ديمة ونوس لـ”الرأي”: الرواية العربية مطالبة بإعادة كتابة التاريخ
بيروت – حسين بن حمزة: الواقع هو العالم الذي تتحرك فيه شخصيات ديمة ونوس. والواقع هنا يعني أن الكتابة تخوض في الحياة مباشرة من دون تلكؤ أو انشغال بلعبة المرايا والاستعارات. لم تتحول الكتابة إلى شعارات وخطابة، ولكن السياسة بمعناها الثري والعميق حضرت بجرعات عالية في باكورتها “تفاصيل” التي قدمت فيها نماذج مختلفة من المجتمع السوري الراهن. ثم جاءت روايتها “كرسي” لتؤكد أن الشغل على الواقع وشخوصه لا يزال ممارسة مفضَّلة لدى هذه الكاتبة الشابة التي يربط أغلب القراء والنقاد بين نوعية كتابتها وكونها ابنة الكاتب الراحل سعد الله ونوس. نصوص الابنة محكومة بالسياسة وتغيرات الواقع وأحوال الناس مثلما كانت نصوص الأب. لا تنكر ديمة ونوس تأثير والدها، ولكنها ترى أنها متصالحة مع طموحاتها الخاصة ككاتبة.
ولدت ديمة ونوس عام 1982، ودرست الأدب الفرنسي في جامعة دمشق. إضافة إلى كتابة القصة والرواية، عملت مذيعة ونشرت مقالات في عدد من الصحف العربية.
بمناسبة اختيارها ضمن مهرجان بيروت 39، سألت “الرأي” ونوس حول تجربتها في الكتابة:
* لنبدأ بالسؤال التقليدي عن البدايات، لعل كونك ابنة الكاتب الراحل سعد الله ونوس يجعل بداياتك والمؤثرات الأولى على تجربتك مختلفة قليلاً. إلى أي حد ساهم هذا في رسم طموحاتك في الكتابة؟ هل أعاقها مثلاً أم كنت متصالحة معها؟
– لكي أكون شفافة، وجدت صعوبة كبيرة في الإجابة عن سؤالك الأول هذا. أعرف كم هي صعبة هذه الحالة. أن أكون إبنة كاتب وأن أختار الكتابة لاحقاً. وأعرف جيداً أن أبي لم يدفعني يوماً للكتابة. على العكس كان يحلم أن أكون مصممة أزياء أو مهندسة معمارية. عادة القراءة هي الأمر الوحيد الذي حرص أبي على أن أكتسبها مبكراً. ولم تكن البداية سهلة. فأنا أكتب بشكل يومي منذ صغري. إلا أن قرار النشر كان صعباً. ليس لأنني غير متصالحة مع طموحاتي، بل لأن المحيط الذي نعيش ضمنه غير متصالح مع هذه الفكرة. البعض يسايرني فقط لأنني إبنة سعد الله ونوس. والبعض الآخر يغتاظ من خياري. وفي الحالتين، أجد نفسي بحاجة إلى الدفاع عن رغبتي بالكتابة وكأنني اقترفت ذنباً.
* هناك حضور كثيف وقوي للسياسة في مجموعتك القصصية الأولى “تفاصبل” التي ترسمين فيها بورتريهات لتسعة نماذج من المجتمع السوري. إلى ماذا تعيدين هذا التورّط المبكر في كتابة مشغولة بقضايا وتحولات المجتمع؟
– لا أوافقك الرأي في ما يخصّ كلمة “تورّط”. لا يمكن فصل السياسة عن الأمور الحياتية الأخرى. العالم العربي محكوم بهذه العلاقة المتينة والمنهكة أحياناً. وشخصيات “تفاصيل” لم تكن في معظمها شخصيات سياسية. وقضايا المجتمع لا يسهل تجاهلها في كتاب تجري أحداثه في دمشق. حتى الحديث عن رغيف الخبز يندرج ضمن الطرح السياسي.
* في رواية “كرسي”، هناك أيضاً شخصية “درغام” الذي يشبه شخصيات قصصك. هل كانت مشروع قصة في البداية؟ أم أن القصص كانت عتبة للدخول إلى عالم الرواية الأوسع؟
– عندما بدأت بكتابة “كرسي” ظننت أنها قصة قصيرة. إلا أن شخصية درغام سرقتني. أحببته وكرهته وأشفقت عليه ولم أستطع نحته بسهولة. أمتعني العيش على مزاجه طوال أشهر. أما عن “العتبة” فأنا لا أوافق على الكلمة. هناك فكرة خاطئة تفيد بأن القصة ليست سوى تمرين أو عتبة كما سميتها. أجد أن كتابة القصة ربما تكون أصعب بكثير من كتابة الرواية. وإن لم تكن أصعب فهي على الأقل تحتاج إلى حساسية مختلفة.
* البعض يرى أن السياسة بمعناها الأيديولوجي المباشر هي إحدى سمات السرد القصصي والروائي في سوريا، وأن هذا جعل التجريب ضئيلاً فيها. انطلاقاً من تجربتك الذاتية، ما رأيك؟
– هذا هو حال الأدب في الوطن العربي عامة. الهامش الضئيل المتاح يدفع الكتاب إلى استثمار الأدب في الحديث عن الهموم والمحرمات. من جهة أخرى، الكاتب العربي يحمل عبء التاريخ الملفق أوالمنقح أوالمعقم. وهو يقاوم هذا العبء بإعادة رسم التاريخ عبر الرواية.
* هناك اليوم جيل كامل من الروائيين الشبان في سوريا الذين بدأت تجاربهم بالظهور منذ تسعينات القرن الماضي. هل ترين أن هناك حساسية روائية تجمعك بهؤلاء، وهل هناك قطيعة مع الجيل السابق كما يُقال؟
– لا أؤمن بمسألة القطيعة هذه. ولا بمحاولة التمرد على الجيل السابق من الكتّاب. ببساطة لأن الكتابة لا يمكن لها أن تنمو بمفردها. فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقراءة. وفعل القراءة يعني بالتأكيد أن نعيش عوالم مختلفة وأن نتأثر بثقافات أخرى وأن نختزن كمّاً من المفردات والعبارات والأحاسيس. أما عن الحساسية الروائية لدى الجيل الجديد من الكتّاب في سورية فهي بالطبع حساسية مختلفة تماماً عن الجيل السابق. ليس هناك قطيعة أو تمرد كما تحدثت قبل أسطر، وإنما طزاجة في المواضيع والأفكار عجز الجيل السابق عن إبدائها في أعمالهم. وهذا يعود لأسباب عديدة. أظن أن هموم المرحلة اختلفت جذرياً. هذا الجيل تخفف من أعباء الجيل السابق. ولم يعش الخيبات التي عاشها. وبالتالي استطاع أن يقدم عملاً أدبياً يخلو من المباشرة والشعاراتية.
* أخيراً، ماذا عن اختيارك في قائمة الكتاب المشاركين في مهرجان بيروت 39 ؟
– أفرحني ذلك كثيراً خاصة وأننا نفتقر في سورية إلى مثل هذه التظاهرات الثقافية الطازجة. بالإضافة إلى أن التظاهرة تتيح لي ولباقي الكتاب التعرف على نتاج الآخر في وطن عربي لا يعير كبير اهتمام بموضوع النشر والتوزيع. في دمشق مثلاً، أحاول عبثاً العثور على روايات أو دواوين شعر لكتاب من الجيل الجديد.
الراي