ترحموا على القومية العربية!
فلورنس غزلان
رحم الله أجدادنا حين قالوا” أنا وابن عمي على الغريب” ولنشكر الرب أنهم لم يشهدوا ما آلت له الحال العربية، فقد انقلبت المعايير والقيم وصرنا نحتاج لأمثلة شعبية لاتشبه سواها ، فالقرابة تحولت لعداوة شرسة تنفث سمومها الضارية بوجه الشقيق والجار والقريب، وتضرب عرض الحائط بكل التواريخ وبكل مشاركة ومودة وتقاسم عيش وهَم وطني أو ” قومي ” إن جاز التعبير…فأين هي القومية العربية؟ وماذا بقي من تراثها ومن خطابها المفرقع لغوياً والمنهك المدفون حياً في واقع الحال، أقوياء وأشداء وخصوم ألداء على بعضنا ، ونعاج تُمأميء وأرانب تهرب وتختبيء أمام العدو، بل غربان تنعق كلما حل خراب ودمار ويحلو لها أن تعيش وتمرح حين تكبر بقعة الدم وتتسع مساحة الخلاف ويمتد أوار نارها ليحرق بقايا رابطة كانت تسمى يوماً ” أخوية” أو قومية عربية!
الرياضة وكرتها القدمية ، كشفت مابقي مستوراً من عورات العروبة ، فالجزائر المقاتلة وبطلة التحرير وأم المليون شهيد، مع مصر البهية بطلة حرب الاستنزاف وحرب التحرير في 1973 واختراق حصن بارليف..والتي يشهد لها بمواقفها الوطنية إبان حرب التحرير الجزائرية ودعمها بالعدة والعداد لرجال المقاومة في الجزائر…وكيف ننسى أنا رضعنا نشيد ” الله أكبر يابلادي كبري ” على لسان المصريين قبل الجزائريين…لكن البارحة غير اليوم ، ومصر عبد الناصر غير مصر حسني مبارك، وجزائر بومدين غير جزائر بوتفليقة…وكله يسير في طريق الانفلاق والانقسام والانشطار، لماذا تكشف الرياضة هذا الكم الهائل من العنف والحقد والكراهية لمن هم أبناء جلدتنا، أشقاءنا ..جيراننا؟ ولماذا نفتقر كشعوب للروح الرياضية السمحة، التي من المفترض أن تصفق وتشجع اللاعب الأفضل والذي يثبت جدارة ومقدرة…لا كونه ينتمي لأولاد حارتي؟…فالأوطان العربية ليست إلا حارات متناحرة وقبائل متصارعة …مع أنها لاتتصارع على الكلأ والماء والغذاء، فالكل يفتقر لكل هذه الضروريات الحياتية، إنما لاتجرؤ النعاج على الصراخ بوجه من يمنعه عنها…زعمائها الأشاوس وسارقي كل أسباب وعوامل حياتها ووجودها، وجاءت الرياضة لتكون متنفساً لما يعتمل في القلوب من غضب واحتقان طال أمد تراكمه…وهل الرياضة إلا صورة صادقة عن الجهل وضعف نمو الوعي بل انعدام وانهيار ” الشعور القومي”؟…من الذي يضعف هذا الشعور؟ أليست أنظمة الديكتاتورية والاستبداد والسرقة والفساد والتجويع؟…فلماذا لاتحاسب أنفسها على ” إضعاف الشعور القومي ووهن عزيمة الأمة”؟!.
ــ هل الحرب الرياضية والدبلوماسية والسياسية التي وصلت لحد سحب السفراء وتقديم شكاوي للفيفا؟ …هل ننسى مايجري في اليمن ويتعداها ليمتد نحو السعودية، بين الحوثيين والسلطة اليمنية، أليسوا جزءاً لايتجزأ من شعب اليمن ومكوناته؟…ولماذا يصل التمرد لهذه الحدود؟ أليس تهميش مواطنين لاينتمون لنفس الطائفة الحاكمة يمكنه أن يودي بهم لأحضان وأجندة خارجية تُنَفذ من خلالهم أهواءها وحروبها النفوذية في المنطقة؟ لو كانت الأنظمة تتحلى بالحكمة وتقدر العواقب وتنفتح على شعوبها وتقدم لهم مايحتاجونه من غذاء ومن خدمات وحرية واحترام للذات وصون للكرامة، لما وجت بين مواطنيها من يدير الظهر لنظام يتمتع بالمصداقية والشفافية بتعامله مع شعبه، لكن هيهات فالواقع يفقأ العين ، وبين الأنظمة وشعوبها مسافات وخطوط متوازية لاتلتقي أبداً..لهذا فالأوضاع ستستمر في التدهور والانحلال …لنغدو بالتالي شيعاً وقبائل متناحرة…
ــ وهل مايجري في الصومال مفرح ويبعث على التفاؤل؟ …هل يمكنه أن يستفيق وينهض يوماً ويعود دولة معترف بها وموجودة فعلا وحاضرة عملاً على خريطة العروبة والعالم؟..أم أنها تسير في طريق الانحسار والنسيان؟ وشعبها لاينتظر من قوميته العربية وأسيادها إلا الرحمة؟!…
ــ أم أن حال العراق أفضل؟…تجري فيها رياضة كرة من نوع طائفي…فالكرة الشيعية لاتلتقي مع الكرة السنية، والكرة الكردية تدير الظهر للكرة العربية…والعراق ينوس ويخفت نوره ، الذي شع يوماً على العالمين…وكانت بغداده حاضرة وملتقى العلم والثقافة، وهاهي شوارعها من المتنبي إلى المستنصرية تنقلب إلى بسطات لبيع الثقافة على الأرصفة من أجل لقمة العيش…التي لاتعرف بطون صغارها الفرق بين الطعام الشيعي والسني، لكنها ترضعه على شاشات التلفزة وفي المدارس…وفي الأحياء المغلقة على أهلها والممنوعة على أهل حارات تختلف عقائدها…رغم تماثل سحناتها ولون الدماء في عروقها…حين سفحت على أرض العراق من أجل حروب سياسة ومصالح ونفوذ لقادتها…فالشعوب ليست إلا محرقة للأسياد.
ــ وأين نحن من حرب داحس والغبراء الدائرة بين حماس وعباس؟…وكيف يمكن لمصر التي تنساق لحرب سياسية أساسها رياضة أن تصلح البين بين الفلسطينيين؟..وهل نعلق آمالاً على طرف من الأطراف يتحلى بعقلانية ويلقى مصداقية وشعبية لدى الشارع العربي أولا والفلسطيني ثانياً يمكنه أن ” يطلع الزير من البير؟..إنها مجرد أضغاث أحلام…موجعة حتى نخاع العظم..
ـــوكيف نثق ببشير السودان لحماية المتحاربين في أم درمان، وهو سيد الكوارث الإنسانية في جنوب سودانه ” دارفور”، والتي قدمت للعالم صورة واضحة على مقدار الإنسانية التي تتحلى بها قلوب حكامنا ومحبتهم لشعوبهم وحرصهم عليها؟!…نعم حرصهم ألا تموت وتقضي إلا على أيديهم ويملكون كل وسائل الموت ويشتهرون بها ، ــ على الأقل لهم السبق بشيء ما وباختراع يسجله التاريخ باسمهم ــ..ومع كل جهوده وبشائره العسكرية المحجوزة للفصل بين الأخوة الأعداء على حلبة مصارعة الكرة، لكنه اعتبر منحازاً وسجلت بحقه تهم خيانة العيش والملح المصري!.
ــ وبليساريو المغرب لم تخمد نيران صراعها، ولم يعترف بها مغاربياً، لكنه اعترف بها جزائرياً!… “نكاية بالطهارة….”، القضية لم تحسم في هيئة الأمم ، ولو اتخذت بها قرارات ، فالمغرب مصمم على أنها جزء منه ومن ترابه…والجزائر رغم أن البوليساريو وصحرائه ليس جزائري الامتداد، لكنه جزائري السياسة والشقاق…ويستمر صراع الأخوة وإغلاق الحدود بين الأشقاء..ومن يذهب ضحية ديكة المغرب العربي الملكي والجملوكي…هو شعبي البلدين وعذاباتهما ، رغم التزاوج والتقارب الذي يجمع بينهما…لكن الأمر لن يطول على مايبدو وتصل الأمور لحد منع القوانين في البلدين من الحب والتزاوج بين شاب مغربي وفتاة جزائرية أو العكس…وبهذا يضمن النظامين استمرار الحرب وتغذية العداوة، وآمل ألا يلعب الفريقين كرة طائرة أو سلة أو قدم في القريب العاجل..والا يتواجد في الملعب فريق بوليساريو أو مشجعين منه…
ــ سنختم لعبة الحروب القومية العربية ورياضتها التفريقية بالعلاقة الحبوبة بين لبنان وسورية، وكيف استمرمخاض ولادة الحكومة العسيرة في لبنان إلى أن اقتربت زيارة الرئيس السوري لفرنسا ( خمسة أشهر فقط لاغير!)، وبعد أن تم الصلح بين السعودية وسورية، لكن الصلح مع مصر مؤجل وغير مُعَجل…وسيأتي حين تستدعي ضرورة السلام مع إسرائيل أولا ومع الفلسطينيين وإسرائيل في آخر القائمة الكونية ،لكنه وأمام مايجري من حروب داخل الوطن الواحد والشعب الواحد حين تنعدم العدالة ويطفو التمييز بين فئة وأخرى، فينقسم الشعب على نفسه بين ” ابن ست وابن جارية”، كل هذه الدروس والعظات أمام النظام السوري ولم يتعلم بعد، لم يحل قضية الأكراد المحرومين من الجنسية ، ومازال يماطل وعقود مضت دون أن يتخذ أي إجراء يحمل العدالة لهؤلاء المحرومين من المواطنة، ألا يخشى انتفاضة حوثية من نوع كردي سوري؟…أم أنه متأكد من قدرته المدمرة وله الأسبقية في حماة وغيرها، وربما يضحك ملأ شدقيه على تباطؤ عبدالله صالح وضعف جيشه في التدمير…ويتمنى لو أنهم تدربوا على يديه في حماة وتدمر، وكيف نمر على كل هذه الأحداث دون أن نتطرق للعلاقة الأخوية بين العراق وسورية وكيف وصلت سمعتها ونشرت غسيلها القذر في محافل الأمم المتحدة…مع أن الغسيل السوري اللبناني لم يجف بعد في المحكمة الدولية ، بانتظار خروجه من نفق الغموض إلى نور الحقيقة، أو اصطياده في حقل ألغامه بتوقيع صفقة يضيع فيها الدم وتنسى فيها الأرواح…وتسجل في خانة ” مجهول” ليولد في المقابل اتفاق يرتب بيوت المنطقة السلطوية بشكل يمنع هواء الديمقراطية من النفاذ ويضمن لإسرائيل بنفوذ الأقوى والأعتى من جهة، كما يظهر للعلن نفوذ جديد إيراني من الشرق وتركي من الغرب….وينتهي وللأبد ما يمكنه أن يسمى نفوذ عربي …قومي …
رحمكم الله ورحم قوميتكم…وما علينا إلا أن نقرأ عليها الفاتحة إكراماً لمن قضوا في سبيلها…لا لمن وأدوها للأبد.
ــ باريس 20/ نوفمبر / 2009
م : أعتذر من القراء الكرام ومن الأصدقاء جميعاً، كوني سأتغيب لما يزيد عن شهر تقريبا بحكم السفر..راجية لهم أياماً سعيدة تحمل أخباراً أهدأ وقعاً وأقل ألماً..على أمل اللقاء ثانية.
خاص – صفحات سورية –