سوريا العازل… للبنان عن الاحتدام الإيراني – السعودي
جهاد الزين
يقطف اللبنانيون حاليا ثمار ما يمكن ان يكون قد اصبح جديرا بتسميته: “العازل السوري” في الصراع الايراني – السعودي المحتدم.
لأنه محتدم يمكننا ان نرى الدور السوري الجديد، والذي يتضح بهذه الصورة للمرة الاولى منذ اواخر العام 2004.
اثبات الاحتدام بين ايران والسعودية لا يحتاج الى مجهود. نسبة الاحتدام لا وجوده هي المحتاجة الى تحليل مداها او سقوفها، لكن لا شك ان سقفا خطيرا وقد يكون استراتيجيا جرى اختراقه مع الهجوم الحوثي داخل الاراضي السعودية. هذا امر يحصل للمرة الاولى منذ الستينات اي استهداف الاراضي السعودية ولربما بهذا الشكل القاطع للمرة الاولى منذ اواخر العشرينات واوائل الثلاثينات من القرن المنصرم.
لنتصوّر ان تطورا خطيرا نوعيا بهذا المستوى حصل… ولم يكن هناك تحسن – بل تفاهم – في العلاقات السورية – السعودية حول لبنان… ماذا كان يمكن ان يحصل؟
كلبناني معني مثل كثيرين بأولوية وحيدة للحياة السياسية اللبنانية هي اولوية منع الحرب الاهلية، اجد هذا “المدخل السوري” ضروريا للولوج الى بحث تطور المواجهة الايرانية – السعودية والاسئلة المتعلقة بها. فلربما كان احد التحولات الاساسية في الموقع السوري منذ التوافق الاقليمي – الدولي الذي ادى الى “اتفاق الدوحة” في صيف العام 2008 والذي اعاد السلم الاهلي المفقود في لبنان منذ العام 2005، هو نشوء دور لسوريا “يعزل” الوضع اللبناني عن اي تفاقم في الصراع الاميركي – الايراني كما في الصراع السعودي – الايراني كما بمعنى ما في الصراع الاسرائيلي – الايراني طالما بقيت المواجهة سلمية اي بدون هجوم عسكري اسرائيلي. اما في الحالة الاخيرة، فان سوريا التي هي اصلا جزء من المواجهة السياسية مع اسرائيل طالما ان اراضيها في الجولان محتلة، ستصبح فورا – اي في حالة الهجوم العسكري الاسرائيلي – طرفا مساندا لـ”حزب اله” بوسائلها الجغرافية المعهودة والشاسعة.
وبطبيعة الحال فان العازل السوري في التجاذب السعودي – الايراني مختلف تماما عن اي دور “عازل” في الموضوع الاسرائيلي هذا اذا كانت تجوز تسميته كذلك. في الحالة الثانية يساهم السوريون في استبعاد المواجهة العسكرية في جنوب لبنان وهو امر احيانا – كما هو الآن – لـ”حزب الله” مصلحة اكبر فيه، لكنهم جزء لا يتجزأ مع ايران من الصراع العام العربي – الاسرائيلي. اما مع السعودية، فهم، اي السوريون يستعيدون جزءا من تقاليد علاقة تفاهم بينهم وبين المملكة، تقاليد آخذة بالتبلور الايجابي ولو البارد لكن لبنان فيها هو بند تفاهم بل بند اتفاق بدأ في “الدوحة” وتواصل بدقة مع الانتخابات النيابية اللبنانية وها هو الآن يتجسد في الوفاق الحكومي.
على مستوى المنطقة، شهدنا اوائل هذا الشهر لسبب ما، تصعيدا لا سابق له على رقعة الشطرنج الايرانية. لقد مد اللاعب الايراني يده الى حيث لم يصل، ولم يحاول، ولم يكن ليستطيع اصلا ان يصل، في السابق. لقد مس بالحدود السعودية بنفسها.
الرد السعودي السريع والعنيف والحاسم ربما خفف من قدرة العديد من المراقبين على رؤية الحدث ببعده “العميق”.
والاسئلة هنا تتعلق بايران باعتبارها صاحبة المبادرة المفاجئة:
1 – لماذا عمد الايرانيون الآن (اي منذ اوائل هذا الشهر) الى توقيت هذا الهجوم الاستثنائي الذي يلعب على خارطة المملكة نفسها؟
2 – هل تطورات الاوضاع الداخلية في ايران منذ “حشرة” الصراع الداخلي في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، ام حوادث امنية كبيرة لا نعرف منها الا تفجير بلوشستان الشهر المنصرم ضد قيادات في “الحرس الثوري” وتأتي حصيلة تفككات خطرة في الجهاز الامني الباكستاني وفي مناطق “سنية” من ايران (بلوشستان)… فأرادت طهران بعدها ان توجه للاعبين المؤثرين الكبار في الوضع الباكستاني ومنهم السعودية، رسائل عن امكانها اللعب بالاوضاع الداخلية لهذه الدول اذا تواصل تهديد وضعها الداخلي؟
3 – ولكن لماذا اختيار “السعودية” المعروف عنها انها مستنكفة عن اي دور “عسكري” في اي بقعة “داخلية” في المنطقة، ولربما يمثل اليمن الاستثناء التاريخي الوحيد في طبيعة النزوع السعودي هذا ولكن ليس عبر التدخل العسكري المباشر، وانما عبر دعم طرف محدد، كانت تدعم القوات الملكية في الستينات وهي اليوم تدعم “الدولة المركزية”.
4 – ثم ان المثير ان الايرانيين لجأوا للمرة الاولى قطعا في العديد من الدوائر المنخرطين فيها، الى استخدام لغة طائفية صريحة. لم يفعلوا ذلك بهذا الشكل في العراق، حيث الكتلة الشيعية الكبرى في العالم العربي (والاثنا عشرية مثلهم مذهبيا). ولم يفعلوا ذلك – اقصد لغويا – حتى ابان احتدام الصراع المذهبي في لبنان بين 2005 ومنتصف 2008 ايام كان اخصامهم في الهجوم التعبوي؟ بينما استخدموا وبشكل متصاعد لغة مذهبية صريحة في اليمن منذ اندلعت المواجهة بين الجيش السعودي والحوثيين؟ اقصد من ذلك ان الايرانيين يوظفون الوجود الشيعي – خصوصا الاثني عشري – في بضع دول عربية ويحققون نجاحات سياسية، يقومون بذلك بعد استكمال سيطرتهم السياسية على العديد من المجموعات الشيعية في بعض دول عربية وهذا تطور نوعي غير مسبوق في العصور الحديثة للمنطقة تنبغي دراسته بامعان… لكنهم يقومون بذلك حتى الآن دون استخدام تعبئة مذهبية معلنة؟
فهل الخسائر الكبيرة التي تعرض لها الحوثيون بعد تعرض الحدود السعودية للهجوم يملي هذه اللغة الايرانية الصريحة حيال الشيعة (الخماسية الائمة)؟ ام ان استقطاب هذه الفرقة الخاصة من الشيعة يتطلب رفع لغة الاحتضان المذهبي؟
عندما اندلعت المواجهات مع الحوثيين على الاراضي السعودية دعا التصريح الاميركي الاول الى “الحرص على حماية المدنيين”… كان الامر سياسيا مدعاة تساؤل على الارجح في الرياض لان التصريح عنى نوعا من “الحيادية” العجيبة بمعزل عن محتواه الاخلاقي حين يتعلق بالمدنيين. السياسة الاميركية الغامضة؟ كيف استقبل المسؤولون السعوديون هذا التصريح يومها؟ لا شك انهم كانوا غير مرتاحين… وإن كان الموقف الديبلوماسي الاميركي تغير لاحقا باتجاه اوضح في “حق الدول في الدفاع عن نفسها”؟
الحدود اليمنية عادت مليئة بالاسرار… وبينها من اين يأتي الحوثيون بهذا “الخزان البشري”… ناهيك بالسؤال من اين اتوا بهذه الاسلحة الثقيلة التي تسمح لهم بمقاتلة جيشين؟ هل من طرف ثالث، ام هي طرق التهريب القديمة مضى على استخدامها سنوات… ام؟
• • •
لبنان في ظل التفاهم السعودي – السوري… يمضي نحو اختبار سلم اهلي اكيد – ولا نظنه مهددا – لكن في مرحلة جديدة من الصراع السعودي الايراني الذي افتتحه – للتذكير – التغيير الاميركي للنظام العراقي.
هل ينتبه الاميركيون الى امكانات اتساع “العازل السوري” نحو جنوب لبنان لو كانت هناك فرصة سلام شامل سورية – اسرائيلية؟ بدونها من المستحيل حصول الاتساع.
النهار