجاوز القرار 242 (الصادر غداة هزيمة 1967) محكوم عليه بالاعدام سلفاً.
فالقرار 242 هو الصخرة التي أشادت فوقها الولايات المتحدة كل صرح استراتيجيتها شرق الأوسطية منذ نيّف ونصف قرن. كما أنه الإطار القانوني- الاستراتيجي الذي وُلدت من رحمه اتفاقات كامب ديفيد (مصر) وأوسلو (فلسطين) ووادي عربة (الأردن)، وما قد يولد لاحقاً في الجولان (سوريا).
لا إدارة أوباما ولا أي إدارة أمريكية يمكن أن تُقدِم على خطوة كهذه، لم يستطع حريق كبير من وزن حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 دفعها إلى اتخاذها.
أما العقوبات، فهي بالفعل وفيرة وغزيرة في يد “إسرائيل”، بدءاً من وقف تحويل الأموال إلى السلطة الفلسطينية وإلغاء الاتفاقات الاقتصادية معها، مروراً بوقف إجراءات تسهيل حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية، وانتهاءً بضم الكتل الاستيطانية اليهودية في الضفة إلى “إسرائيل” فوراً.
موقف “إسرائيل” الدولي والإقليمي يبدو، إذاً، قوياً. لكن، هل يعني ذلك أن موقف الفلسطينيين ضعيف بنفس درجة قوة الموقف “الإسرائيلي”؟
ليس بالضرورة. وثمة ورقتان ثمينتان في يدهم.
الأولى، هي العودة إلى نهج المقاومة والانتفاضات التي بات واضحاً للجميع الآن أنه الخطوة الوحيدة القادرة على تعديل موازين القوى (ولو نسبياً) مع “إسرائيل”، حتى ولو لم يتم إزهاق روح اتفاقات أوسلو بالكامل.
والثانية، أن هذا المنطق نفسه سيغيّر إلى حد بعيد لوحة الصراع العربي – “الإسرائيلي”: من نزاع حول مسألة وجود أو لا وجود الدولة الفلسطينية، إلى وجود أو لا وجود الدولة “الإسرائيلية” نفسها. أي أنه سيعود بالصراع 62 سنة كاملة إلى الوراء.
وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك، التطورات الإقليمية المُتسارعة، والتي تشهد الدخول القوي لقوتين لطالما شكلتا جُلّ تاريخ الشرق الأوسط العربي- الإسلامي (تركيا وإيران) إلى معمعة السباق على طبيعة نظام الشرق الأوسط ومستقبله، لتبيّن لنا سريعاً أن الفلسطينيين يمتلكون حقاً أوراقاً ثمينة.
وهذا بالطبع من دون أن ننسى التحولات الجيولوجية- الزلزالية التي يشهدها النظام العالمي هذه الأيام، والتي ستظهر في شكل متزايد انحسار القوة الأمريكية، على الأقل بوصفها القوة العظمى الوحيدة في العالم. وبديهي أنه حين يتضح مدى الجزر في هذه القوة، سيكون محتماً أن يوقف المد في القوة “الإسرائيلية” في المنطقة.
كما هو واضح، الفلسطينيون، وعلى رغم كل أوضاعهم الصعبة الراهنة (والتي هم مسؤولون عن جزء مهم فيها) ليسوا تماماً أيتاماً على موائد اللئام. فثمة ظروف متغيرة، وثمة فرصة للإفادة منها.
لكن، هل هم حقاً في وارد القفز إلى زورق هذه الفرص؟ أو بالأحرى: هل “يجرؤون”؟
“ثورة دائمة” أَجَلْ، لِمَ لا؟
تساءلنا: هل يجرؤ الفلسطينيون على قلب الطاولة على رؤوس الجميع في الشرق الأوسط العربي وخارجه؟
الإجابة تتضمن عنصرين قد يبدوان غير متلازمين لكنهما كذلك، أحدهما موضوعي والآخر ذاتي.
الأول، هو أن “إسرائيل” ومعها الغرب سدّا كل/وأي منفذ للأمل أمام تحقيق أي تسوية عادلة في الضفة الغربية وغزة، ولو في الحدود الدنيا للعدالة. فالدولة الفلسطينية التي كان يُفتَرَض أن تقوم قبل نهاية العام ،2000 قامت مكانها مئات المستوطنات اليهودية التي تحوّلت هي نفسها إلى دولة داخل الدولة “الإسرائيلية”. والديمقراطية التي ادّعت واشنطن بأنها ستكون العرش الجميل الذي ستتربّع عليه الدولة العتيدة، تكشّفت عن كونها مجرد سيناريو لتقسيم التقسيم في فلسطين: فصل الضفة عن القطاع.
ثم إن كل فتى صغير في أصغر مدرسة فلسطينية بات يعرف أن جملة الجهود الدولية التي بُذلت منذ مؤتمر مدريد ثم بعد اتفاقات أوسلو، تمخّضت ليس عن السلام والوئام والحدود المعترف بها دولياً، بل عن تمكين “إسرائيل” من استكمال قضم وضم ونهب وسلب جُل مياه وأراضي الضفة تحت سمع الغرب وبصره.
هذا العنصر الموضوعي في الإجابة. وهو يشي بأن الفلسطينيين لن يخسروا شيئاً سوى قيودهم، إذا ما تمرّدوا على الوضع الراهن. لا، بل هم حينها قد يجلبون إلى صفّهم قوى أمريكية وحتى يهودية تعتبر ان سقوط خيار الدولتين سيكون بمثابة أول مسمار في نعش الدولة “الإسرائيلية” نفسها؛ وهو نعش شبيه إلى درجة التطابق بذلك الذي سقطت فيه دولة جنوب إفريقيا العنصرية.
أما العنصر الثاني، الذاتي، فيتمثّل في إدارة الظهر إلى كل اللوحة الاقتصادية  المالية، سواء في الضفة الغربية أو غزة. بيد أن هذا سيكون أشبه ب”الكبائر” بالنسبة إلى القوى الفلسطينية التي أدمنت إما على ممارسة سلطة سياسية هي إلى الوهم أقرب، أو على الرضع من ثدي منافع يديرها الغرب أوالاحتلال “الإسرائيلي”. وهذه قوى لا يجب الاستهانة بها، خاصة أنها أقامت على مدى السنوات ال18 الأخيرة علاقات مالية وثيقة مع الدُول المانحة في الغرب.
التخلّص من ربقة هذه القيود الذاتية سيقع على عاتق الكوادر الحزبية الوسطى في كل التنظميات الفلسطينية (بما في ذلك حماس وفتح)، كما على السرب الجماهيري الذي لا ناقة له ولا جمل في كل ما جرى في الأراضي المّحتلّة طيلة العقدين الماضيين. وهذا يفترض أن يبث في مرحلة ما روحاً جديدة في حركة التحرر الوطني، شبيهة بتلك التي وُلدت خلال الانتفاضة الاولى العام 1987.
وإذا ما كان القدر كريماً مع الفلسطينيين، فقد يبرز مِنْ بين صفوفه، في خضم هذه الانتفاضة، قائد كاريزمي تاريخي يقوم بإعادة لم شعثه وبث الروح في طاقاته النضالية، على حد ما جرى في التاريخ الفلسطيني طيلة القرنين الماضيين.
أجل. الفلسطينيون رغم كل البلايا الراهنة ليسوا، كما قلنا بالأمس، مجرد أيتام على موائد اللئام، إلا إذا ماقرروا هم بأنفسهم أن يمنحوا هؤلاء اللئام فرصة مواصلة تحويلهم إلى أيتام.
القرار في يدهم. والظروف الموضوعية (الإقليمية والدولية) مؤاتية لهذا القرار. بقي أن نسمع “البلاغ الرقم واحد” التاريخي من قلب أتون المعاناة.
فهذا في نهاية المطاف هو على ما يبدو قَدَرْ الفلسطينيين: ان يكونوا في حالة “ثورة دائمة”.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى