زدني ظلماً كي أكون على حق
وسام سعادة
من أين تأتي الواحد منا القناعة الراسخة بأنه على حق؟ وأي سند يسمح له بالوثوق بأنه دائماً على حق؟ أحياناً، قد يحاول الواحد منا أن يكون أكثر شأواً أو مداراة. أحياناً يحاول الواحد منا أن يتظاهر بأن الحقيقة لا تكشف عن وجهها النهائي لأحد بمن فيهم لشخصه. لكن كل واحد منا يحفظ السرّ، ويظلّ في قرارة نفسه مقتنعاً بأنه على حق، وبأنه كذلك ما بقيت في باله الأنا.
لكن الأمر يستحيل مشكلة حقيقية عندما يجري تغذية هذا العالم الجوفي الذي لكل منا، بحيث ينتقل من حالة التيقن بأنه على حق وبأنه محق إلى حالة التيقن من أنه صاحب الأحقية.
فمن تأخذه نفسه الى حيث استواء يقين الحقية ويقين الأحقية، لن يعود يميز كثيراً بين صلفه واقامة العدل، وسوف يطلق العنان، في أي موقع كان، لاحتمالات لا آخر لها من التظلّم والمظلومية. هو على حق لأنه مظلوم، وهو مظلوم لأنه على حق.
ويمكن أن يزيّن المرء أنه بهذه الخصال يتفرّد وجوده الانساني ويتميّز. ليس ذلك الا محض سراب. فالمبالغة في الوثوق بأنك دائماً وأبداً على حق انما تعني التجرّد من ذاتيتك بحيث لا تعود تشخّص. فما ذاتية الواحد منا غير لحظات ارتيابه وقلقه وتشكيكه بنفسه وبالآخرين؟
كذلك، فان اليقين بالحقية والأحقية لن ينجي المرء من سطوة الوسواس الخنّاس. بل كلما زاد منسوب الوثوقية بأن العلاقة التي تقيمها مع الحق هي علاقة مباشرة وبلا واسطة، كلما كانت الوساوس تستبيح عالمك الجوفي، وكلما كنت أنت عنصراً مساعداً يعمل لأجل اشاعة الوساوس بين الناس.
فالعالم الجوفي لكل منا يصبح كابوساً محققاً حينما يتمادى يقين الحق والأحقية فلا يعود يُراجَع أو يُساءَل.
ولا شكّ في أن التظاهر بأنه يمكن ألا تكون على حق في أحيان معينة، وأنه يمكنك أن تخطئ، انما يسمح الى حد كبير بالتقنين من الوسواس الذي يقول لحظة بلحظة «أنت يا فلان ابن علتان على حق». لكن ما يخفف أكثر من قناعتك العمياء بحقك وأحقيتك هو التجربة والنتائج الملموسة. أن ترتد أخطاؤك عليك بشكل سلبي فهذا وحده ما يجعلها أخطاء.
فإن لم تتعلّم من أول مرة، يمكن أن تنتظر ثاني مرة، لكن عليك في آخر الأمر أن تستقي عبرة. أما أن يتكرّر الخطأ نفسه، بل يستفحل، فهذا يعني أن تستشري العواقب السلبية لهذا الخطأ، وعندها أيضاً تكون على المحك: فإما أن تحمل هذه العواقب الشخص منا الى مراجعة موقفه الواثق والثابت، واما أن يظل مكابراً حتى آخر فرصة بمكابرة، بما يعنيه ذلك من فوات أوان المراجعة.
ولعلّ فوات أوان المراجعة هو ما يميّز الطابع الغالب على الثقافة السياسية العربية، واستطراداً على شتى جوانب المعاش والقول. من عوارض هذا الفوات أنه كلما ارتدت عواقب أعمالك السيئة عليك بشكل سيئ، ارتفع معدّل التظلّم لديك، دون أن يكون لهذا التظلّم من أفق الا الاستغاثة بأن «زدني ظلماً».