صفحات العالم

ماذا يجري حقاً في المنطقة العربية؟

سعد محيو

قد لايعرف الكثيرون أنه طيلة السنوات الخمس الماضية، بذلت محاولات عديدة (شارك في العديد منها كاتب هذه السطور) لإعادة تجديد المشروع السياسي العربي، تحت عنوان “العروبة الجديدة”.

بيد أنه  يتبيّن الآن أن هذه الأفكار كانت صحيحة تماماً، لكن في الزمن الغلط تماماً. لا بل أكثر: يتبين حالياً في ضوء ما يجري في داخل الدول العربية وفي ما بينها، كم أن هذه التجارب كانت في الواقع وليدة التفكير الرغائبي وليس الفكر العلمي الدقيق.

فلكي تكون هناك عروبة جديدة، كان يجب الانتظار لدفن العروبة القديمة التي أسلمت الروح في الواقع على مرحلتين: هزيمة 1967 وتحوّل “الأنظمة القومية” إلى سلالات أمنية  انكشارية تحكم باسم العروبة شكلاً والسلطة الأمنية مضموناً.

ولكي تكون هناك حركة تحرر عربية، يجب أن يكون هناك مفهوم واحد للأمن القومي العربي، وأن يكون “الآخر  العدو” شيئاً آخر غير الشقيق العربي.

كل هذه المعطيات تم القفز فوقها في خضم الفزع من الانهيارات العربية المتلاحقة، فتم تشييد مسجد وهمي ودُعي الناس إلى الصلاة فيه. لكن أحداً بالطبع لم يأت.

والآن، آن الأوان كي نعيد النظر. كي ننتقل من التفكير الرغائبي إلى الفكر العلمي. وحين نفعل، قد نشاهد المشهد الواقعي التالي:

ثمة زلزال تاريخي حقيقي في المنطقة العربية، تنهار فيه تباعاً كل أسس النظام الإقليمي العربي (أو ماتبقى منها) على صعد الأمن القومي، والانتماء المشترك، ومعنى الهوية العربية.

الآخر الآن في معظم الدول العربية تقريباً هو العربي الآخر، وليس التركي (كما في أواخر القرن التاسع عشر) ولا حتى “الإسرائيلي” في القرن العشرين.

صحيح أن بعض الحكومات العربية أسهمت إلى حد بعيد في تغذية هذه الخناقات بين الشعوب، لكن الصحيح أيضاً أن ترسّخ وجود الكيانات العربية الراهنة منذ 60 سنة، إضافة إلى تجارب البلدان الخاصة مع الغرب، وتشرذم البنية الاقتصادية العربية المشتركة، كل ذلك خلق على الأرض تباينات وتمايزات على شتى الصعد كانت لا تني تتراكم منذ ذلك الحين. وحين هوت القومية العربية القديمة تحت ضربتي الهزيمة والاستبداد، كان

المسرح معداً لمرحلة تاريخية جديدة يمكن تلمس معالمها كالآتي:

دخول كل البلدان العربية بلا استثناء في تجربة بناء الدولة الخاصة بها. ولأن هذه البلدان، أنظمة وشعوباً، لا تعلن جهاراً رغبتها في إقامة أمم خاصة بها، فإن الهدف المُضمر يصبح بناء قوميات عربية عدة ترتدي العمامة العربية العامة وتخفي تحتها قومية ما جنينية خاصة.

هذه التجربة التاريخية الجديدة ستحتاج إلى وقت قد يطول أو يقصر لإثبات نجاحها أو فشلها (في أوروبا احتاج الأمر إلى قرون عديدة). بيد أننا نعيش مرحلة الانقلابات الاقتصادية والتكنولوجية الكبرى في العالم، ولذا يرجّح أن تظهر النتائج سريعاً: إما قيام قوميات  دول عربية مكتملة النمو، أو تفكك هذه الدول إلى دويلات إثنية أو طائفية تقوم هي ببناء دولها  أممها الخاصة.

أما الحركات الإسلامية، التي يمكن أن تبدو الحصن الأخير لوقف هذا الزلزال التاريخي، فهي وبسبب عدائها للفكر القومي العربي، ستجد نفسها مضطرة إلى السباحة في بحيرة العصبيات الجديدة إذا ما أرادت البقاء على قيد الحياة.

ماذا في وسعنا أن نفعل مع مثل هذه المرحلة التاريخية؟

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى